تعكس سياسة المغرب الجديدة تجاه أفريقيا براغماتية وواقعية ودهاء الملك محمد السادس، فبينما تم اعتماد سياسة الكرسي الفارغ في الماضي، تتسم السياسية المتبعة حاليا بالاستباقية، وهي إيجابية جدا لمستقبل الوحدة الترابية للمملكة والجدل الدائر حول الصحراء المغربية.

ونظرا لغياب المغرب عن الاتحاد الإفريقي على مدى السنوات الـ33 الماضية، وجد خصومه، الجزائر وجنوب أفريقيا أساسا، المجال فارغا لاستخدام منظمة الاتحاد الأفريقي لفرض أجندات سياسية وأيديولوجية لخدمة مصالحهما الذاتية. لقد هيمنت الجزائر وجنوب أفريقيا على المنظمة الإفريقية لعقود وحاولا مرارا استخدامها كأداة لإضعاف موقف المغرب في ما يتعلق بالصحراء المغربية.

في السنوات الثلاث الماضية، على سبيل المثال، كانت الجزائر وجنوب إفريقيا وراء قرار الاتحاد الأفريقي بتعيين مبعوث خاص مكلف بملف الصحراء المغربية مهمته الأساسية هي الضغط على الأمم المتحدة لإجبار المغرب على إجراء استفتاء تقرير المصير وإنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الإقليم.

في افتتاحية كتبت قبل زيارة الزعيم الصحراوي لما يسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المزعومة إلى جنوب أفريقيا في أوائل يناير الماضي، جدد وزير العلاقات الدولية والتعاون الجنوب أفريقي مايتي نكونا-ماشاباني دعوة بلاده الأمم المتحدة لإجراء استفتاء تقرير المصير وإنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. وقد بدى المسؤول الجنوب أفريقي متغافلا للعملية السياسية التي أطلقتها الأمم المتحدة منذ أبريل 2007 حينما شدد على إجراء الاستفتاء كآلية وحيدة لحل مشكل الصحراء.

موقف جنوب أفريقيا هذا يتعارض تماما مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة التي تم اعتمادها منذ أبريل 2007، والتي دعت الأطراف إلى العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين.

ومع عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي والدعم الكبير الذي تلقاه في هذه العملية، يوجد الآن في وضع أفضل من أي وقت مضى لوضع حد للتلاعبات التي طالت المنظمة الأفريقية على يد حفنة من البلدان؛ ومن الآن فصاعدا، سوف يستخدم هذا الدعم السياسي الذي حظي به من أكثر من ثلثي الأعضاء لوأد كل المحاولات الهادفة إلى عرقلة العملية السياسية الجارية تحت إشراف الأمم المتحدة في مهدها.

ومن خلال جعل جنوب السودان محطته الأولى بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، بعث العاهل المغربي رسالة واضحة إلى خصوم الرباط، مفادها أن البلد سيلعب الآن في ما يمكن أن نطلق عليه "ساحاتهم الخلفية" (précarré)، وسيقيم علاقات اقتصادية وسياسية مع البلدان التي تعتبر حتى الآن حكرا عليهم.

وتُظهر الدينامية الجديدة للسياسة الخارجية للمغرب مدى عزم الملك محمد السادس وإصراره على القطيعة مع المقاربة القديمة التي حالت دون توسيع البلد لمجال نفوذه خارج مجموعة دول غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية.

إذا أخذنا نيجيريا على سبيل المثال، فهذا البلد الأكثر سكانا إفريقيا كان إلى وقت قريبا من بين الأصوات المؤيدة لجبهة البوليساريو. ولطالما أبرز المراقبون الدعم الكبير الذي يقدمه محور جنوب أفريقيا والجزائر ونيجيريا للجبهة. إلا أنه بعد زيارة الملك محمد السادس إلى نيجيريا وتوقيعه العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التاريخية معها، يبدو أنها قامت بإعادة النظر في موقفها من الصراع. والدليل على هذا النهج الجديد لنيجيريا هو دعمها لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي؛ ولهذا، فقد كانت إستراتيجيته تجاهها ناجحة بكل المقاييس.

