شن معسكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حملة لتشويه صورة المعارضين للتعديل الدستوري الذي يعزز صلاحيات الرئيس، ما يهدد بتعميق الشقاقات داخل المجتمع التركي.

وقبل شهرين من الاستفتاء على الإصلاح الدستوري في 16 نيسان/ابريل، يردد القادة الأتراك الرسالة ذاتها، مدعومين من ترسانة إعلامية قوية تنظر إلى أن التصويت برفض الإصلاح الدستوري يصب لصالح "الإرهابيين" و"الانقلابيين".

وفيما يتوقع أن تكون المنافسة شديدة بين المؤيدين والمعارضين للإصلاح يعتزم أردوغان المعروف بخطابه الشديد النبرة، عقد تجمع في كهرمان مراش في الجنوب التركي المحطة الأولى من جولة على ثلاثين محافظة، ما يشكل انطلاقة للحملة من أجل الاستفتاء.

وكان أردوغان قد صرح سابقا أن "مكان الذين يقولون لا هو بطريقة ما إلى جانب 15 تموز/يوليو"، في إشارة لتاريخ محاولة انقلاب الصيف الماضي، مثيرا انتقادات شديدة من المعارضة.

وقال رئيس الوزراء بن علي يلديريم مؤكدا لهذا الموقف إن "المنظمات الإرهابية تخوض مجتمعة حملة من اجل الـ لا"، مضفيا أن "مواطنيّ لن يقفوا إلى جانب المجموعات الإرهابية".

ويرى المحللون أن القادة الأتراك يتبعون خطابا يقوم على تشويه صورة المعارضين، وهو خطاب لجأ إليه حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ الحاكم مرارا في الماضي، ولا سيما بعد التظاهرات الكبرى المناهضة للحكومة عام 2013.

وقال صميم أكغونول من المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا إنه"منذ أن أدرك حزب العدالة والتنمية أن تشويه صورة معسكر ما تأتيه بالفائدة، أصبحت هذه الإستراتيجية نهجه الرئيسي الرابح".

تركيتان

يقول القادة الأتراك إن التعديل الدستوري الذي يحول النظام البرلماني إلى نظام رئاسي ويسمح لإردوغان بالبقاء في السلطة حتى العام 2029، ضروري لضمان الاستقرار على رأس الدولة.

غير أن المعارضين يرون أن التعديل يمنح سلطات عديدة للرئيس المتهم باعتماد نزعة متسلطة، ولا سيما بعد محاولة الانقلاب التي تلتها حملات تطهير غير مسبوقة بحجمها.

وقال ناشط من حزب العدالة والتنمية طلب عدم كشف اسمه إن "تركيتين" تتواجهان في هذه الحملة من أجل الاستفتاء، "تركيا الجديدة القوية"، و"أولئك الذين يخونون هذا الوطن"، مضيفا أن "البلاد بحاجة إلى طيب أردوغان".

ويعتبر الخبراء أن غالبية الناخبين لن يحسموا أمرهم بناء على مضمون الإصلاح المتشعب، بل بناء على موقفهم المؤيد أو المعارض لأردوغان الذي يهيمن على الحياة السياسية التركية منذ وصوله إلى السلطة عام 2003.

ولفت المحلل في معهد "واشنطن انستيتيوت" سونر تشاغابتاي إلى أن هذا الامر يزيد من حدة النقاش، موضحا أنه "في حين أن نصف الأتراك يكن عبادة لأردوغان، النصف الآخر الذي يعمل الرئيس على تشويه صورته يكرهه ولن يرضخ إطلاقا له".

و قالت الروائية الشهيرة أصلي أردوغان (التي لا تربطها أي صلة قرابة بالرئيس) إن "الناس يبنون آراءهم حول كل شيء في ضوء تأييدهم أو معارضتهم لأردوغان".

وأوضحت خلال مقابلة صحفية أن التصدي لأردوغان بنظر أنصاره "يعود إلى التصدي لله (...) وإن قلت لا، فأنت الشيطان".

رياح معاكسة

في هذه الأجواء المشحونة، باتت كلمة "لا" مثيرة للريبة، فقد اتهم مسلسل تلفزيوني بشن حملة خفية معارضة للتعديل الدستوري، بسبب مشهد تصوت فيه عائلة جالسة حول طاولة لمعرفة ما إذا كان يتحتم عليها زيارة أحد أقربائها، فيفوز الـ لا في التصويت.

وأشاع هذا الخطاب أجواء مثقلة بالتوتر في الحملة، قد لا تكون لصالح معسكر الـ نعم، برأي عبد القادر سلوي الصحافي المقرب من السلطة الذي يرى أن "رياحا معاكسة تهب على معسكر الـ نعم.

ويحذر الصحافي من أن وضع معارضي التعديل الدستوري في الخانة نفسها مع منظمات إرهابية يعزز القناعة بأن تركيا تتجه إلى نظام متسلط ويزيد من تردد الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد.

واتهم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليش دار اوغلو القادة الأتراك بـ"الافتراء" على المعارضة لأنهم "لا يعرفون كيف يتصرفون لإقناع الناس بالتصويت بـ نعم".

وهدد وزير العدل بكير بوزداغ الجمعة بتقديم استقالته في حال تم توقيف شخص واحد لأنه يقول لا للاستفتاء، وبدى وكأنه يحاول وقف الجدل المتصاعد بهذا الصدد.

وكان البرلمان التركي قد وافق على مشروع قانون لتعديل الدستور تمهيدا لإقرار نظام رئاسي في الحكم يمنح الرئيس رجب طيب أردوغان صلاحيات رئاسية واسعة.

وحصلت الإصلاحات التي من شأنها أن توسع صلاحيات أردوغان بشكل كبير على أغلبية ثلاثة أخماس المطلوبة للمضي قدما في إقرارها وبالتالي تعديل الدستور.

ومن المحتمل أن تعرض الإصلاحات الدستورية على الاستفتاء لإقرارها بشكل نهاني في شهر أبريل/نيسان المقبل.

وبموجب التعديلات الدستورية الجديدة يحق للرئيس أن يبقى في منصبه لولايتين رئاسيتين كحد أقصى أي حتى عام 2029 وليس عام 2024 كما الشأن الآن.