أرهقتني كثيرا هذه القضية.... و أتعبني دور الإطفائي و أنا ألاحقها بين النيران و الحفر... أمد لها مقالاتي لأخيط ثوبها المعيب بإبرة النقد و أستر عورات سياسة قادتها و أنا اكشف لهم سوء ما يدبرون.. أكوام من الملاحظات و المقالات بعضها لم أجرأ على نقله للقارئ حتى لا أحقنه من عدوى إحباطي و يأسي... لأنه من المفترض أن أمنح القارئ الصحراوي المقهور بقضيته الفاشلة فسحة للبهجة تنسيه دوام الشقاء.

غير أن هذا الشقاء أصبح قدرا يسكننا و نسكنه، و المصيبة أن الذي يشقينا ليس المغرب، لأنه يهاجمنا دفاعا عن قناعاته، و لكن لأن الذي يشقينا هم من جعلناهم على رقابنا، من و ليناهم أمورنا و غفلوا عنا... من قالو لنا بأن المغرب يعيش عزلة أفريقية و لا دولة واحدة وافقت على تزكية عودته.. من أخبرونا عبر أبواقهم الصفراء أن المغرب ركع لإرادة الشعب الصحراوي.. من تغنوا بعنتريات زوما و مغامرات الرحالة لعمامرة الذي يشقينا حد الذل هو وابنته المصونة.

قبل أسابيع وقف الرئيس الجديد منكفأ خلف شاربه يقول بأن الإتحاد الإفريقي رفض عودة المغرب لعدم إعترافه بالدولة الصحراوية و لعدم بلوغه النصاب القانوني، و أنهى تصريحه بإبتسامة شك جعلتنا نتساءل ما الدافع إلى هذا التصريح... فلو أن لنا في الرابوني صحافة تحترم القارئ الصحراوي لعقد الجلسات و ناقشت الملاحظات و أحضرت الخبراء كي يُسمِعُونا الحقائق كما هي.. و إن لم تعجبنا.. ! المهم أنها لن تكذبنا التحليل.. لكن صحافتنا جلست مع الجالسين حول حلقات الشاي.. و نقلت إلينا كلام المجامع و ما يحب أن يسمعه قادتنا.

و اليوم هو يوم الحصاد.. حصيلة القضية بعد أزيد من أربعين سنة من النضال أننا نجحنا في الجلوس جنبا إلى جنب مع المغرب تحت قبة الإتحاد الإفريقي، دون أن نعتبر من فلسطين التي لم يفدها بشيء جلوسها إلى جانب الإسرائيليين داخل مجالس الأمم المتحدة، غير أن الفارق بيننا و بينهم يُضْعِفنا، و لن أزايد على منصة المقارنات على اعتبار أن المغرب الذي يعود إلى الإتحاد الإفريقي سينتظر فرصة الرئاسة ليفعل ما يشاء بقضيتنا و تحت يده أغلبية مريحة بعدما زكته أربعين دولة قالت قيادتنا أنها أغلبية هلامية و –زوما- التي خرجت من إجتماعها مع وفد المغرب بملامح فزعة.. تقول أن المغرب حصل على الأغلبية الكبيرة.. فما رأي صحافتنا و قيادتنا.. و هل هناك من يزايد على هذه الحقائق ؟

غير أن ما يفطر صدري إلى شقين هو ما قاله الإعلام العالمي عن عودة المغرب و عن المؤامرات التي تحيكها الجزائر و جنوب إفريقيا ضد المغرب في الخفاء، حيث أصبح الإعلام يضغط على الإتحاد الإفريقي و يعدد عليه المكاسب التي سيجنيها بعودة المغرب الذي يحمل الأرقام السرية لخزائن مجلس التعاون الخليجي، و ينشر فكره الإقتصادي شرقا و غربا بالقارة المنكوبة.. حتى أن موريتانيا التي أنفقنا عليها الزمن و المشاعر و كل الوعود التي نملكها أعادها المغرب إلى ممتلكاته بمشروع أنبوب الغاز.. فهل هناك من يزايد على هذه الحقائق ؟

