في الساحة التي تتناثر بها الأنقاض خارج القلعة القديمة في حلب وتحت القباب المتشحة بسواد الحرائق في السوق المغطاة شرعت مجموعة من العمال في إزالة آثار الدمار الناجم عن الحرب التي دمرت تراث المدينة التاريخي الذي لا يقدر بثمن.

وعكف نحو 20 متطوعا على فرز قطع الحطام في خان الجمرك وهو واحد من أجمل النزل التي تعود للعصور الوسطى في السوق المغطاة وأخذوا يجمعون الحجارة من بين أنقاض أحد الممرات لاستخدامها في ترميمه.

وقال مهند الحساري (25 عاما) "إنني ابن هذا الحي. نحن جميعا من حلب وأولويتنا هي العمل هنا. نحن هنا بهذه المنطقة منذ شهر حين غادر المقاتلون".

وقال مأمون عبدالكريم المدير العام للآثار في سوريا إن نحو 30 في المئة من المدينة القديمة شهدت أضرارا "كارثية" في القتال الذي انتهى في ديسمبر/كانون الأول.

وقال عبدالكريم إن المسؤولين يعملون على وضع خطط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وقالت الذراع الثقافية في شبكة الأغا خان للتنمية التي باشرت مشروعا بملايين الدولارات للترميم والتنمية الحضرية قرب القلعة قبل عشرة أعوام إنها تدرس إعادة تأهيل المنطقة.

وحلب أحد المراكز التاريخية العظيمة في الشرق الأوسط وكانت قلعتها القديمة ومساجدها وأسواقها التي تعود للعصور الوسطى من أجمل الأبنية في المنطقة ومصدرا للفخر الوطني والسياحة في سوريا.

أما اليوم تفوح رائحة دخان الحرائق من كل أنحاء المدينة القديمة من تحت القباب المنهارة وفي السوق التي يغطيها السخام والأبنية المتصدعة وفوارغ الرصاص المتناثر في المسجد الأموي.

وقابل بائع متجول يرتدي ملابس فولكلورية مزخرفة الزبائن بأكواب من الشاي والقهوة خارج القلعة، لكن لا يزال المزاج العام بالمنطقة كئيبا مقارنة بمظاهر بالبهجة والنشاط قبل الحرب.

وأضيرت الكثير من المقاهي التي كانت تصطف في المنطقة في مبان قديمة ذات واجهات مقوسة الشكل لكن مجموعة من الجنود جلسوا يتدفأون حول موقد يخرج منه دخان أسود وهم يستمعون إلى موسيقى عربية حزينة.

ويواصل الناس العودة بعضهم بهدف العيش في المنازل التي لا يزال يمكن السكن فيها وغيرهم لإنقاذ ممتلكاتهم من متاجرهم، ويود الكثير من العائدين الاستمتاع فقط بزيارة الأماكن التي كانت شديدة الخطورة خلال القتال.

وفي باحة المسجد الأموي تجمع مجموعة من الصبية لالتقاط صورة ذاتية (سيلفي) أمام الأسوار التي تغطيها آثار الرصاص حتى بات من الصعب رؤية حجر بلا أثر للنيران.

ودمرت مئذنة المسجد التي تعود للقرن الحادي عشر في قصف عام 2013.

وتحت القناطر داخل المسجد وقف رجل مسن يرتدي معطفا ضخما ويلف رأسه بوشاح من الصوف يبكي في الظلام قرب ضريح يظهر خلفه ساتر من الأكياس الرملية والبراميل.

خط المواجهة

عندما اندلع القتال بحلب في 2012 بعد عام من نشوب الانتفاضة على الرئيس بشار الأسد في مناطق أخرى من البلاد سيطرت المعارضة على الأحياء الشرقية من المدينة وأغلب مناطق المدينة القديمة.

جعلت الاشتباكات العنيفة في عامي 2012 و 2013 الأسواق والمنطقة المحيطة بالمسجد الأموي واحدة من أخطر خطوط المواجهة في سوريا وشهدت قصفا مدفعيا وغارات جوية.

وتحت القبة المزخرفة بقاعة العرش المملوكية في القلعة وجه مدفع رشاش ثقيل فوهته باتجاه نافذة وما ورائها من أبنية منهارة.

وتقع القلعة الحصينة على تل في وسط حلب يطل على المدينة وكانت تحت سيطرة قوات الحكومة لكنها كانت محاطة بأراض تسيطر عليها قوات المعارضة، وعانت المنطقة في الجنوب والغرب قرب المسجد الأموي من أشد الأضرار في المدينة القديمة.





وأصبح قطاع من السوق المغطاة نفقا مظلما يتخلل فتحاته في السقف ضوء النهار وتتراكم عند مدخله كتل من الحجارة وتمتلئ متاجره بالأنقاض والحشائش.

ومنحت البراميل وأكياس الرمال المقاتلين موقعا لإطلاق النار يسيطر على ممر السوق المؤدي إلى القلعة.

وقال عبدالكريم إن ذكرى حلب رمزية للغاية موضحا أن الترميم سيفي بمعايير الهيئات الدولية ولن تشيد مبان حديثة في المدينة القديمة.

وقال المسؤول السوري إنه ينبغي التعامل مع صيانة التراث بشكل منفصل عن القضايا السياسية المحيطة بالحرب.

الترميم

تبادل طرفا الحرب الاتهامات باستهداف أو الإضرار بالمواقع التاريخية ومنها المدن التاريخية والمعابد والمساجد والقلاع وأيضا آثار الحكم العثماني.

وقال علي إسماعيل رئيس خدمة أغا خان الثقافية في سوريا "يعرف الجميع أننا كنا نعمل في ظروف صعبة" في إشارة إلى القتال وغيرها من المعوقات التي صعبت جهود الحفاظ على التراث في حلب.

ومع ذلك قال إسماعيل إن المنظمة الخيرية تدرس إطار عمل لإعادة تأهيل المدينة القديمة والحفاظ على آثارها التاريخية "وفقا للظروف والموارد المتاحة."

وعملت المنظمة منذ عام 1999 وحتى 2012 في ترميم المنطقة حول القلعة وتحويلها إلى مقصد لسكان حلب والسائحين ومركزا للحفلات الموسيقية وغيرها من الأنشطة الثقافية.

لكن القتال دفع معظم السكان إلى الفرار ولا تزال متاجر المنطقة مغلقة. وفي سوق باب أنطاكية وقف هيثم غنام تاجر مستلزمات الأزياء النسائية يزيل الأنقاض من متجره بمساعدة زوجته وابنته.

وقال غنام "ننتظر إعادة الكهرباء والآخرين ليفتحوا متاجرهم قبل أن نفتح."

وفي فندق البارون الذي أقامت به أغاثا كريستي وتي.ئي لورنس يصعب رؤية الأرضيات الفاخرة في البهو الكبير وغرفة التدخين والبار بسبب انقطاع الكهرباء.

ولا يقيم بالفندق سوى ثلاث عائلات من اللاجئين من شرق حلب إحداها تقيم في غرفة استضافت عاهل العراق السابق الملك فيصل.

وفي أعلى طريق واسعة مؤدية إلى مدخل القلعة وقف أربعة جنود يقلبون في هواتفهم المحمولة تحت ملصقات للرئيس السوري.

لكن العديد من السكان يتطلعون إلى الوقت الذي يحل فيه السائحون محل الجنود الواقفين على أسلحتهم في متحف القلعة والملابس المدلاة بين الأعمدة.