يكفي أن يتتبع المرء ردود الفعل حول برنامج “ضيف الأولى” للصحافي محمد التيجيني الذي استضاف الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، لمعرفة مدى الأثر البليغ والعميق الذي تركته هذه الحلقة في نفوس الذين اعتبروا أنفسهم معنيين مباشرة برسائله القوية، الواضحة والصريحة.

فقبل أن يستفيقوا من دوخة الضربة الموجعة (ضربة معلم) والصدمة القوية وخيبة الأمل الكبيرة التي تركها عندهم انتخاب الأستاذ الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب، أتت وخزات إدريس لشكر على “الضبرة” وغرزاته التي فاق أثرها وضع الملح على الجرح، لتحدث انفعالات قوية، لم يتمالك أصحابها أنفسهم، فانفجروا في تصريحات وتدوينات ومقالات وتعليقات وبيانات وحتى الحوارات (تركيبها وأسلوبها مهلهل ولغتها منحطة، في الغالب، بسبب الحالة النفسية لأصحابها)… تعبر كلها عن مدى التأثير القوي لكلام الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، الذي كان، بشهادة المتتبعين المحايدين والموضوعيين، بل وحتى من بعض المنتمين لتيارات تناصب العداء للاتحاد الاشتراكي، منطقيا وموضوعيا وعميقا، وبالتالي مقنعا.

وهكذا، كان البرنامج ناجحا بكل المقاييس وأوضح للجميع الفرق بين من تتلمذ في المدرسة الاتحادية وبين غيرهم. فلشكر لم يتردد في قبول دعوة صاحب برنامج “ضيف الأولى”، في حين تهرب الآخرون؛ ربما لكونهم كانوا لا يزالون تائهين (أو “تالفين” بالدارجة المغربية). فلم يكونوا قد استوعبوا بعد ما وقع ولم يدركوا أسباب ما لحق بهم من خسارة سياسية مدوية، بعد أن سدت أمامهم القيادة الاتحادية، بترشيح المالكي لرئاسة مجلس النواب، كل المنافذ المؤدية إلى رئاسة المؤسسة التشريعية.

وقد جاء برنامج “ضيف الأولى” ليعمق الجرح ويزيد في التنكيل، نفسيا وسياسيا، بكل المتحاملين والناقمين على الاتحاد الاشتراكي. وقد كانت ردود الفعل في المواقع الرسمية لـ”المشموتين” والصفحات الشخصية للمصدومين والجرائد الموالية لهؤلاء وأولئك، كلها تؤكد مدى التعذيب النفسي الذي تسبب لهم فيه الخروج الإعلامي لإدريس لشكر؛ ذاك الخروج الشجاع، كما جاء في تقديم الضيف من قبل صاحب البرنامج؛ إذ كان القيادي السياسي الوحيد الذي قبل أن يُستضاف في ظل الظروف السياسية الحالية. بينما الآخرون رفضوا الظهور أمام المواطنين.

وقد كان وقع الحلقة قويا بكل معنى الكلمة؛ فقد كان التأثير إيجابا على كل الاتحاديات والاتحاديين (إلا من في قلبه مرض) والمتعاطفين معهم؛ وكان إيجابيا أيضا على كل من لا يحمل حقدا أو ضغينة ضد الاتحاد الاشتراكي. لكن الوقع كان مريرا ومفجعا وموجعا لكل من يحمل غلا على الاتحاد الاشتراكي أو يضمر له عداء أو…أو…
لقد أعطى إدريس لشكر، لمن أرادوا أن يناوروه قصد تهميش الاتحاد الاشتراكي، درسا بليغا في التاريخ وفي منهجية المشاورات والمفاوضات والتحالفات وفي مفهوم المنهجية الديمقراطية. وقد سَفَّه الكثير من المواقف الحالية والسابقة وفضح العديد من الطروحات والدفوعات التي تريد إلباس رداء الحق للباطل. وقد أثبت لشكر، خلال مسلسل المشاورات والاتصالات الحزبية، أنه أذكى من بنكيران وشاباط وبنعبد الله، مجتمعين وليس فقط فرادى.

لقد فهم الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي لعبة المغرورين بتصدرهم نتائج الانتخابات والمتهافتين على توزيع الغنائم بينهم وبين من “تشبط” بهم تشبيطا دون قيد أو شرط، فأفسد عليهم اللعبة بحنكته السياسية وقدرته التفاوضية وخبرته الميدانية، واستطاع أن يجعل من العشرين مقعدا التي يتوفر عليها الاتحاد “الجُّوكير” الذي أخرج من المنافسة من كانوا يعتقدون أنهم يملكون كل الحظوظ للتحكم في المؤسسة التشريعية؛ وبالتالي، في صنع الأغلبية على المقاس.

لقد كانت بالفعل “ضربة معلم” بعثرت كل الأوراق ولخبطت كل الحسابات. ولما أتبعها بالخروج الإعلامي الذي نحن بصدده، “كملت الباهية”؛ فقد كان الوقع قويا وأكثر إيلاما، خاصة بعد الجرح الغائر الذي أحدثه فقدان رئاسة الغرفة الأولى.