خسرت جماعة الاخوان المسلمين مصر وهي قاعدة انطلاقها التاريخية إلى العالم العربي. ليست تلك الخسارة بالأمر الهين، لذلك تسعى الجماعة التي انتقلت مباشرة من الحكم إلى قائمة المنظمات الإرهابية إلى مقاومة الشعور بالإحباط والفشل تماشيا مع أمنيات مموليها وداعميها الإقليميين والدوليين.

غير أن الطرق تبدو مغلقة أينما ولى الاخوان وجوههم.

قطر التي صارت علاقتها بالاخوان تحرجها خليجيا سلمت ملفهم إلى تركيا، في محاولة منها لتجنب غضبة أميركية متوقعة في زمن صارت فيه إيران قريبة من المقصلة أكثر من أي وقت مضى.

الحرج الذي تشعر به قطر لا يشكل عبئا ثقيلا على تركيا اردوغان. فالرئيس الاخواني الناقم على الغرب واليائس في الوقت نفسه من إمكانية انفتاح الغرب على طموحاته قد يجد في الاخوان ورقة رابحة يلوح بها في محاولة منه للإيحاء بوجود اسلام معتدل يكون بديلا للإسلام المتطرف الذي صار فجأة يحاربه.

هي محاولة بائسة لأنها لا تضع في الاعتبار كم هي عميقة ودقيقة معرفة الغرب بتاريخ الاخوان المسلمين وأفكارهم التي هي مصدر كل التطرف الذي ضرب المنطقة. لذلك فإن تسمية الاخوان جماعة ارهابية لا تتجاوز على حقائق التاريخ بقدر ما تصفها.

اردوغان في هذه النقطة بالذات كان ضعيف الحيلة.

ليست الجماعة التي روعت المنطقة بالإسلام السياسي ورقة رابحة في يد مَن يلعبها. لم تربح قطر شيئا من رهانها الاخواني بالرغم من أنها أهدرت من أموالها في خدمة الفوضى التي اثارها الاخوان ما كان يمكن أن تعزز به الأمن والاستقرار في المنطقة.

في مقابل كل تلك الخدمات لم تصبح قطر عضوا في نادي الأقوياء. لن يكون في إمكانها أن تكون دولة كبيرة. أن يكون مقنعا في تفسير تلك القناعة الخاطئة أنها لا تعرف حجمها الحقيقي. الآخرون يعرفون ذلك الحجم.

ربما ورط الاخوان من خلال خيلاء وغرور تنظيمهم العالمي دولة قطر في ما لا تقوى على الدفاع عنه في مقابل خسائرهم التي لم تقف عند حدود هزيمتهم في مصر.

ما يحاوله الغنوشي الآن وهو الذي يعتبر نفسه ذكيا حين حافظ على وجود حركة النهضة الاخوانية بعد أن انحنى أمام العاصفة التي اقتلعت سواه يدخل في حسابات الجماعة وهي تقترب من حالة الانقراض السياسي.

يسعى الغنوشي إلى أن يكون معلم جيل جديد من الاخوان. فهو يرى أن الدرس التونسي يستحق أن يُلقن لاخوانيي المرحلة المقبلة، من غير أن يظهر أي نوع من الشك في أن لا يبقى من الاخوان شيء سوى الذكريات التي لا تشرف أحدا.

من المؤكد أن رجلا حاذقا وثعلبيا مثل الغنوشي لن يجد صعوبة في اقناع اردوغان بإلقاء طوق النجاة الأخير للاخوان وقد صار الخطر يحيط بهم من كل الجهات. ولكن ما الذي يمكن أن يفعله الرئيس المرتاب من ظله من أجل استمرار جماعة، صارت في كثير من أماكن انتشارها جزءًا من الماضي الذي يفضل الكثيرون اهماله؟

ربما تغري فكرة زعامة الاخوان في العالم اردوغان في الخوض في مياههم الضحلة. غير ان التكلفة ستكون عالية. وهو ما لا يقلق اردوغان إلا في حدود عدم تيقنه من خطط الرئيس الأميركي الجديد.

لا يريد ابن المؤسسة الاخوانية أن يربط تركيا بعربة الاخوان مثلما فعلت قطر من قبل. يجد أن من واجبه أن يجنب بلاده التي يخطط لقيادتها وقتا طويلا ما يمكن أن يقع لقطر في أية لحظة وقد ألزمت نفسها بالخيار الاخواني من غير أن تسمح للاخوان بالنشاط السياسي على أراضيها.

بالنسبة لاردوغان فإنه أما أن يكون اخوانيا أو لا يكون.

وكما أرى فإن الأخوان هم اليوم في خطر حقيقي. لا لأن اردوغان قد تخلى عنهم بل لأنهم لم يعودوا يشكلون خطرا، يمكن أن يفكر الآخرون في كسب رضاه من أجل تحاشي شروره.

 

فاروق يوسف