في التكتيك فإن كاستينغ الفاعلين السياسيين ،يحمل من الدلالات أكثر مما نتصور. اللاعب الجديد الذي فتحت امامه هوامش الحركة وسلم له وصم "القريب من السلطة" مرفقا بأرقاب القوى السياسية الفاقدة لقرارها المستقل ،بغاية تقوية أدائه التفاوضي ، يعني فشل الرهان على أدلجة الصراع السياسي بين مراكز النفوذ وبين الحزبية الإصلاحية والمستقلة ذات الشرعية الشعبية.

التقدير الرسمي لهذا الفشل ،سيعني إنتقال السلطة رأسا إلى إستقدام المال وقوى الاقتصاد الريعي و الزبوني و "نصف"الليبرالي،لأجل لعب أدوار أكثر مباشرة و"فدائية" ،لتطويق هوامش الانفتاح المحسوب والمرافق للنظام السياسي على جزء من الإرادة الشعبية .
كل هذا سيؤشر مستقبلا على صدامية أكبر في تدبير انفلاتات الحقل السياسي .

في الحسابات الدقيقة للسياسة ،فإن الصيغة التي تطبخ اليوم تشكل تراجعا مقدرا عن صيغة الأصالة والمعاصرة ،والتي كانت بالنظر لنخبها و امتداداتها البشرية و طبيعتها الأيديولوجية ،مختلفة عن الخطاطة الأصلية لحزب الإدارة في عهد الحسن الثاني .

رغم ان الاستعارات قد تنهض على الكثير من السهولة وقد لاتنجح دائما في نقل الواقع المركب ،فإنه يمكن المغامرة بتوصيف هذا الانتقال كتحول من معركة "الحداثة"إلى معركة السوق .

طبعا ،مرة أخرى اليسار المغربي(المستقل طبعا ) ،لا يلتفت كثيرا في بناء و تقدير مواقفه للهجوم الكاسح للمال على السياسة. ذلك أنه في قطيعة تامة مع دروسه الاقتصادية الأولى ،ولأنه فاقد البوصلة فعندما يكثف الصراع في مستواه الطبقي والاقتصادي ،فإنه ينبهر بطفولية بالمؤسسات والسياسة ،وعندما يحتدم الصراع في فترات أخرى في الحقل السياسي ،يستعير نظارات الايديولوجيا ليتقمص كبطل اشكالي تائه معارك وهمية قافزا عن الحلقة المركزية للسياسة .

في عز الصراع اليومي والواضح بين مراكز النفوذ السياسي والاقتصادي والمالي مع التعبيرات المستقلة للإرادة الشعبية ،يختار اليسار الركون في قلعته المحصنة(عن السياسة والفعل ) : الأخلاق،لكي يأخد نفس المسافة من الجميع : مع امتدادات السلطوية لما تمثله لذاتها ،و مع تعبيرات الارادة الشعبية بسبب ما يسبغه عليها مخياله الأيديولوجي الحاد .
حسنا انه يفضل، الاكتفاء ، بتسجيل شهادته للتاريخ .

حسن طارق