هناك مقاربتين في تعريف الاقتصاد الأخضر. الأولى تعتمد على الآثار، حيث تعتبر الأنشطة الإنتاجية والاقتصادية خضراء كلما كانت غير ملوثة للمناخ والمجال الجغرافي حولها، أو كانت تقتصد في استعمال الموارد الأولية والطاقية. أما المقاربة الثانية في تعريف الاقتصاد الأخضر فهي تعتمد على الأهداف، حيث يعتبر نشاط إنتاجي ما أخضرا كلما كان هدفه حماية البيئة.

إلا أن هذا التعريف يعتبر محدودا بالنظر إلى الأبعاد الشمولية التي صار الاقتصاد الأخضر يتخذها اليوم. فهو ليس مقاربة تقنية تعتمد على ضبط نسب التلوث والانبعاثات المضرة بالمناخ والتربة والماء، بل تتجاوزها إلى رؤية شاملة لأهداف الفاعلين الاقتصاديين وأدوارهم الاجتماعية ونظم الحكامة على المستوى الدولي.

وهنا تتداخل المفاهيم والإشكالات، حيث لا يمكن فصل الشق الاقتصادي والإنتاجي عن أبعاده الاجتماعية والمناخية، خاصة إذا وضعت هذه الإشكالية الكونية، إشكالية المناخ والبيئة، في إطار المفاوضات الدولية، التي يتمايز فيها طرفين أساسيين، الدول المتقدمة التي أنتجت التلوث البيئي بعد أن حققت نهضتها الصناعية والاقتصادية، والدول السائرة في طريق النمو والتي تعتبر ضحية للتلوث البيئي، حيث يطرح السؤال الكبير : من عليه اليوم أداء فاتورة التلوث والتحول إلى الاقتصاد الأخضر ؟

فالتحدي يبقى إذن في الموازنة بين هذه الإكراهات، على أن الهدف ليس هو معاقبة الدول المتقدمة بل في إقناعها بضرورة تحملها مسؤولية أكبر في حماية المناخ. كما أن الهدف هو ليس في إعطاء رخصة للدول النامية للإمعان في شتى الأنشطة الإنتاجية المضرة بالمناخ بالنظر إلى كونها لم تكن شريكة في جرائم البيئة التي عرفها العالم منذ النهضة الصناعية.

وهنا يمكن تلخيص التحديات المطروحة إلى مستويين. المستوى الأول يتعلق بكيفية خلق التوازن بين رغبة الدول المتقدمة في الحفاظ على رفاهيتها مع خفض مستوى بصمتها المناخية وبين تطلع الدول النامية إلى رفع رفاهيتها ولكن دون الرفع من مستوى بصمتها المناخية.

أما التحدي الثاني فهو يعود بنا إلى الهدف العام الذي يقود اليوم جهود حماية البيئة كما حدده تقرير اللجنة الدولية للبيئة والتنمية لسنة 1987 وهو "الاستجابة لحاجيات الحاضر، دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على الاستجابة لحاجياتهم".

من الواضح إذن أن تحديات المناخ تتعلق بالحاضر والمستقبل من حيث ضرورة اتخاذ إجراءات للحد من التلوث البيئي والمناخي والتحول إلى الاقتصاد الأخضر في العالم من جهة، وضرورة تحمل تكلفة آثار هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية والبيئية بالنسبة للدول النامية من جهة أخرى.

بالنسبة لإجراءات الحد من التلوث البيئي والمناخي اتفقت دول العالم على إجراءات قوية ستكون لها آثار إيجابية على مستقبل الأرض إذا تم احترمها. حيث تم الاتفاق على الحد من ارتفاع حرارة المناخ في حدود 1.5 درجة سلسيس، عوض 2 درجة التي كان متفقا عليها في الأوراق التحضيرية لأعمال الكوب 21. وهو الطلب الذي أصرت عليه الدول الجزرية التي تعيش خطر الاندثار الكامل من على وجه الكرة الأرضية جراء ارتفاع حرارة المحيطات ومستوى البحر بسبب ذوبان الجليد القطبي.

على أن اتفاق الكوب 21 لم يشر للأسف إلى أي هدف واضح ومرقم بخصوص الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، حيث كان متفقا في السابق على خفضها بنسبة 40 في المائة إلى 70 بالمائة في أفق 2050. إلا أن هذا الهدف اختفى من الاتفاق لكونه يحمل إكراها قويا للدول المتقدمة وتم تعويضه بهدف عام بخلق التوازن بين الانبعاثات وبين إجراءات احتوائها، خاصة بحفر أبار الكاربون.

أما بخصوص تحمل تكلفة آثار التحولات المناخية بالنسبة للدول النامية فتم الاتفاق على مبدأ الإنصاف بين الدول، باعتماد قاعدة المجهود الجماعي المتمايز بين الدول بحسب مسؤوليتها التاريخية في التحول المناخي ومستوى غناها وفقرها، وهو مبدأ يضع الشمال في مواجهة الجنوب منذ اعتماده سنة 1992 بريو ديجانيرو. حيث يخلص إلى اعتماد مبدأ الدين المناخي الذي يجب أن تتحمله الدول المتقدمة لصالح الدول النامية، والذي تم تحديد في 100 مليار دولار سنويا إلى غاية 2020. هذا الرقم الذي طالبت الدول النامية بالرفع منه اعتبر حدا أدنى، ووقع الاتفاق بالرفع منه بتقديم هدف أكثر طموحا في حدود 2025.

فهل تكون الانسانية قادرة على تحمل مسئوليتها أمام تدهور المؤشرات المناخية، وعلى اتخاذ الإجراءات القاسية الكفيلة بحماية الحق في البيئة النظيفة ووفرة الموارد اللازمة لأجيال الحاضر والمستقبل ؟ هنا، ومراكش تحتضن القمة المناخية العالمية كوب 22، لا بد من الإشادة بجهود المغرب للإسهام في إحداث وإنجاح هذه التحولات الدولية الكبرى، ولنأمل جميعا أن تكون هذه القمة محطة للدفع بالمنتظم الدولي إلى تفعيل التزاماته حول حماية البيئة والمناخ، وأن يقتنع الجميع، شمالا وجنوبا، أننا نقل نفس المركبة، وأن لا محيد عن حمايتها.

عبد النبي أبوالعرب