بعد مرور 107 يوم على الانتخابات يطرح التساؤل  الجوهري  التالي:  هل بن كيران الذي عينه الملك رئيسا لمشروع تشكيل الحكومة مصير أم مخير في قرار تشكيل حكومته التي وقع لها مثل  ما يشاع عن الطفل الراقد في الثقافة الشعبية  والذي يتبين مع مرور الوقت أن المرأة تغطي عيبها خوفا من الطلاق لانها لا تلد في الأصل فتوهم الزوج بأنها حامل وتسري عليها الحالة النادرة، والمجتمع ابتكر مثل هذه الظواهر لتخفيف الضغط على الضعيف بتبرير  واقع معين وتمويه الحقيقة، ذلك مع العلم أن  الأمر يرتبط بالمشروع السياسي للدولة وليس بالخرافة.

    - الثابت المواكب للمتغير . 
 معلوم أن الفهم العميق للأمور يقود إلى القول  أن النظام الملكي يمنع صدام الأحزاب للوصول  إلى الحكم أو المشاركة فيه ويمنع هيمنة وتحكم حزب واحد على بقية الأحزاب بناء على فارق في المقاعد أو أي معطى اخر، ويضمن للطبقة السياسية حقها في المشاركة  في الحكم و في بناء السلط وفق قاعدة الملكية الدستورية الديمقراطية والبرلمانية والاجتماعية، كما أن الملك يحافظ على الثابت ويتابع المتحول ويترافع باسم الوطن والشعب لتجنب التفرد وجوديا لأية زعامة وبقاءها  بعيدة عن الاحتواء، لأن الملكية  وجدت قبل مرحلة دسترة الحكم على امتداد 12 قرنا، ذلك أن سلطة الملك كمركز ثقل الدولة ثابتة ولا تنتقل إلا بالوراثة، مما يجعل الطبقة السياسية هي المتغير طيلة فترة  حكم كل ملك وفق العقد السياسي الذي ينص الدستور على أهم مضامينه،  وهذا ما  أفرد الملكية بحل الأزمات الكبرى والمستعصية على غيرها من المؤسسات، وتجدد آلياتها باستمرار انطلاقا من  مكانة  الملك الدستورية وامتدادها إلى المجالات التشريعية والتنفيذية والقضائية والروحية والرمزية. ... وكلها تعزز الاستقرار وتضمن التدرج في التطور والتغيير والإصلاح.

كما استطاعت الملكية أن تجعل القوى السياسية تتنافس في كنفها بدلا من التنافس ضدها من خلال تركيز الثقة في الثابت والشك في المتغير الذي هو السياسي بكل أشكاله.

   - المتغير المعرقل لقواعد العملية السياسية. 
 منذ الإعلان عن نتائج الإنتخابات ل 7 اكتوبر 2016 التي  ليست هدفا سياسيا في حد ذاتها باعتبار الحزب المتصدر  الانتخابات لا يمكنه الانفراد بالحكومة دون التحالف مع عدد من الأحزاب ودون اعتماد تفاضل قيمي أو عددي بينها، وهذا ما يجعل من الوضعية الحالية للحكومة تعيش ازمة تكتيكات سياسية  لإنجاح مشروع التحالف الحكومي في الدولة، وعليه فالتكتيك البرلماني كتكتيك مضاد وانتخاب هياكل مجلس النواب هو تدبير تقني مضاد للأزمة بوجه دستوري وسياسي ويبين أن عملية تشكيل الحكومة ليست هبة للحزب المتصدر الانتخابات يتصرف فيها دون منازع، بل هناك مرحلة بناء حكومي صعبة ومرتبطة بالتراضي والتوافق بين الأحزاب السياسية وبين سلطة الملك التي عينت بن كيران رئيسا لمشروع حكومة التي غالبا ما عطلت وضيعتها مواقف شخصية للمحسوبين على الاحزاب، لاسيما وان البرامج التي تراعي الاختيارات الكبرى للدولة  لا يمكن أن  تكون غامضة وغير متفق حولها بين مختلف المكونات.

    - تداخل الفهم بين الأهلية السياسية وأهلية الحكم: 
 إن الانتخابات أعطت الأهلية السياسية للأشخاص باسم الأحزاب فقط، ولم تحدد الاختيارات الافتراضية وفق برامج ومخططات من حجم رؤية دولة، كما  أنها لا تعني أن الفائز في الانتخابات مؤهل لمهام إدارة الدولة التي تتطلب كفاءة جد عالية، فالشخصية  الانتخابية بعيدة عن شخصية الدولة، لاسيما وأن الأحزاب لم تستوعب خطاب المفهوم الجديد للسلطة لسنة 1999  ولحد الآن لم يتصالح المواطن  مع السياسة بعد. لذا فالعملية السياسية توحي باستقلالية  رئيس الحكومة في تشكيل الحكومة والتصرف بالارتكاز على عدد الأصوات لدى حزبه المتصدر الانتخابات والذي يجعل من الأحزاب الأقل اصواتا منه حسب نتائج الانتخابات تحت رحمته فهو يقبلها في تشكيل الحكومة أو يرفضها وفق شروطه.

   - مبادرات الملك لتجاوز  أزمة تشكيل  الحكومة.
مقابل هذا البلوكاج عمل العقل السياسي الثابت في الدولة بنقد فشل المشروع لعيب واضطراب في الرؤية السياسية وتناقض في المواقف بين الاحزاب وعليه بعث الملك  للمرة الاولى كل من السيد عبد اللطيف المنوني والسيد عمر القباج المستشارين بالديوان الملكي لطرح فكرة ضرورة الدفع بالعملية السياسية والهدف منها المتمثل في ضرورة مراعاة باقي المكونات في العملية السياسية والتخلي عن الأنانية السياسية بتوسيع التمثيلية الحزبية في الحكومة، وفي الرحلة الثانية دخل بن كيران في المشاورات مع رئيس حزب التجمع الوطني للاحرار السيد اخنوش ووصل بينهما الامر الى نقيض الطرح وقول انتهى الكلام حسب تعبير بن كيران، والمرحلة الثالثة ارسل الملك المستشار الملكي السيد عالي الهمة لتكون بذلك المرحلة وصلت إلى مرحلة نقيض النقيض، سيما وأن الادعاءات السياسية التي تدور حول التحكم تسير في اتجاه هذا المستشار الذي من خلال  مهمته يتبين انه يحمل رسالة من  الملك إلى السيد بن كيران  وليس رسالة شخصية يراد منها أمور تهمه كمتهم بعرقلة العملية السياسية ويرغب في إزاحة حزب العدالة والتنمية لفائدة حزب الأصالة والمعاصرة، ومنه فالرسالة واضحة مع نقيض النقيض للحسم في العملية بعد صبر طويل وانتظار سياسي بآثار سلبية. 

 إن التنافس لا يقبل إلا إذا كان مرنا وذكيا ويبقي أبواب التعاون مفتوحة بدلا من فتح أبواب حرب البلاغات. كما أن الخيوط المفقودة في العملية السياسية هي غياب التواصل الإعلامي والسياسي الكافي وغياب الإرادة السياسية الحقيقية للخروج من الأزمة وضعف منهجية استغلال  الطاقة  الناعمة لدى الاحزاب التي يمكن ان تتوسط لفك الألغاز المعقدة في العملية، وإذا بقيت الأمور كما هي عليه مع أن العد التنازلي للدورة الخريفية  بدأ، سنكون مع تأخير الانتظارات أمام القول بأن  الأحزاب السياسية المتسببة في الأزمة متهمة بجريمة من جرائم الدولة.

د.احمد درداري