كل المعطيات المتوفرة حاليا تؤكد أن حرب الولايات المتحدة على إيران لن تقع إلا في العراق. فهل يعني ذلك التكهن أن الولايات المتحدة ستعيد احتلال العراق من جديد على غرار ما حدث عام 2003؟

في كل الأحوال فإن أحدا لا يفكر في أن تتعرض إيران لغزو أميركي شبيه بذلك الغزو الذي تعرض له العراق. السيناريو العراقي هو ما لا يمكن لأحد في الإدارة الأميركية الجديدة أن يتبناه، ذلك لأنه يعيد الولايات المتحدة إلى سنوات العار التي سعى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى محو آثارها من الضمير العام الأميركي.

هناك شيء ما يمكن أن يقع في العراق وهو لا يزال محمية أميركية يمكن أن يشكل احتواء لإيران في طريق اعادتها إلى حجمها الطبيعي الذي توهمت وأوهمت الآخرين بأنها غادرته حين مدت أذرعها المسلحة إلى لبنان من خلال حزب الله وإلى اليمن من خلال الحوثيين.

إيران التي صار الآخرون يخشون تغولها هي في حقيقتها كيان ضعيف يمكن أن تعيده الولايات المتحدة فأرا متى أرادت. غير أن ذلك الكائن يمكن أن يكون مؤذيا من خلال أذرعه الانتحارية. وهي أذرع لا تمت بصلة وطنية إلى الأماكن التي تمتد إليها وتحكم سيطرتها عليها بقدر ما يحثها ولاؤها للولي الفقيه على خوض غمار المعارك دفاعا عن سلامة الجمهورية الإسلامية في إيران.

لقد نجحت إيران في خلق سدود تقف بينها وبين العالم. وهو ما يعني أن العالم إن فكر بوضع حد لأطماع إيران التوسعية فإن عليه أن يدمر تلك السدود أولا. وهي مهمة لن تكون يسيرة، غير أنها ممكنة بالنسبة لدولة متشعبة في طرق احتيالها مثل الولايات المتحدة.

ولأن إيران مدركة لما يمكن أن تفعله الإدارة الأميركية الجديدة فقد سارعت إلى اعلان الحرب عليها على لسان زعماء الميليشيات التابعة لها في العراق. لا لشيء إلا من أجل تأجيل حرب الولايات المتحدة على حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

الحرب الأميركية على إيران في العراق لن يدفع ثمنها سوى العراقيين وهم بالنسبة لإيران الرقم الأقل ضررا في المعادلة الإقليمية. ذلك لأن العراقيين في ظل التجاذب الأميركي ــ الإيراني صاروا في موقع لا يؤهلهم للقيام بشيء ينفعهم أو يجعلهم قادرين على رؤية بصيص من لأمل.

العراقيون شعب يائس. لذلك فإن حربا أميركية جديدة لن تأخذهم بعيدا عن الهاوية التي استقروا فيها. ولأن الولايات المتحدة تدرك استخباريا تفاصيل مازقها في العراق فهي لن تتوانى عن تفجير الوضع العراقي من الداخل. وهو ما يعني أن المرحلة القادمة ستشهد اشتدادا للصراع على السلطة في ذلك البلد بين منظومات الحكم نفسها. فهناك مَن يؤيد الوجود الإيراني وهناك مَن يعارضه. وقد يؤدي ذلك الصراع إلى أن تعلن ميليشيات الحشد الشعبي وهي ذراع الحرس الثوري الإيراني في العراق عن سيطرتها بشكل كامل على الشارع. وهو ما يعني قيام العراق الإيراني التي تريد الولايات المتحدة ضربه.

في خضم ذلك الصراع فإن الإدارة الأميركية لن تكون معنية بمصير العراق الذي صار بالنسبة لأهله نوعا من لعبة الكلمات المتقاطعة. سيكون العراق يومها هدفا. وهو ما سيؤجل الحرب المباشرة على إيران.

لا بأس بحرب جديدة على العراق. ذلك حدث مأساوي، غير أنه بالنسبة لصانعي القرار في واشنطن وطهران يمكن أن يكون الحل المناسب للانتهاء من الأزمة. فالعراق المصاب بالعقدة الإيرانية هو موقع التوتر في المنطقة. اما حين تُحل تلك العقدة فإن مشكلات كثيرة ستشهد نوعا من الانفراج. لذلك فإن حربا أميركية جديدة على العراق ستكون محل ترحيب بالنسبة للإيرانيين. لا لأن تلك الحرب ستعفيهم من مواجهة مدمرة مع أميركا حسب بل وأيضا ستجعل وجودهم آمنا ي لبنان على الأقل.

 

فاروق يوسف