رغم أن المجلس العلمي الأعلى اكتفى بتضييق مجال فتواه بقتل المرتد التي أصدرها في 2012، إلا أن قرار أعلى هيئة دينية بالمغرب يبقى في تقديري خطوة مهمة للغاية، على الدرب الذي قد يوصل يوما مجتمعنا المغربي المحافظ في عمقه، إلى رحاب الحداثة التي لا تعترف بأي مقدس غير الفرد الكامل في فردانيته.

جاءت الفتوى الجديدة للمجلس العلمي الأعلى في كُتيب جديد بعنوان “سبيل العلماء”، تم توزيعه على العلماء بمناسبة انعقاد الدورة الأخيرة للمجلس بالعاصمة الرباط، ولم يحظ بانتباه وسائل الإعلام المغربية التي غرقت في مسلسل تشكيل الحكومة الممل، وفي تتبع أخبار المنتخب المغربي وقضايا أخرى، سرعان ما تتبخر ويتبدد أثرها.

وحاول المجلس الأعلى في كتيبه هذا أن يوضح ما كان يقصده بفتوى قتل المرتد التي أصدرها قبل خمس سنوات. وقال إنه كان يقصد بالمرتد “الخائن للجماعة” و”المفشي لأسرارها” و”المستقوي عليها بخصومها”. وأضاف كتيب المجلس الأعلى أن ترك جماعة المسلمين، في عهد الرسول، “لم يكن حينها إلا التحاقا بجماعة المشركين”، موضحا أن “الردة هنا سياسية وليست فكرية”، وهذه الأخيرة لم يترتب عنها، حسب هذه الهيئة، “عقوبة دنيوية وإنما جزاء أخروي”، واستدلت على ذلك بما جاء في سورة البقرة: “ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر، فقد حبطت أعمالهم في الدنيا وفي الآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”.

إن ضمان حرية الأشخاص في الإيمان بالدين الذي يرونه مناسبا لممارستهم الروحية، من العوامل الأساسية التي ستحمي الدين نفسه (سواء أكان إسلاما أو مسيحية أو يهودية أو غيرها من الأديان)، من التخبط في الشؤون اليومية للبشر المتسمة في كثير من جوانبها بالالتباس والتناقض، وسيرتفع به أكثر إلى تلك المرتبة التي يستحق في تقديري، وهي تلك الممارسة الروحية السامية التي يحس كثير من البشر أنها ضرورية وحيوية لتوازنهم.

ثم إن العمل على ضمان حرية المعتقد في مجتمع محافظ مثل المجتمع المغربي- حيث مازال ينظر إلى الكائن كتابع للجماعة وليس كفاعل فيها- سيساهم في الدفع بالمغربي إلى الإحساس أكثر بإمكانية تحقيقه لفردانيته وبلوغ مرتبة الفرد المتحرر، من سطوة من يوظفون الدين للتحكم في رقبته، والقادر بالتالي على بناء مجتمع علماني حقيقي يضمن للجميع الحق في ممارساته الروحية.


لمرابط مبارك