ما قيل عن نيجيريا ينطبق أيضا على إثيوبيا، التي كانت أحد الداعمين الرئيسيين للجزائر؛ إلا أن زيارة الملك إليها ساعدت على تلطيف الأجواء وجعلها واحدة من الدول التي دعمت عودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي. ولا نستبعد أن تسحب هذه الدولة المهمة مستقبلا اعترافها بالجمهورية الصحراوية المزعومة أو على الأقل تُجَمد علاقاتها الدبلوماسية معها.

بالإضافة إلى ذلك، يسعى المغرب من خلال تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع جنوب السودان إلى الوصول إلى هدف أكثر أهمية. فمنذ استقلال جنوب السودان، تحاول كل من الجزائر والبوليساريو استخدام أوجه التشابه المزعوم بينه والصحراء المغربية للضغط على المغرب ودعوة الأمم المتحدة إلى اتباع المسار نفسه الذي اتبعته معه.

ورغم استعمال هذه الحجة الواهية لحشد الدعم للبوليساريو، لم يساعد قادة الجزائر وجنوب أفريقيا جمهورية جنوب السودان على الخروج من المستنقع الذي وقعت فيه منذ استقلالها، ولم يَقُم أيٌّ منهم بزيارة رسمية إليها لإظهار الدعم المعنوي والسياسي لها، بحيث بقي دعمهما مجرد خطاب لاستمالتها واستغلالها لتحقيق أجندتهم الذاتية.

على عكس الجزائر وجنوب أفريقيا، جعل الملك المغربي هذا البلد الذي مزقته الحرب أول وجهة له في اليوم ذاته بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي. وتوجت الزيارة الملكية بتوقيع تسع اتفاقات ثنائية أهمها التزام المغرب ببناء عاصمة جنوب السودان الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، وتماشيا مع تقليد مساعدة شركائه الأفارقة في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية، أنشأ المغرب مستشفىً ميدانياً في جنوب السودان، يقدم خدمات الرعاية الصحية اليومية لأكثر من 4000 شخص.

ويبدو أن السياسة المغربية الجديدة تجاه أفريقيا بدأت فعلا تؤتي ثمارها؛ فخلال الزيارة قال رئيس جنوب السودان إنه لا يوجد أي وجه للتشابه بين الوضع في جنوب السودان والصحراء المغربية.

"بينما يَعْتبر أن قضية الصحراء تختلف في بداياتها وفي خلفياتها القانونية والسياسية عن قضية جنوب السودان، يُقر الرئيس سلفا كير ميارديت بجهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء"، يقول بيان مشترك صدر بعد زيارة رسمية من الملك محمد السادس إلى جنوب السودان.

وتنم اللغة التي استعملتها وسائل الإعلام والمسؤولون في جنوب أفريقيا قبيل وبعد عودة المغرب إلى أسرته الأفريقية عن مخاوفهم الكبيرة من أن تتغير المعادلة داخل الاتحاد الإفريقي بعودة المغرب، بحيث لن تستطيع جنوب أفريقيا وحليفتها الجزائر التأثير على قرارات الاتحاد الإفريقي من أجل خدمة مصالحهما الضيقة على حساب مصالح ورفاهية القارة بأكملها.

إنه أمر له دلالات كثيرة أن يصرح مسؤول جنوب أفريقي لجريدة Daily Maverick بأن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي "قرار مؤسف" جاء "على حساب" جنوب أفريقيا. وأكد المقال أن الصفقات الاقتصادية الهامة للمغرب مع كل من نيجيريا وإثيوبيا كانت أكثر فاعلية من "مُثُل" وخطابات قادة جنوب إفريقيا التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية.

من السابق لأوانه معرفة ما سيترتب بالتحديد عن سياسة المغرب ومده يد المساعدة لجنوب السودان، وما إذا كان هذا التقارب سيدفع هذا البلد إلى إعادة النظر في موقفه تجاه ما يسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. ولكن بناءًعلى الاتفاقات المهمة الموقعة بين البلدين وحالة الجمود التي توجد عليها كل من جنوب أفريقيا والجزائر في علاقتهما بهذا البلد، فإنه من غير المرجح أن تستمر هذه الدولة في قبول استعمالها من طرفهما كورقة ضغط على المغرب من أجل خدمة مصالحهما والدفاع عن أطروحة الانفصال.

سمير بنيس

*خبير في قضية الصحراء ومستشار سياسي | رئيس تحرير موقع Morocco World News