لا شك ان الطبيعة الإتّكالية هي جزء مفصلي في النظام العربي التقليدي، النظام العربي نشأ على ترك الامور لأقدارها ولم يستبق الأمور يوما.

لنتصارح بمجموعة حقائق منها ان المبادأة لم تكن عربية طيلة اكثر من نصف قرن خلت بل كان العرب هم من يتلقون تبعات ونتائج ما تقرره قوى فاعلة اخرى.

الرضا بالعجز كان سمة غالبة خلّفت وراءها وضعا مشوّها واحباطا جمعيّا.

ليس غريبا ان تلتقط دول الجوار الجغرافي والأقليمي وعلى رأسها ايران وتركيا تلك الأشارات فتبني عليها سياساتها مع العرب من منطلق التفوّق النوعي والعمل الحثيث على استباق النتائج وليس تلقّيها.

في العام 2003 كنت احضر مؤتمرا في العاصمة الماليزية كوالالامبور وكان مكرسا للمستقبليات لاستشراف مستقبل الأجيال في العالم الاسلامي ويومها القى الزعيم مهاتير محمد كلمة لخّص فيها الواقع الاسلامي وحتى العربي ولم تغب عن خطابه كلمة "ضعف"، ضعفنا، عجزنا، تفككّنا هي التي اوصلتنا الى ما نحن فيه وستوقع الاجيال المقبلة في محن اشد اذا ما سألنا انفسنا ما الذي تركناه لهم؟

اليوم وصلت اللعبة الى اقصاها والدراما تصاعدت على ارض العرب، المراقبون مثلنا على قدر ما يتحصّلون عليه من معلومات يشعرون ان هنالك امر واقع سيُفرَض حتما على العرب، وانّ هنالك "يالطا" جديدة تنتظر العرب وأنّ ما اعدّوه من عُدّة للمستقبل بائس وهزيل.

من يملك اجنحة الاستخبارات ومصادرها وعيونها وعقولها المحللّة اكيد يعلم أكثر من ذلك بكثير.

في المحصّلة العامة يبدو أنّ العرب هم آخر من يعلم بما يجري من تغيير نحو الاسوأ لأحوالهم، المكر الدبلوماسي الغربي المتواصل لا تخطؤه عين ولا يخفى على ايّ عاقل.

الزيارات الدبلوماسية وزيارات المجاملة على ارفع المستويات لا ولن تنقطع من طرف الغرب من اجل تخدير العرب وايهامهم انهم جزء من اية حلول وتدابير تتعلق بالمستقبل وهم محترفون في ارسال التطمينات للعرب، والعرب دوما يثقون ويصدّقون، اما الافعال على الأرض فتقول غير ذلك بل وعكس ذلك .

صورة العرب والمسلمين المشّوهة وحملات الكراهية تأتي من بلدان ذات المسؤولين القادمين للمجاملة وتهدئة خواطر العرب.

تدار الحملات الاعلامية بشراسة وتقوم بها مؤسسات لأغلب الحكومات الغربية تأثير مباشر عليها لكن عندما يجدّ الجد يرفعون في وجوه العرب يافطة حرية الصحافة وحرية الرأي والتفكير والتعبير.

العرب لا يمارسون ذات الاساليب ولم يتعلموها.

اعلام العرب مشغول بالمشاكل ما بين العرب انفسهم.

حملات الاعلام العربي التي تصل الى درجة مبالغ فيها من الشراسة والتأجيج والكراهية كلها موجّهة غالبا ضد خصم عربي.

اعلام العرب ليس جزءا من اللعبة، هو مكتفٍ بإعادة نشر ما تتدفق به وكالات انباء الغرب واعلام الغرب من اخبار.

يحضر المراسلون الغربيون بكاميراتهم ويرافقون جنود الجيش العراقي في الموصل في معارك وجها لوجه مع داعش. اما الاعلام العربي فعندما يحضر سيكون مخصصا للحديث عن الطائفية التي تميّز معركة الموصل وبعضه مكرّس للأنتصار لداعش والنقل عن وكالة اعماق الداعشيّة.

قُصر النظر العربي واضح وفاقع إن في السياسة او في الأعلام والعرب لم يتداركوا اصول اللعبة السياسة والأعلامية ولم يكونوا جزءا منها ولهذا سوف تمر بهم نتائجها وعواصفها مخلّفة وراءها نتائج غير سارّة.

القصة ليست ان نمارس ندب الذات بقدر ما يتطلب الامر قرع اجراس الخطر المحدق واعادة النظر في انماط التخلّف السائدة والعجز عن ايجاد الحلول، تلك هي الإشكالية المركّبة التي لا بد من مقاربتها والوقوف عندها بجرأة وتجرّد ومسؤولية وعلى عجل ايضا.

 

طاهر علوان