قوانين لتنظيم العمل الجماعي في إطار الجهوية الموسعة :

الكل يعرف أن مسودة الدستور واضحة فيما يخص توزيع الصلاحيات، وتحديد قواعد اللعبة السياسية.لكن القوانين المترتبة عن النصوص الدستورية لبعض القطاعات ما تزال في طي المجهول،ويتبين لحد الآن، أي بعد مرور ولاية حكومية أولى والدخول في أخرى،بعد إقرار الدستور الجديد، أن العديد من القوانين التنظيمية والقوانين العادية لا زالت معلقة التنزيل، وهو ما انعكس سلبا على الجدولة الزمنية والسياسية لأي عمل تشريعي جديد يستقي مضامينه من القوة الرقابية الصريحة للدستور الجديد.يمكن لنا تبرير الركود الحاصل في معالجة النصوص القانونية في هذه المرحلة بالذات، بالبلوكاج الحكومي ولكن هذا ليس مبررا لأن هناك حكومة تصريف الأعمال وهي المسؤولة عن الوضعية الآن ولا ننسى أن هذه الحكومة نفسها مساءلة بعد مرور فترتها الانتدابية عن كل التأخير الذي تعرفه النصوص القانونية والإجراءات وحتى عن التسيير والتدبير الحكومي في بحر مدتها الانتدابية،هناك حكومة وهناك برلمان يجب أن يشتغلا..1.؟

الانتظارية التي تشوب الأجرأة القانونية للدستور عموما،تترك فراغا ملحوظا في القوانين المنظمة للممارسة السياسية والدستورية وتفسح مجالا للتأويل الدستوري الفج للقوانين والتنظيمات التي يمكن المجازفة بها ضدا على روح القوانين وفلسفة الدستور الجديد التي بنيت على التحررية والفعالية الديمقراطية وحماية المكتسبات المدنية.

مناسبة هذا الحديث هو الفراغ الذي تركته الحكومة السابقة في مجال تنزيل القوانين الجهوية المنظمة وتنزيل قوانين إعادة تنظيم الجماعات المحلية كما تطالب به الهيئات المدنية من صلب الدستور الجديد،هذا التناسي انعكس سلبا على النص القانوني التنظيمي للجهة ولا يتصور تعديلا للقوانين الجماعة في المستقبل القريب أو البعيد .لذا يجب على البرلمان الحالي أن ينكب على النص التنظيمي والتشريعي للجهة وللجماعة معا وأن ينطلق هذا النص من روح دستور2011، الجهة في إطار نص تنظيمي يستوفي شروط الجهة الموسعة كما هو متعارف عليه دوليا والجماعة في إطار تنزيل قوانين تعديلية رقابية صارمة على كيفية تدبير المال العام والتعامل مع المشاريع الإنمائية.وهذا سؤال موجه أيضا للمعارضة السياسية في البرلمان؟ فالقصور الملحوظ في النشاط التشريعي للمعارضة البرلمانية في الحكومة السابقة في هذا الصدد،فسر هزالة الحصيلة التشريعية للبرلمان السابق(2012-2016) ليس فيما يتعلق بالجهة أو الجماعة وحدها ولكن في مجالات أخرى،في حين كان الجميع ينتظر أن تكون السنة التشريعية التاسعة حافلة بمشاريع قوانين تنزيل ديمقراطي لمضامين الدستور الجديد والتسريع بإخراج القوانين التنظيمية الواردة فيه في كل المجالات؟ للحكومة تأويل في كيفية إخراج القوانين المنزلة دستوريا أو على الأقل الاشتغال على النصوص الدستورية الجديدة لفرز ترسانة قانونية ذات صلة مباشرة مع الدستور الجديد،وكل تبرير للحكومة خارج هذا السياق،هو أيضا تأويل غير ديمقراطي للدستور،وكل ما هنالك هو الإجماع بضرورة العمل على فرز كل القوانين ذات الصلة باستكمال التنزيل الدستوري سواء التنظيمية أو التشريعية في كل مجال.وفي الجانب الجهوي أو الجماعي على الخصوص فإنه لا يمكن تحديد نوعية وكيفية مخطط العمل الإنمائي ونتائجه، قبل تنزيل القوانين المتعلقة بدستور2011 الخاصة بالتنظيم والممارسة والرقابة وتحديد الصلاحيات والمساءلة والمحاسبة،وإلا فهو عمل يشبه وضع الحصان قبل العربة.أليس هذا ما ينتظره كل الفرقاء السياسيين،ولسان حالهم يقول، ليس بالإمكان الإقدام على تحديد موعد معين لهذه المشاريع التنظيمية سياسيا وجهويا، طالما لم يتم الحسم في مشاريع القوانين التنظيمية النابعة من الدستور الجديد؟

