ألا نحتاج اليوم لمفهوم جديد للمعارضة ؟ لماذا تريد جل الأحزاب أن يكون لها موقع في الحكومة ؟ أليس الأمر طبيعيا مادامت تدخل كلها غمار التنافس كي تستقطب ثقة الناخبين وتبذل في ذلك قصارى جهودها – ومنها من لا يتورع عن ركوب كل الوسائل ( المشروع منها وغير ذلك ) للحصول على المقاعد التي تتيح لها مكانة في التفاوض عندما يزف التشاور ، ونصيبا من وزيعة الحقائب الوزارية بمنطق الغنائم الانتخابية .

ولكن الدستور يقول لمن يريد أن يسمع ويتدبر أن رئاسة الحكومة تعود للحزب الأول ، وأن رئيسها المعين يقترح الوزراء بناء على الأغلبية التي يشكلها ، وطبعا ما دمنا بكل أسف في بلاد تستنكف غالبية أحزابها عن الإفصاح عن تحالفاتها قبل وعند التقدم للانتخابات فإن المجال يظل فسيحا لسوق المساومات والابتزاز وعسر المشاورات لتشكيل الحكومة لتبقى في كف عفريت يعرض البلاد لمخاطر الأزمات ولحالة الانتظارية المقيتة .

من هذه الزاوية وضع الخطاب الملكي يوم 6 نونبر الأخير نقطة الفصل لما دعا إلى التخلص من هاجس الحسابات العددية لتأليف حكومة جادة ومسؤولة مؤهلة ببرنامج وأولويات ذات هيكلة ومنسجمة باختصاصات قطاعية مضبوطة .

هذا عن الحكومة التي يحتاجها المغرب ولكن ماذا عن المعارضة التي يحتاجها المغرب ؟

لنتذكر ما قاله الملك عند افتتاح أول دورة للسنة التشريعية الخامسة من الولاية البرلمانية التاسعة موجها الكلام للذين لم يتوفقوا في الانتخابات حيث دعاهم على الخصوص إلى أن ينتبهوا إلى أن المغاربة أصبحوا أكثر نضجا في التعامل مع الانتخابات وأكثر صرامة في محاسبة المنتخبين على حصيلة عملهم ، كما دعاهم للقيام بالنقد الذاتي البناء لتصحيح الأخطاء وتقويم الاختلالات ومواصلة العمل دون كلل ..

يتحدث الجميع عن مواصفات الحكومة التي كلف بنكيران بتشكيلها وفقا لمقتضيات الدستور و يتركز الجدال على العوائق التي تواجه نسج التحالف الحكومي ، وتتناسل التأويلات والتصريحات المتضاربة في تقديم مبررات تأخر الإعلان عن ميلاد هذه الحكومة ... ولكن القليلين من اهتموا بسؤال المعارضة ، فلماذا لا نقلب الآية ونتساءل عن من سيعارض هذه الحكومة التي تعسرت ولادتها ..وقد تقتضي عملية قيصرية محفوفة بالمخاطر ..؟

يقول الباحث في العلوم السياسية الأستاذ كمال القصير في واحد من المقالات النادرة التي تعرضت للموضوع : " ... أن موقع المعارضة يفتقد إلى الجاذبية السياسية لصالح منطق البحث عن السلطة والغنيمة السياسية وهو أمر مقبول سياسيا لكن آثاره على توازن النظام السياسي سلبية .. ".

وبمعنى آخر يمكن القول أن الجميع يتخيل الاصطفاف في تحالف الأغلبية مفتاحا لأبواب (جنة) الحكم وكأن القيام بدور المعارضة نقيض مطلق لذلك . وفي تقديري أن الاستهانة بدور المعارضة في تحقيق النضج الديموقراطي يعتبر بمثابة تنكر لقيم الديموقراطية نفسها ، وقصور في فهم ما لا نجازف في تسميته ب "المفهوم الجديد للمعارضة ".

نعم إننا بحاجة لمفهوم جديد للمعارضة يعكس إرادة المشرع الدستوري الذي أسند لها عددا من الحقوق والضمانات ونص على آليات ووسائل ضمنها الفصل العاشر فيما لا يقل عن اثني عشر مدخلا لممارسة معارضة تمكنها من النهوض بمهامها على الوجه الأكمل في العمل البرلماني والحياة السياسية .

إن دعوة الحكومات إلى تقديم حصيلة إنجازها بمناسبة انتهاء ولايتها ومحاسبة الأحزاب المشكلة للأغلبية المساندة لها عند تقديم مرشحيها للانتخابات ، لا يقل أهمية عن محاسبة الهيئات السياسية المشكلة للمعارضة عن مدى حصيلة تفعيلها لما ينيطه بها الدستور من صلاحيات وما يمنحه إياها من ضمانات وحقوق لممارسة دورها في الرقابة البناءة ، ولذلك فمن غير المقبول النظر إلى موقع المعارضة بمنطق اللامسوؤلية . إن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كما يلزم الحكومة وأغلبيتها بما يتخذ من قرارات واختيارات أو تخليات وقصور يلزم بنفس الدرجة المعارضة لمحاسبتها عن حصيلتها في استعمال الوسائل المتاحة لها دستوريا سواء لتبني السياسات الحكومية أو الاعتراض عليها أو انتقادها وتقديم البدائل والمساهمة في صياغة القرارات المتعلقة بالقضايا الكبرى بإبداء الرأي والاقتراح البناء وتدعيم شروط الحوار الواعي .

إن الأحزاب التي لا يمكنها الانخراط في الأغلبية إما بسبب نتائجها وترتيبها الانتخابي بحسب المقاعد والأصوات التي نالتها أو بسبب نوعية التحالف الذي يحق دستوريا وسياسيا لرئيس الحكومة المكلف تشكيله ، تقع عليها مسؤولية عظمى في تنزيل المفهوم الجديد للمعارضة ، كما تتحمل مسؤولية الوفاء للبرامج التي تقدمت بها للناخبين الذين نالت مقاعدها بفضل أصواتهم ويبقى من حقهم عليها أن تدافع من موقع المعارضة عن تلك البرامج فالتصويت في البدء والمنتهى عبارة عن تعاقد معنوي من الأخلاق احترام التزاماته .

إن الانتخابات وسيلة حضارية لتدبير الحكم بإفراز الأغلبية والمعارضة ، والدساتير تطورت لتجعل المسؤولية مناطة بهذه وتلك في دائرة الاختصاصات والصلاحيات والوسائل ، وإن الحكم مسؤولية وكذلك المعارضة ..وربط المسؤولية بالمحاسبة كما يعني رئيس الحكومة وأغلبيته يعني المعارضة بمختلف مكوناتها .

فيا أيها الذين يتسابقون ويتنافسون ويناورون ليكون لهم نصيب في الحكومة معلنين غيرتهم على مصلحة الوطن ، لم لا تحرصون بنفس القوة على تحقيق شروط تشكيل المعارضة التي تحتاجها البلاد ؟؟ ألا تحتاج الديموقراطية المغربية معارضة جادة ومسؤولة ومنسجمة وذات كفاءة كي تؤدي أدوارها الدستورية .

أيها السادة

البلاد في حاجة إلى مشاورات مكثفة صادقة لتشكيل معارضة من هذا المستوى ، فهل من متدبر ؟


تميم بنغموش