قبل جنيف 4 تبدو المعارضة السورية أكثر هشاشة من أن تواجه النظام ومن خلاله الأطراف الإقليمية والدولية التي تقف وراءه بشروطها.

كثرة منافسيها ستؤدي بالضرورة إلى تدني قدرتها على الاقناع.

علينا ان نكف عن النظر إلى تلك المعارضة باعتبارها الصيغة الوحيدة للتمثيل المعارض. فهل بليت المعارضة بعد كل ما تعرضت له من هزائم أدت إلى وقوع انشقاقات عظيمة لم يتم الإعلان عنها، خشية أن تضاف إلى ما يمكن أن يسمى بانتصارات النظام. وهي انتصارات وهمية، ذلك لأنها تنبت في الأرض الخراب ولا تعود بالنفع على أحد من الشعب السوري.

المعارضة صارت معارضات.

سواء ولدت تلك المعارضات من رحم المعارضة التي يمكن أن نصفها اليوم بالقديمة أم أنها ظهرت باعتبارها نوعا من معارضة المعارضة في محاولة لإخراج المعاناة السورية من قوالبها الجاهزة فإن ما يقع انما يشكل عنصر اضعاف قوي لمحتكري الصوت المعارض عبر الست سنوات الماضية.

اليوم صار الحديث عن أطياف المعارضة هو الغالب.

لم يعد شعار من نوع "المجلس الوطني يمثلني" أو الجيش الحر يمثلني" ليقنع أحدا. لا على المستوى الشعبي ولا على مستوى الدول الراعية للحرب السورية.

المعارضة الرسمية المعترف بها عربيا ودوليا هي الأخرى لم تعد تثق بخطواتها، وصارت تقبل بيسر بما يُملى عليها من شروط، خشية منها أن يفقدها عنادها أو ترددها فرصة قد لا تتكرر.

وهو ما خلق واقعا مضطربا، صار المعارضون فيه يتسابقون في ما بيتهم إلى تلبية دعوات الحضور إلى لقاءات ومؤتمرات، يعرف الجميع أنها لا تعقد إلا من أجل تقديم تنازلات على حساب الحقيقة التي تم طمرها تحت الاف الأطنان من الألم والعذاب والهوان والذل والتشريد والتيه والحيرة وسواها من مفردات الكارثة السورية.

وإذا ما كان الحديث عن المعارضة السياسية يقود إلى رمي الحقيقة في بئر استفهامي عميق فإن موقع الفصائل المسلحة التي تقاتل على الأرض لا يزال موضع التباس. فما من أحد يمكنه أن ينكر حقيقة انتماء الجزء الأعظم من تلك الفصائل إلى مفهوم الإرهاب الدولي.

حاولت المعارضة الرسمية أن تنفي تهمة الإرهاب عن جبهة النصرة فماذا كان جواب تلك الجماعة المسلحة؟ لقد شنت حربا على كل الجماعات المسلحة التي خالفتها في الرأي في شأن البحث عن حلول سلمية.

موقع المعارضة الرسمية الضعيف وفقر حيلتها جعلا من اليسير على أطراف عديدة أن تزج بمعارضات جديدة أو تخترعها في أسوأ الظروف من أجل أن تضيع الحقيقة.

فحين يتم التركيز على محاربة الإرهاب مجسدا بجبهة النصرة (فتح الشام) وحلفائها فإن الجزء الأكبر من حقيقة الصراع سيذهب إلى العدم. وهو ما يجري الآن من غير مواربة.

لذلك فإن جنيف 4 سيضعنا في مواجهة مشهد جديد، لن تكون المعارضة فيه مختلفة مع النظام كثيرا إلا في الأمور الفنية. هل هناك اجحاف للتاريخ أكبر من أن يدير المعارضون ظهورهم لحق الشعب في الحياة الحرة الكريمة وهو الحق الذي قامت الثورة من أجل تكريسه والاعلاء من شأنه؟

ما يحدث اليوم على مستوى المعارضة من تشظ وتشتت وفوضى وتنافس وتنازع وصراع على الكراسي في المؤتمرات الدولية انما يمثل الفصل الأخير من عمر آخر المعارضات العربية.

من وجهة نظري فإن اعتراف المعارضة الرسمية بالفشل هو أهون وأقل ضررا من شماتة المعارضات الأخرى بها وقد جرتها إلى موقع، لن تكون فيه ممثلة لأحد من الشعب السوري.

ولكن شيئا من ذلك لن يحدث.

فالمعارضون، إسلاميين كانوا أم علمانيين ما زالوا يحلمون بما يمكن أن ينالهم من كعكعة سوريا من نصيب، بالرغم من علمهم بأن تلك الكعكة قد امتلأت سما.

 

فاروق يوسف