حقا ينتظر من البرلمان الحالي،إخراج عدة قوانين تنظيمية في مجالات عدة تخص الممارسة النيابية نفسها،الحياة النيابية داخل البرلمان بشقيه تنتظر قوانين تعيد النظر وتحسم في جوانب تشريعية عدة منها جوانب تنظيمية تخص المؤسسة التشريعية نفسها،سياسيا وتنظيميا ومنها أجور البرلمانيين ومعاشات تقاعدهم وأسلوب اشتغالهم،وحالة التنافي عند البرلمانيين والمنتخبين بالعلاقة إلى الوظائف الحكومية، والترحال البرلماني الذي عاد من حيث خرج، وقضايا أخرى تنظيمية وتشريعية،فالعديد من المؤسسات تنتظر أيضا أجرأة الدستور قانونيا لفائدتها، مجلس الوصاية ومجلس المستشارين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة وقواعد تنظيم المحكمة الدستورية وسيرها ووضعية أعضائها والمهام التي لا يجوز الجمع بينها وبين عضوية المحكمة الدستورية وفي الشأن البرلماني قوانين اللجان النيابية لتقصي الحقائق والرقابة المالية القبلية والبعدية،وكيف يتم معالجتها بين البرلمان ومفتشيات الوزارات المعنية، هذه الأخيرة لا تخطر على بال لجان الدراسات القانونية في مجال التشريعي البرلماني والسؤال يبدو غريبا كيف أن البرلمان كسلطة تشريعية ورقابية على المال العام وتدبير الشأن العام لا يمارس هذه الوظائف إلا نادرا ولا يقوم بها إلا تحت الطلب أي حين بروز ملفات فساد لا يمكن السكوت عنها وكيف يتعايش مع حالات الإثراء الفاحش لمنتخبين وسياسيين برلمانيين دون أن يكون له أسئلة في الموضوع ؟

ما يزال الجميع ينتظر القانون المنزل من الدستور الجديد ليفصل في كيفية اشتغال الجماعات ديمقراطيا وتحديد أعضاء الجماعات والقواعد المتعلقة بحقوق الترشح وضوابط أهلية النائب الجماعي وقبوله، وقضايا حالة التنافي في المناصب النيابية والعمومية،فبعض المسؤولين ما يزالون يتشبثون بالجمع بين مسؤولياتهم النيابية كرؤساء للمجالس المنتخبة ومناصبهم الحكومية ومناصبهم في القطاع الشبه عمومي ومصالحهم في القطاع الخاص.وكذلك حالة الانتداب، وقبل ذلك وبعده ترسيم قانون الانتخابات الذي يجب أن يساير روح الدستور الجديد في كل ما جاء به، انطلاقا من نتائج وخلفيات العملية الانتخابية الأخيرة التي جرت في السابع من أكتوبر 2016.

