أبطل الكونغرس الأميركي الأربعاء حق النقض "الفيتو" الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما، الجمعة الماضي، ضد مشروع قانون يسمح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول بمقاضاة دول ينتمي إليها المهاجمون.

وصوت مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) الأربعاء على "الفيتو" ليحصل مشروع القانون على تأييد 348 صوتا ورفض 77 وامتناع 10 آخرين عن التصويت بالمجلس، الذي يبلغ عدد أعضائه 435.

وتعرف مسودة القانون بـ"العدالة ضد رعاة الإرهاب"، أو ما بات يعرف في الأوساط الأميركية بقانون "11 سبتمبر"، وسبق أن صوت مجلس النواب لصالحها في 9 سبتمبر/أيلول، قبل أن يستخدم أوباما "الفيتو".

وكان من المقرر التصويت على "فيتو" أوباما بالمجلس الخميس لكن تم التعجيل به بشكل مفاجئ وأجري الأربعاء.

وفي وقت سابق الأربعاء، صوت مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) ضد "فيتو" أوباما، بأغلبية 97 عضوا، واعتراض زعيم الأقلية الديمقراطية هاري ريد وحده، بالإضافة إلى عدم تصويت اثنين من الأعضاء.

وبذلك يصبح للمسودة قوة القانون، ويكون بإمكان المواطنين الأميركيين مقاضاة أي دولة تتهم بالضلوع في عمليات إرهابية نتج عنها ضرر عليهم، بما فيها قضية عائلات الضحايا والناجين من أحداث 11 سبتمبر/أيلول، والتي أدت إلى مقتل وإصابة الآلاف.

ويقول مراقبون إنه من المرات النادرة التي استطاع مجلس الشيوخ فيها تجاوز فيتو رئاسي. ويضيف هؤلاء إن نجاح المجلس في إحباط الفيتو الرئاسي يكشف مدى ضعف البيت الابيض ويحرم اوباما من تحقيق إنجاز ما تبقى على جدول اعماله في الايام الاخيرة المتبقية له.

واستخدم أوباما الجمعة الفيتو الرئاسي لتعطيل قانون يجيز لضحايا اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 مقاضاة السعودية، بحسب ما أعلن البيت الأبيض.

ويعتبر أوباما أن التشريع من شأنه أن يؤثر على حصانة الدول ويشكل سابقة قضائية خطيرة، كما يمكن ان يعرض موظفي الحكومة العاملين في الخارج لمخاطر.

وقال الرئيس الأميركي في رسالة إلى مجلس الشيوخ "أتفهم رغبة عائلات (الضحايا) في تحقيق العدالة، وأنا عازم على مساعدتهم في هذا الجهد".

لكنه أضاف أن التوقيع على هذا القانون "سيكون له تأثير ضار على الأمن القومي للولايات المتحدة".

واستخدم اوباما حتى الان الفيتو الرئاسي 11 مرة، دون ان يتم جمع الاصوات المطلوبة لتجاوزها وهي ثلثا اعضاء الكونغرس.

ويتوقع أن يوافق مجلس النواب الأميركي على قرار نقض فيتو الرئيس أوباما من دون مشاكل، لتدخل العلاقات الأميركية السعودية في طور جديد من التشابك.

وفي مذكرة احتجاج دبلوماسية حذر الاتحاد الأوروبي من "صراع بين القوانين والمبادئ الأساسية للقانون الدولي".

وجاء في المذكرة أن "حصانة الدولة ركيزة أساسية في النظام القانوني الدولي"، مضيفة أن دولا أخرى يمكن أن تتخذ "إجراءات للرد".

وفي رسالة إلى المشرعين حذرت مجموعة من المسؤولين الأمنيين من بينهم وزير الدفاع السابق وليام كوهين والرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي ايه) مايكل موريل وستيفن هيدلي مستشار الأمن القومي للرئيس السابق جورج بوش، من أن التشريع المقترح سيضر بمصالح الولايات المتحدة.

وجاء في الرسالة "قواتنا ودبلوماسيونا وكل طواقم الحكومة العاملين في الخارج يمكن أن يتعرضوا لملاحقات في دول أخرى".

وختمت الرسالة "مصالحنا للأمن القومي وقدرتنا على محاربة الارهاب ودورنا القيادي في العالم يمكن أن تصبح في خطر".

وفي وقت سابق من سبتمبر/أيلول، صادق الكونغرس على تشريع يسمح للناجين من أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وعوائل ضحايا بمقاضاة المملكة العربية السعودية ومطالبتها بالتعويض عن الأضرار التي تعرضوا لها جراء الهجمات التي شهدتها مدينة نيويورك.

ويسمح مشروع القانون للناجين وأسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر، بمطالبة السعودية بدفع تعويضات لهم عن الأضرار التي تعرضوا لها، جرّاء اشتراك 15 من مواطني المملكة في الهجمات، التي أودت بحياة أكثر من 3 آلاف شخص.

وترفض السعودية تحميلها مسؤولية اشتراك عدد من مواطنيها في هجمات 11 سبتمبر، وسبق أن هددت بسحب احتياطات مالية واستثمارات بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة في حال إقرار مشروع القانون.

ومع أن 15 من منفذي الاعتداءات كانوا سعوديين، لم يتم إثبات أي علاقة مع الحكومة التي تنفي أي صلة بالخاطفين.

وفي 11 سبتمبر/أيلول 2001، نفذ 19 من عناصر تنظيم "القاعدة" باستخدام طائرات ركاب مدنية، هجوماً ضد أهداف حيوية داخل الولايات المتحدة، أبرزها برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ما أدى لمقتل آلاف الأشخاص، وكان بين منفذي هذه الهجمات 15 سعوديا.

ويستند تشريع الكونغرس لإدانة السعودية كدولة على 28 صفحة أخفتها أجهزة التحقيق ما يناقض مبدأ العلانية الذي تشترطه مواثيق دولية.

وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في وقت سابق من العام الجاري وانطلاقا من محتوى تلك الصفحات إن "الحقيقة واضحة ليس للحكومة السعودية أي دور في أحداث 11 سبتمبر"، وذلك وفقا للتحقيقات المكثفة التي قامت بها المخابرات الأميركية طوال السنوات الماضية التي اعقبت الهجمات، وبناء على تأكيدات منها.

وقال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة عبدالله بن تركي في وقت سابق "منذ 2002 أجرت لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتبمر، وهيئات حكومية عديدة بينها وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الاتحادي تحقيقات في محتوي الصفحات الثماني والعشرين، وأكدوا أنه لا الحكومة السعودية أو أي مسؤول سعودي كبير أو أي شخص يعمل نيابة عن الحكومة السعودية قدم أي دعم أو تشجيع لتلك الهجمات".

ويحذر محللون لقانون الكونغرس وتداعياته الخطرة على الدولة السعودية من أنه قانون شاذ وغير طبيعي.

ويقول هؤلاء إن القانون كونه يسمح لضحايا هجمات سبتمبر/أيلول 2011 بمقاضاة السعودية كدولة، يعني أنه "أدانها كدولة بعمل جنائي". ويؤكد هؤلاء أن "إدانة السعودية كدولة أمر غريب في علم القانون الجنائي، فالفاعل لا بد أن يكون شخص طبيعي ليس اعتباري والدولة شخص اعتباري".