سواء جرى الحوار السوري ــ السوري مباشرا أو بطريقة غير مباشرة فإنه لن يؤدي إلى نتيجة إيجابية. لقد تأخر هذا الحوار ست سنوات إذا ما أخذنا عمر الحرب في نظر الاعتبار. ولكنه في حقيقته تأخر أكثر من أربعين سنة هي عمر النظام.

النظام الحاكم في سوريا حاليا هو ابن الانقلابات الذي تعلم الدرس جيدا فأحكم الطوق جيدا بطريقة لا تسمح بوقوع الخطأ الذي يمكن أن يلحقه بالأنظمة السابقة التي انتهت إلى الهلاك.

نظام من ذلك النوع لا يعرف سوى الحلول الأمنية وسيلة لحل مشكلاته.

كان اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي عام 2005 عنوانا مختبريا لنظرية النظام في الحكم. لقد ذهب معظم الموقعين على ذلك الإعلان إلى السجن من غير أن تثبت عليهم تهمة الانقلاب على النظام.

ليس هناك شيء اسمه الإعلان عن النوايا الطيبة في علاقة النظام بالنخب الثقافية، فما الذي يمكن توقعه إذا ما تعلق الأمر بمعارضة مسلحة.

من المؤكد أن الدعوة إلى الحراك الشعبي الذي سبق الثورة السورية لم تكن عفوية ولا بريئة. سنكون ساذجين لو صدقنا أن شيئا من البراءة يتخلل العمل السياسي المنظم.

لقد جرى كل شيء في الاتجاه المخطط له.

ما كان معروفا بالنسبة للكثيرين لم يكن خافيا على المعارضة السورية. لذلك لم يكن أحد يتوقع أن يكون تعامل النظام مع ما يجري على قدر مختلف من التفهم للمطالب الأولى التي لم تكن الاستجابة لها لتشكل تهديدا لوجوده. كان سلوك النظام يومها تجسيدا لجمود المعادلة التي أرسى قواعدها الأسد الأب. فلا تغيير إلا إذا كان ذلك التغيير يقع في مصلحة النظام.

لم يكن الحوار واحدا من عناصر تلك المعادلة.

ما هو طبيعي بالنسبة لسوريا في ظل تلك المعادلة أن يحاور النظام نفسه.

وهي معادلة لا تزال سارية المفعول حتى هذه اللحظة.

لقد أخطأت المعارضة حين تخلت عن دورها في تثوير الداخل ولجأت إلى أسلوب الحرب الشاملة. وهو ما فتح الباب على تدخلات القوى الإقليمية والدولية لكي تحل مشروع الحرب محل مشروع الثورة.

اليوم إذ تطالب المعارضة بإجراء مفاوضات مباشرة فإن ذلك لا يعني سوى أن تلك المعارضة قد شعرت باليأس من إمكانية أن ينصت العالم إليها فصارت تود أن تعيد عقارب الزمن إلى مرحلة ما قبل الحرب لكي يكون الحوار ممكنا. وهو ما لم يعد ممكنا. ذلك لأن الحلول السياسية قد أحبطت في مواجهة الخيار العسكري الذي لم تعد المعارضة السورية الرسمية قادرة على التحكم به.

على الأرض مباشرة لم تعد هناك سوى المجموعات المسلحة التي تُحسب على قائمة الإرهاب. وهي المجموعات التي لم تشملها الهدنة. وهو ما يعني أن جغرافيا المعارضة صارت ضيقة بطريقة لا تسمح لها في أن تقول كلمتها التي يمكن أن تكون محل ثقة.

ما ينتظره النظام ستكون المعارضة عاجزة عن تقديمه.

غير أن ما تنتظره المعارضة هو أشبه بالرجاء. ذلك لأن المجتمع الدولي قد أوكل لروسيا كما يبدو مهمة إنهاء الأزمة السورية. وهو ما يعني أن حوارا سوريا ــ سوريا لن يقع إلا برعاية روسية.

من غير ذلك الحوار فإن الحل سيكون عسكريا.

 

فاروق يوسف