تعكس الفوضى السائدة الآن على الساحة السياسية الأميركية ذلك. كما تستند السياسات إلى "حقائق بديلة"، وإلى أساطير ترمب الخاصة باعتباره مليارديرا ورجل أعمال صريحا (على الرغم من أن قصته السابقة مليئة بالثغرات).

وأصبح الجهل بالقانون عذرا لخرقه ولتبني سلوك مشكوك فيه أخلاقيا، مثل دعوة ترمب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى منتجعه مارا لاغو، أو مهاجمة سلسلة المتاجر نوردستروم لإيقافها عرض منتجات الموضة الخاصة بابنته إيفانكا. (أعاد ترمب هجومه بالتغريد عبر تويتر على الشركة من حساب بوتوس الرسمي، وقام مستشاره كيليان كونواي ببث عرض إيفانكا على التلفزيون الوطني).

ليس من المستغرب أن الأعمال التجارية -التي عادة ما تكون محكومة بالغرور المطلق- تُعِدّ إستراتيجيات للتعامل مع حاجز التغاريد الرئاسية. وفي كل الأحوال، لم تكن نوردستروم هدف ترمب الأول (رغم أنه كان أول المجمعات التجارية الكبرى التي ارتفعت أسهمها ذلك اليوم).

في الواقع، يُجبَر العديد من الشركات على اتخاذ موقف حازم من ترمب، ومن أوامره التنفيذية اللا محدودة والمثيرة للجدل، ومن السياسيين الذين يساندونه في كل شيء. هذا يشير إلى أن التصرفات والأعمال لن تبقى كما هو معتاد.

ومن المفارقات أن هذه البيئة الجديدة الغريبة تعكس جزئيا خلفية الأعمال الخاصة بترمب. فقد اعتاد ترمب تشغيل شركته الخاصة بواسطة فريق صغير تم اختيارهم بناءً على معايير خاصة به، فكانت نجاحاته وإخفاقاته خاصة به. إذ تمكن من اختيار ما ينبغي حجبه عن الرأي العام، ومن بيع ما يحب الناس شراءه على مسؤولية المشتري.

أما وظيفته الحالية فهي قصة مختلفة؛ فبقدر ما يرغب ترمب في الادعاء بأنه وحده يمكنه إصلاح الولايات المتحدة، فإن الحقيقة هي أن الحكومة معقدة للغاية ومؤسسة لا يستطيع شخص واحد إدارتها بإصدار الأوامر.

كما أن ترمب لا يستطيع أن يخترع معايير أدائه الخاصة، لاسيما إذا كان يفضل الولاء الشخصي على المعرفة والخبرة. وسيكون لإخفاقاته انعكاس سيئ ليس عليه وحده بل على البلاد بأكملها، كما سيعاني منها معظم العالم.

لكن هناك قواسم مشتركة بين إدارة الأعمال وإدارة البلاد؛ ففي كل من المجالين يتعين على القادة أن يعملوا لمصلحة المجتمع ككل، وليس فقط لمصلحة دوائرهم الخاصة، سواء الناخبين أو المساهمين. فالمبادئ الأساسية لإدارة العمل جيدا (بما في ذلك الشفافية والنزاهة والموثوقية والثقة والشرعية) تنطبق أيضا على القيادة السياسية.

ما لا يستطيع ترمب تجاهله هو مبدأ محاسبة السلطة الرئاسية. ومن المؤكد أن الكونغرس الذي يقوده الجمهوريون (حتى الآن) لا يرغب في الوفاء بمسؤوليته بتقييد ترمب. إذ لم يرفض مجلس الشيوخ أيا من المسؤولين المعينين من ترمب، رغم افتقارهم إلى الخبرة وعدم كفاية التدقيق (عضوان جمهوريان فقط صوتا ضد وزيرة التربية والتعليم بيتسي ديفوس).

ومع ذلك، قاومت السلطة القضائية إرهاب ترمب؛ فقد رُفض أمره التنفيذي بمنع مواطني سبعة بلدان مسلمة من دخول الولايات المتحدة ثلاث مرات في المحكمة، ويقول البيت الأبيض الآن إنه لن يستأنف القضية لدى المحكمة العليا.

لكن أكبر مراقب للسلطة في الديمقراطية هو الشعب. وفي الولايات المتحدة يبدو أن الناس قد خرجوا للتعبير عن آرائهم بشكل سلمي ولكن بكل حزم. فبعد يوم من تنصيب ترمب، قادت النساء أكبر احتجاج خلال يوم واحد في تاريخ الولايات المتحدة، وقام المواطنون بالاتصال بمحاميهم أو مشرعيهم للمطالبة بتمثيل أفضل لمصالحهم."

وفي الآونة الأخيرة واجه مُمثل ولاية يوتا الجمهوري جيسون شافيتز الآلاف من ناخبيه وهم يهتفون "قم بعملك!"، خلال اجتماع في دار البلدية كان من المفترض أن يكون اجتماعا عاديا.

ليس فقط المنتخَبون من تتم مراقبتهم؛ فمنذ وقت ليس ببعيد اشترك المستهلكون والعمال وأفراد المجتمع في الربيع العالمي للمساهمين، الذي استهدف الشركات التي كانت تتصرف بسوء نية، من خلال مكافأة المديرين التنفيذيين الفاشلين الذين استهانوا بالأنظمة البيئية، أو الذين لم يحترموا حقوق العمال.

نحن نشهد الآن حركة مماثلة مع رد فعل المستهلكين ضد الشركات التي تدعم إدارة تتبنى قيما يرفضونها. فربما ساهمت حملة "#أمسك محفظة نقودك" في انخفاض مبيعات ملابس إيفانكا،  ابنة ترمب (السبب الذي استشهد به المجمع التجاري نوردستروم وغيره و ساهم في تبرير قراره بإسقاط صف هذه الملابس).

كما عاقبت حركةُ "#حذف أوبر" الشركةَ التي ساهمت في تقويض إضراب سيارات الأجرة بمطار كينيدي (في مدينة نيويورك) لدعم المحاصرين في حظر السفر الذي فرضه ترمب، وساعدت في الضغط على الرئيس التنفيذي للشركة ترافيس كالانيك سعيا لاستقالته من المجلس الاستشاري الاقتصادي لترمب.

وعندما أعرب الرئيس التنفيذي لشركة "أرمور" كيفن بلانك عن دعمه لترمب، أعلن الرياضيون المرتبطون بالعلامة التجارية معارضتهم لموقفه، وأجبروا الشركة على إصدار بيان تتبرأ فيه من تصريحات بلانك.

ترمب هو دراسة لحالة عدم القيادة، سواء في العمل أو في الحكومة. ومع شوفينية ترمب وتسريحة شعره، فإن انتخابه يبدو نتيجة للتفكير بالتمني والسلبية العنيدة للعديد من الناخبين.

وربما كان هذا هو الدرس الحقيقي من رئاسة ترمب حتى الآن. أي أن ما لا يمكن تصوره يمكن أن يحدث، كما حصل في بريطانيابتصويت بريكست (انسحابها من عضوية الاتحاد الأوروبي)، وقد يحدث نفس الشيء في فرنسا إذا فازت اليمينية المتطرفة مارين لوبان بالرئاسة. لكن ما يحدث في الديمقراطية هو فقط ما يسمح به الشعب.