عاد المغرب إلى إفريقيا، وإن كان حبل التواصل والتعاون والحضور، لم ينقطع أبدا طيلة هذه العقود الأخيرة، غير أن الحضور عبر بوابة المؤسسة الإفريقية، الاتحاد الإفريقي، سيحمل المغرب إلى مصاف مسؤولياته التاريخية العظمى، دفاعا عن قهر واستضعاف واستنزاف إفريقيا من طرف الأمم البيضاء، وهو الوضع الذي ما أكثر ما قدم فيه ملك المغرب، محمد السادس، مرافعات شجاعة، في المنتديات الأممية العليا، محذرا من كوارث استغلال واستعباد إفريقيا.

وليس ذلك بحديث ولا جديد على المغرب، فمنذ فجر التاريخ كان المغرب جسر التواصل بين المعروف من إفريقيا والمعروف من العالم، وعندما أشرقت شمس الإسلام على المغرب، حمل قادة المغرب ضياء هذه الشمس إلى أدغال ومجاهيل القارة الإفريقية، وليس أكثر دلالة على التلاحم التاريخي بين المغرب وإفريقيا، من أن الاسم الأول الذي كان يطلقه الفاتحون العرب الأوائل على المغرب، هو إفريقية.

ومنذ أن أسس المغرب دولته التي ساهم من خلالها في الحضارة العربية الإسلامية، كانت إفريقيا العمق الاستراتيجي لكل الحكام الذين تعاقبوا على قيادة المغرب، وفي قلب الجيوش المغربية التي نقلت النفوذ الإسلامي الفاتح إلى أوروبا، كان العنصر الأفريقي القادم من أعماق أفريقيا حاضرا في الدفاع عن الثغور الإسلامية، مثلما كان حاضرا في البناء الحضاري الذي عرفته حضارة الأندلس، مهد الإقلاع الإنساني العالمي الكبير.

وعندما انقلبت موازين القوى بين المغرب أوروبا، كانت الاستراتيجية الاستعمارية في بداية حروبها الصليبية، تبحث عن تطويق المغرب من الخلف، وعزله عن عمقه الاستراتيجي الإفريقي، من أجل تقطيع أوصاله وإضعافه وإخضاعه، ولازالت ٱثار تلك الاستراتيجية الاستعمارية، عالقة بالواقع الإفريقي، ويكافح المغرب من أجل محوها، في إطار استكمال وحدته الترابية، ويطارد أزلامها في ٱخر حصن لها، الاتحاد الإفريقي.

إفريقيا حضن طبيعي للمغرب، فهي منشؤه الأول والأساس حضاريا وثقافيا وجغرافيا، ومع انفراط العقد العربي وفراغ الساحة الأفريقية من فاعل شمالي قادر على قيادة دفة التوازن القاري، خاصة مع انهيار الوضع في ليبيا وتراجع الدور المصري والغموض الذي يكتنف الحالة الجزائرية، وبعيدا عن البهرجة، فإن عودة المغرب للاتحاد الأفريقي تجر معها مسؤوليات وتبعات كبرى تمليها طبيعة الدور الريادي الذي تنتظره أفريقيا وشركاؤها خارج القارة من المغرب اقتصاديا وسياسيا.

هذه الريادة لها ضرائب ومتطلبات على مجموعة من المستويات، أولاها : ضرورة تصفية الأجواء السياسية الداخلية وتهيئة المؤسسات لممارسة أدوارها في تنفيذ ومتابعة نتائج العودة إلى الاتحاد الأفريقي، وهو الأمر الذي يتطلب تخصيص وزارة في الحكومة المنتظرة لهذا الغرض، وثانيها : الحسم مع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، لأن المغرب، وإن كان أفضل من غالبية الدول الأفريقية، من حيث فرص الاندماج الاجتماعي، إلا أن سياساته في هذا الإطار، بحسب الخبراء، تفتقد للرؤى الاستراتيجية، وينقصها الكثير من الثبات على منحى تصاعدي يمكن البلاد من الإقلاع الاقتصادي الحقيقي.

وثالث المسؤوليات، هو تركيز العمل على عقلنة انفتاح المغرب على موجات الهجرة الأفريقية نحو البلاد، خاصة أن بلادنا أضحت هدفا للمهاجرين، بسبب الإجراءات المعلنة لتقنين أوضاع الوافدين، ولكونها معبرا رئيسيا لهم تجاه الضفاف الأوربية.

ورابعها أن ممارسة الديبلوماسية في أفريقيا تشبه التجوال وسط تضاريسها الوعرة المسالك، فالسياسات الداخلية للدول الأفريقية غير ثابتة، بسبب عدم اندماج أغلبية هذه الدول في منطق التداول السلمي على السلطة، وعدم امتلاكها لقرارها السيادي بفعل استهدافها من القوى الدولية الكبرى الرامية إلى استنزاف قدرات القارة ومقدراتها الطبيعية البالغة الغنى والجودة، هذه القوى التي تلجأ عادة إلى البحث عن شركاء مرنين لتسهيل عملية استغلال الثروات المحلية بغض النظر عن طبيعة هؤلاء الشركاء، بدل تشجيع عمليات التحول الاجتماعي والسياسي المؤدية للاستقرار الفعلي على سكتي التنمية والديمقراطية.

عبد الله لعماري