التنزيل الدستوري على المستوى الجماعي والجهوي مشروع ضخم وشاسع وهو قانون شامل ينظم المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجهة والجماعة ويضبط الممارسة الديمقراطية على أحسن وجه،لأنه سيحدد صلاحيات المسؤولين الجهويين والجماعيين وضوابطها القانونية ويحجم الإرادات المتسيبة لدى البعض وبالتالي فهو فيصل في ممارسة العمل الدستوري بنزاهة دون إفراط ولا تفريط وفق قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ تدبير الشأن العام جهويا، وكذا مراقبة المسؤوليات وتقييم الأعمال وإجراءات المساءلة والمحاسبة ؟

إن أبرز ما يجب الانتباه إليه هو الجانب الإصلاحي في القوانين بمعنى رفد النصوص المتعلقة بالتنظيم الجهوي والجماعي للجهات والمجالس الجماعية المنتخبة بمضامين قانونية تنص على حماية المال العام وإشراك المجتمع المدني في الرقابة وذلك للحد من نزيف الفساد المالي والاغتناء غير المشروع ، لقد تبين من خلال ما تداولته وسائل الإعلام عن ثروات بعض رؤساء الجماعات المحلية الخيالية،وأن المسؤولية الجماعية أصبحت مصدرا للإثراء السريع ،لذا يجب وضع قوانين جديدة للتعامل مع ظاهرة الفساد بالجماعات والمجالس المنتخبة وحماية المال العام من التبذير عن طريق اللجان المدنية الرقابية التي تراقب الوضعية المالية وتنفيذ المشاريع بكيفية سليمة وشفافة. فنحن نرى كيف يتم التعامل مع الكماليات بالنسبة لكثير من المجالس الجماعية والحضرية على حد سواء في تجهيز المرافق الجماعية إداريا ولوجيستيكيا، وهو شيء يسري سواء في الجماعات الغنية أو في بعض الجماعات الفقيرة دون إبلاء أية أهمية للجوانب ذات الأولوية في حياة المواطنين كتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء والطرق والمواصلات والمرافق التعليمية والصحية والرياضية.

في العالم القروي وفي بعض المناطق تبدو الوضعية المجالية منكوبة وأن المرافق العمومية التي صارت من مكاسب المجتمع في كل شبر من الوطن غريبة عن الإطار العام المجالي لبعض المناطق، حيث يقاس برنامج التنمية المحلية حين التفكير فيه بنسبة كثافة السكان، فيتم إنشاء المدارس في المجمعات السكنية الشبه حضرية وتبقى مسافات الطريق حائلا دون تقديم الخدمة للمتعلمين والمرضى والحرفيين والصناع وغير ذلك،فنسبة الفتيات المنقطعات عن الدراسة بعد المرحلة الابتدائية بجماعة كجماعتي "سبت جزولة" و"خميس نكة"2 مثلا، تتجاوز 75 % منهن والسبب هو بعد المسافة من المؤسسات التعليمية في المرحلة الإعدادية والثانوية عن مساكنهن في البوادي وانعدام النقل المدرسي وغياب الأمن وانتشار الجريمة في الضواحي،علاوة على الفقر المدقع الذي تحيا فيه نسبة هامة من الساكنة.؟

1- البرلمان تم تنصيبه قبل الحكومة يوم الجمعة 14 أكتوبر 2016 ويمكن له أن يباشر الحياة التشريعية ويقدم العون لحكومة تصريف الأعمال.

2- من بين الجماعات الأفقر في جهة مراكش،بالنسبة لسبت جزولة فهي جماعة معروفة برواجها التجاري الكبير ولكنها لا تتوفر على أية وحدة صناعية تذكر ويعاني شبابها من الفقر والبطالة وغياب المرافق الثقافية والرياضية والترفيهية,تعتمد ساكنتها على الزراعة التي ترتبط مباشرة بموسم الأمطار وتعاني في أغلب الأحيان من العطش وندرة المياه.منطقة تتطلب عناية خاصة من قبل الحكومة والمؤسسات الوصية وتتطلب أكثر، أجهزة تدبير محلية نوعية . سنضطر للعودة إلى الموضوع بتفصيل.


ميلود العضراوي