النفاق الاجتماعي هو مرض نفسي وأخلاقي ينخر تماسك المجتمع، ويهدم أسسه ومبادئه، ويفسد مناخ الثقة بين أفراده، ويفتح أبواب الشك والريبة وعدم الاطمئنان بين مكوناته، مما يخل بالتوازن الأخلاقي في المعاملات اليومية للناس. 

 

وقد تحول إلى ظاهرة مميزة لهذا العصر، فأصبح بالنسبة للبعض أسلوب حياة، و وسيلة للوصول إلى المبتغى والحصول على المناصب، وتحقيق التٙفٙوُّق بطرق غير مشروعة.. و هو ما حدى بهم إلى تطوير مهارات في المكر والخداع، فانعدم لديهم التطابق بين السر والعلانية، و بين القول والفعل، فأشاعوا الكذب بديلا للصدق، والخيانة بديلا للأمانة، والإخلال بالوعد بديلا للوفاء، و اختاروا من الأخلاق طالحها، و من التربية أسوأها... مراحل تطور النفاق الاجتماعي : لم يكن النفاق الاجتماعي للبعض وليد اللحظة وإنما نتيجة لضغوطات الوسط الاجتماعي الذي ترعرع فيه، بدءا من تصرفات أهل البيت وتربيتهم، و تفاعلاتهم فيما بينهم، وطبيعة العلاقة بين الوالدين والأبناء وأفراد العائلة من جهة، و من جهة أخرى بين الأبناء و بين المدرسة و الفضاءات العامة.

 

فمناخ القمع والتسلط والعدوانية والاحتقار، لا يولد سوى مزيدا من الكذب والتحايل على الحقيقة، بغية الإفلات من العقاب وتجنب السخرية، أو لتحقيق مكاسب فردية غير مستحقة، وهذا ما يدفع البعض للقيام بأفعال لا يؤمن بها نزولا عند رغبة الآخر واِتقاءا لشره، الشيء الذي يعزز لدى الفرد الناشئ فكرة تطوير أساليب الغش والانتهازية، متى حقق له ذلك مصالح شخصية.

 

ورويدا رويدا حتى يسقط في شباك النفاق الاجتماعي الذي سرعان ما يتحول إلى مرض معدي يساعد ضعاف النفوس على تجنب مواجهة الحقيقة، وذلك بارتداء أقنعة مزيفة تتناسب مع الظروف و الأحداث التي تواجههم، فيصبح النفاق السمة الأساسية و العملة الوحيدة لجميع تعاملاتهم اليومية حيث ما حلوا و ارتحلوا. أعراض النفاق الاجتماعي : لم يعد الفرد يعيش حياته الخاصة باستقلالية وفق احتياجاته و قناعاته، بل أصبح يعيش حياة تتناسب مع أهواء وانتقادات الغير حتى لو كانت غير موضوعية، بل وفي كثير من الأحيان يجد نفسه مكرها لتحمل مشقة القيام بها، كالمبالغة في الغوص في الكماليات قصد التباهي بها، والإسراف في الحفلات الاستعراضية.. و كأن المطلوب منه هو رسم صورة فلكلورية بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يحاول عبثا طمس معالمه الجلية، في محاولة لإعطاء الشكل قيمة مُبٙهْرٙجٙة لا تحاكي المضمون.

 

إن توجيه نزوات النفس في اتجاه النفاق الاجتماعي، يدفعها إلى الدوس عن كرامتها و مبادئها و تغليب الجانب الحيواني فيها في مقابل التخلي عن الجانب الإنساني، و العمل على خرابها من الداخل في سبيل تحقيق مكانة اجتماعية وهمية بين الناس، لا يتفانى صاحبها في المكر و الخداع و التدليس، والكذب على محيطه وعلى نفسه أيضا موهما إياها بأن لا أحد يعلم حقيقته، وأنه يستطيع بدهائه أقصد ببلادته قلب الحقائق و المعطيات لصالحه، متناسيا أن الصادق لا يحلف و الواثق لا يبرر، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخفي زُخْرُف القول ما يُؤٙكِّدُه عٙبث الفعل.

 

ولأن إرضاء الناس غاية لا تدرك، و الطبيعة الإنسانية جُبِلٙت على النقصان، فإن البحث عن الكمال عن طريق التضحية بالمبادئ الأخلاقية والإنسانية، يجعل مصير كل ما بُنِي على أسس واهية هو الانهيار و الدمار. لا سبيل إذن لتقويم هذا النفاق الذي يهدم هياكل المجتمع، سوى بالاهتمام بتربية الأجيال على أسس وركائز أخلاقية، تحقق لها التصالح مع الذات، قصد تكوين جيل يتمتع بشخصية قوية، تمنحه الاستقلالية في الإرادة و صحوة الضمير، والتشبث بالمبادئ الإنسانية، والدفاع عن المثل العليا مهما كلف الأمر، وذلك بالصرامة في تطبيق القوانين والسهر على تخليق الحياة العامة، في سبيل الرقي بالمجتمع.

 

 

عز الدين فناني