عندما تتحدث المؤشرات الدولية والوطنية عن أزمة مديونية الدولة المغربية، واستعانتها بالاقتراض من الخارج لسد عجز ميزانيتها، فإن ذلك لم يأتي من فراغ، بالنظر إلى الاختلالات العميقة التي تعرفها منظومة الإدارة المغربية، والتي ساهمت فيها سلوكيات السلب والنهب المنظم لماليتها.

عند مطلع كل سنة جديدة، تتهافت شهية المسؤولين من وزراء و مدراء ورؤساء أقسام ومصالح على التعويضات التي سيتقاضونها، والتي تدخل في إطار ما يسمى بالتعويض عن المردودية، التي هي مفقودة أصلا، و ما يدعم كلامنا، هي التقارير المتتالية للمجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات التي ترسم صورة قاتمة عن وضعية المؤسسات العمومية، التي تعرضت الكثير منها إلى الإفلاس، ولو لا تدخل الدولة لكانت في خبر كان.

أجل، تصرف الملايير من أموال الدولة للمسؤولين عن المؤسسات العمومية، بدعوى التعويض عن المردودية، مع أن الأمر في حقيقته هو تعويض عن إنتاج الفشل، في غياب لأية معايير موضوعية، يمكن الاحتكام لها في تحقيق النتائج المرجوة، من المشاريع التي قدمها المسؤولون المكلفون بالمهام، أثناء تباريهم على تلك المناصب وفق مشاريع محددة الأهداف.

من جهة أخرى، وحتى يتم التستر على تلك التعويضات الممنوحة، تهتدي الإدارة كما يعلم العارفون المشتغلون في هذا الميدان، إلى تبرير صرفها في صيغة تعويض عن التنقل، في حين أن ذلك لا يستند إلى الحقيقة والواقع، فأغلب المسؤولين المستفيدين من تلك التعويضات، لا يتنقلون كثيرا ولا يراوحون مكانهم، بل هناك من لا يتزحزح من مكتبه بالمرة، ليجد في آخر المطاف هدايا سمينة من التعويضات في حسابه البنكي.

ويأتي الفراغ القانوني في مجال كيفية صرف التعويضات عن ساعات العمل خارج أوقات العمل القانونية، ليعقد الأمور ويضفي عليها غموضا كبيرا، مما يؤدي بالإدارات إلى الاهتداء إلى حيل صرفها عن طريق تعويضات عن التنقل.

أغلب إدارات المؤسسات العمومية، تحجب قيمة التعويضات عن المردودية الممنوحة لمسؤوليها و موظفيها، ولا تقوم بنشرها على الملأ، ضمانا لمبدأ الشفافية والاستحقاق المفروضين في التدبير المرتكز على الحكامة في ترشيد النفقات، التي تكشف عن فوارق مهولة بين المسؤولين وباقي الموظفين، تدخل في  توزيعها مظاهر وأساليب التملق والزبونية والمحسوبية والولاءات.

 هذا الواقع المؤسف، يزيد في تأزيمه حجم الامتيازات التي يستفيد منها المسؤولون، خصوصا منها السكن الاداري والوظيفي الذي يعفى مستغلوه حتى من واجبات الماء والكهرباء، بل يستمرون في احتلاله حتى بعد نهاية مهامهم أو إحالتهم على التقاعد دون سند قانوني، ولنا في الملفات المتراكمة على القضاء بهذا الخصوص، خير مثال على ذلك، فضلا عن الاستفادة من سيارات المصلحة التي يتم استغلالها في أحيان عدة لأغراض شخصية بعيدة عن الأغراض الإدارية.

سرطان التعويضات الذي ينخر أروقة المؤسسات العمومية، يخلق فتنة كبيرة وسخطا بين الموظفين، خصوصا مع مشكلة اختلاف قيمة التعويضات، هذا الأمر، خلق سلوكيات جديدة، من قبيل ربط أي مجهود أو أي عمل حتى ولو كان يدخل في صلب عمله اليومي، بالتعويض، وهو ما يساهم في تدهور خدمات الإدارة العمومية، التي أشار إليها جلالة الملك في خطاب 14 أكتوبر 2016 في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، عندما أماط اللثام عن واقع الإدارة المغربية.

 

محسن زردان