يطغى موضوع عودة المملكة المغربية للاتحاد الأفريقي على الساحة الإعلامية والأكاديمية والسياسية على المستوى الدولي والوطني ، وقد جاءت العودة كتتويج لاستمرارية العلاقات المغربية الأفريقية رغم انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية طيلة 32 سنة، و هي المدة التي اعتمدت فيها السياسة الخارجية على المرونة، دون توقف للتعاون مع كثير من دول القارة، الشيء الذي مهد الطريق لاستعادة العضوية داخل الاتحاد الأفريقي دون عناء. وقد تزامن الحدث مع وضع دولي مشوب بتقلب وتعقيد القضايا الدولية، كما توج الحدث يوم 31 يناير 2017 باديس ابابا بخطاب ملكي وازن و قوي، يصون التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية للمغرب اتجاه شعوب ودول القارة، كما يحمل مشاريع وبرامج مستقبلية محددة لاولويات وحاجيات وبرامج ومشاريع تخدم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية ...الخ.


وتنطلق هذه العودة من أسس متينة في القانون الدولي ومنها عنصر السيادة كدافع وغاية في نفس الوقت والذي بموجبه يتم قبول عضوية اية دولة في الاتحاد الإفريقي أو في غيرها من المنظمات الدولية، ذلك أن السيادة هي معيار الفصل بين تنظيم الدولة و باقي التنظيمات الأخرى كالجماعة أو العصابة أو التنظيم المسلح حتى وإن سمى نفسه دولة... والتي لا يمكن أن تتساوى مع الدول التي لها تراكمات كبيرة وبالاحرى أن لا تتوفر فيه شروط الوجود القانوني، وعليه فإن السيادة هي المحدد الأساسي للانخراط في الاتحاد الإفريقي حسب قانون الاتحاد نفسه، وهذا ما يعطي للمغرب حق العودة بقوة وثبات، كما يسمح بتصحيح قواعد القانون الدولي بالاعتماد على الأعضاء الكاملي الأهلية.


ولتحديد و فهم السيادة في العلاقات الدولية فانها تتميز بالقدرة والاستقلالية في اتخاذ القرارات، أما سوء فهمها فهو الذي يترتب عنه المساس بالوحدة الترابية للدول والتدخل في شؤونها الداخلية كما حصل للمغرب، وذلك نتيجة لمخلفات السياسات والحملات الاستعمارية لدول الشمال على دول الجنوب، حيث تم تغيير حدود الدول وترتبت عنها خلافات مغرضة ومقصودة امتدت الى فترة ما بعد الاستقلال. لذا بناء على العودة للاتحاد الأفريقي، فإن المغرب مطالب بالوقوف على العيوب التي استغلت لصالح خصوم الوحدة الترابية، ومراجعة وضعية الكيان الوهمي من داخل الاتحاد الافريقي اعتمادا على تحليل الانساق و النظم، لكونه يفتقر لأي شرط سيادي او ركن لتسمية دولة على مستوى القانوني و كيفية تم قبوله عضوا في الاتحاد، وأن يدفع بدول الاتحاد إلى مراجعة الضوابط القانونية للانضمام للاتحاد، وفق ما تنص عليه المادة 32 من القانون التأسيسي، وإخلاء القارة من جميع النزاعات، ومعالجة المشاكل الحقيقية التي تعاني منها شعوب القارة التي اضطهدت واستعبدت تاريخيا ولم تنصف، بل وما تزال تعاني المخاطر الأمنية والاتجار في البشر والفقر والأوبئة وضعف مؤشرات التنمية البشرية ...


هذه الوضعية تفرض دعم الديبلوماسية الاقتصادية بين مختلف الدول ووضع نموذج اقتصادي إفريقي واسع، لرفع التهميش عن شعوب القارة. وبالموازاة مع ذلك تفعيل الديبلوماسية البرلمانية والثقافية والجامعية والإعلامية إلى جانب تفعيل القضاء الافريقي وبالخصوص محكمة العدل الأفريقية بجميع تخصصاتها، والعمل من أجل انضمام البرلمان المغربي إلى حظيرة برلمان عموم أفريقيا واتباع منطق الأغلبية كقاعدة ديمقراطية للتغلب على المصاعب.


وتجدر الإشارة إلى ان تجربة اتحاد المغرب العربي التي أريد لها الفشل بسبب مشكل السيادة نفسه والغوص في أزمات مصطنعة ومنها أزمة الحدود بين المغرب والجزائر، بالرغم من أن الاتفاقيات الدولية والواقع وكل الحجج تدل على سيادة المغرب الكاملة على ترابه، لذا فإن المغرب اليوم مطالب بأن يتوجه بسياسة خارجية جديدة قادرة على التعامل مع تحديات القارة رغم تعقيد القضايا وتسخير الأدوات الثابتة والمتحركة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للمملكة المغربية، ونهج ديبلوماسية بديلة كالتي ينهجها الملك محمد السادس والتي تستشرف أوضاعا متقدمة لشعوب القارة، و جعل القرارات من داخل الاتحاد تروم مواقف ومصالح كاملة السيادة والتي لها مؤهلات وشروط غير متناقضة مع مفهوم الدولة في القانون الدستوري والعلوم السياسية والاقتصادية والعلاقات الدولية، حيث الحق في الوصول إلى المعلومة الإفريقية وتعميمها والتعبئة بكل الوسائل الممكنة من أجل تطوير العلاقات مع دول جنوب - جنوب.

 

د. أحمد درداري