فقد كتبت "لوفيغارو" الفرنسية في تحليلها لما يجري داخل الاتحاد و هم أهل السياسة و أساتذة النقد و التحليل "العودة الكبيرة للمغرب الى الاتحاد الافريقي" فيما قالت (لاندبنون) المالية أن المغرب يتعرض للمؤامرة بينما صحف الخليج بدون استثناء تراهن على المغرب ليقود إفريقيا و هي موقنة بالعودة وقالت الصحافة في سويسرا بأن أوروبا اليوم أصبح بإمكانها المراهنة على المغرب لأنقاد إفريقيا، و قالت صحف الإسبان بأن إفريقيا منذ زمن و هي بلا قائد كبير، و اليوم أصبح لها قائد يمكن الثقة به و وضع مستقبل افريقية بين يديه .. و أظن أن هذا هو المغزى من عودته و أن همه ليس الترافع بل السيطرة أمام تراجع نفوذ الجزائر بعد أن خسرت براميل النفط و الغاز الكثير من قيمتها السياسية... و هذه مصيبة أكبر.

تصوروا معي أننا أمضينا أزيد من أربعة عقود نتبجح بعواطف الدول التي تعشق نضالنا و كأن ذلك الحب الذي كانت تغمرنا به قيادات إفريقيا هو الذي سيحملنا إلى الوطن.. و نسينا أن اعين إفريقيا حين كانت تشيح بنظرها إلينا فهي لم تكن تنظرنا بل كانت ترى مخزون النفط و الغاز الجزائري... كانت خزائن الجزائر تبهرها.. و نسي قادتنا المبادئ الكبرى للدبلوماسية المبنية على المصالح و ليس على العواطف... لهذا إلتفتت إفريقيا للمغرب حين نزل محبا و مستثمرا.

اليوم ما عاد أحد منا يشكك في الذكاء المتقد للمغرب الذي ضل يبني مجده بعصامية غريبة طيلة السنوات التي قضاها بعيدا عن تجمعات أبناء الماما أفريكا -32 سنة خارج إتحادها- و حين ظهر فجأة جردنا من كل شيء، و أطلق يده في كل إفريقيا بالمشاريع وكأنه يحرق الأرض خلفنا، حتى أن من بيننا من قال بأن تلك المشاريع وهمية و لا حقيقة فيها، لكن الثقة التي يتصرف بها تؤكد أننا أخطئنا حين قللنا من خطورة ما يفعله في إفريقيا.. لم نعرف حجم المصيبة إلا حين انحشر ابراهيم غالي في الزاوية يرسم الدوائر الفارغة بدخان سجائره.. و بذت أمامه الجزائر من جانب الإصطفافات الجديدة و هي تعجز عن إيقاف النزيف...

فهذه الزيارة التي قام بها ملك المغرب للسودان الجنوبية تحتاج للتأمل و تحتاج لأن تكون من دروس الدبلوماسية، لا أقول هذا من باب جلد الذات و تعظيم المغرب، بل لأن فيه تفاصيل يصعب إستشعارها، حيث أنه بالأمس رفضت السودان دعم المغرب، و اليوم يحمل ملك المغرب ذلك الرفض بيد و يعيده إليهم، و في اليد الأخرى يحمل المشاريع التي قدمها لهم، فلم يسبق لي أن رأيت زعيما محرجا كما كان الحال برئيس السودان الذي غطى على موقفه من رفض دعم المغرب بإستقبال كبير لعله يشفع له بعد سوء ما سبق...

على القيادة الصحراوية اليوم أن تشرح لماذا تبخرت دبلوماسيتنا فجأة و كيف نزل المغرب إلى السودان الجنوبية و لماذا إستقبله صديق القضية بتلك الحفاوة، على القيادة أن تجد شرحا تقنع به الشعب عن سبب صمت الجزائر.. و لا بد لإبراهيم غالي أن يعترف بكون المغرب الذي سيبني عاصمة السوادان حسم حرب المواقع في القارة السمراء لصالحه، و عليه أن يؤكد و هو يعترف بأن هذه الخسارة قد تكون قاسمة الظهر التي لا نجاة بعدها الحقيقة الجديدة هي في كون وجه القضية ما عاد يتحمل المزيد من التجميل و لفرط الشد الذي مورس عليه لإخفاء شيخوختها أصبحت قضيتنا تنام مفتوحة العينين، و معها الشعب الصحراوي الذي هجره النوم و يحسب كل يوم يمر على القضية داخل الإتحاد نصر جديد.

ح.و.ابراهيم احمد  خاص للجزائر تايمز