أصدر المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات تقرير "المغرب في سنة 2015"، وهو التقرير السنوي السابع الذي يصدره منذ سنة 2009.

واعتمد التقرير هذه السنة، كما جاء في مقدمته، منهجية جديدة تجمع بين الوصف والتفسير والاستشراف، إذ تناول الموضوعات والقضايا الكبرى التي عرفها المغرب سنة 2015، من خلال 19 دراسة متخصصة أعدت إما بشكل فردي أو جماعي من قبل باحثي وخبراء المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات.

ورصد التقرير سلوك الفاعلين السياسيين والفاعلين في الحقل المجتمعي والجمعوي؛ وساءل السياسات العمومية ومدى نجاعتها في مجالات الجهوية والحكامة وحقوق الإنسان، والسياسة الخارجية والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مسجلا في المجال السياسي استمرار الحضور القوي للمؤسسة الملكية، في مقابل اختلالات طبعت العمل الحكومي والتشريعي؛ كما رصد طغيان الهاجس الأمني والمالي للدولة في تدبير السياسات العمومية.

وبخصوص الانتخابات الجهوية والجماعية، التي أجريت في 4 شتنبر 2015، سجل التقرير ذاته نوعا من الانفتاح الانتخابي، لكنه انفتاح متحكم فيه يصب "في تجديد السلطوية وليس تحقيق الديمقراطية".

وهكذا رأى باحثون في دراسة جماعية حملت عنوان: "الفاعلون السياسيون الرسميون بالمغرب بين الثابت والمتغير"، أن الهندسة الدستورية أفرزت ترتيبا دستوريا ينطلق من الملك، مرورا بالسلطة التشريعية، وانتهاء بالسلطة التنفيذية، إلا أن الممارسة السياسية كرّست هيمنة الملك على باقي السلط العامة، كما كرّست مركزية السلطة التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية، وهذا ما برز بجلاء من خلال تدخلات الفاعلين الرسميين سنة 2015.

واعتبرت الدراسة ذاتها أن الملك حافظ على مكانته المركزية داخل النسق السياسي المغربي على امتداد سنة 2015، من خلال احتكاره التام للمجالات الدينية والأمنية والخارجية، وتوجيهه للسياسات العمومية بصفة مباشرة أو غير مباشرة، مشيرة إلى هيمنة الحكومة على أداء الوظيفة التشريعية، وتموقع البرلمان في مرتبة ثانية في اتخاذ المبادرة التشريعية، مضيفة: "لم تتعد المقترحات التي تقدم بها، وقبلتها الحكومة وسلكت المسطرة التشريعية حتى المصادقة، سبعة مقترحات".

وفي السياق ذاته وفي ما يخص القوانين التنظيمية، لاحظت الدراسة على المسطرة التشريعية تميزها بـ"البطء والتعقيد"، وعلى مستوى المضمون "الجدل السياسي والتباين في التأويل"، بسبب عدم انضباط النص الدستوري لمتن واضح؛ وأكدت أنه بعد مرور أربع سنوات على البرلمان الحالي لم تقطع هذه المؤسسة الدستورية مع الصورة النمطية التي لازمتها، كونها غرفة للتسجيل والتزكية وضعف الحصيلة التشريعية والرقابية.

وضمن دراسة جماعية أخرى عنوانها "الفعل المجتمعي بالمغرب بين التضييق وإرادات التحرر"، أكد باحثو المركز أنه "وبعد مرور ما يقرب من خمس سنوات على الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب سنة 2011، والذي اضطرت معه الدولة إلى التراجع والسماح بهامش من الحرية للمجتمع، عادت الدولة إلى عاداتها القديمة التي تتجلى في المنع والتضييق، وذلك بإقرار مؤسسات أو تشريع قوانين أو بقمع ممنهج يمس الأفراد والتنظيمات".

واعتبر الباحثون ذاتهم أن المؤسسة الملكية كثفت من توظيف المشروعية الدينية؛ مستحضرين إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ليلة 26 من رمضان 1436 الموافق لـ 13 يوليوز 2015 بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، بغية تعزيز "الروابط التاريخية والدينية والحضارية بين المغرب وإفريقيا"، بحسب ما ورد في ديباجة الظهير المحدث للمؤسسة رقم 1.15.75 الصادر بتاريخ 24 يوليوز 2015، غير أنهم رأوا أن الفعالية المنتظرة منها تبقى جد محدودة، لارتباطها بإكراهات الرهانات السياسية للدولة والشلل التنظيمي "البيروقراطي".

وسجل المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات من خلال هذه الدراسة عدة أحداث ميزت الحياة الحزبية خلال العام المنصرم، "سواء على المستوى التنظيمي؛ حيث سُجلت عدة اختلالات تمثلت في وجود صراعات هددت في بعض الأحيان وجود الحزب، أو على مستوى التدبير المالي، حيث سجل المجلس الأعلى للحسابات عدة ملاحظات حول مالية الأحزاب السياسية".

وأكدت دراسة أخرى بعنوان "السياسات العمومية بين رهان التنمية والهاجس الأمني والضبطي" أن تحقيق تنمية شاملة ومستديمة هو مبتغى كل دولة في سبيل إشباع الحاجات العامة، وفي هذا السياق تحتل السياسات العامة كأداة لتدخل الدولة في مختلف القطاعات مكانة متقدمة في إستراتيجيتها التنموية، "غير أن السياسات العمومية بالمغرب تتسم بعدم فعاليتها؛ نظرا لطغيان الهاجس الأمني الضبطي في مقابل ضعف البعد التشاركي. وهذا ما يتضح مثلا في تدبير سياسات الجهوية ومؤسسات الحكامة والاحتجاجات وحقوق الإنسان".

وخلص المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، في دراسة أخرى حملت عنوان "الانتخابات الجماعية والجهوية بالمغرب: قراءة في النتائج وبحث في الأعطاب" أن الانتخابات الجماعية والجهوية، التي نظمت بتاريخ 4 شتنبر 2015، عرفت بعض التميز، سواء على مستوى سياقها الدستوري والسياسي، أو على مستوى إطارها المؤسساتي والتنظيمي، كما شدت الانتباه على مستوى نتائجها؛ وعرف سياقها السياسي توترا ملحوظا بين حزب العدالة والتنمية من جهة وأحزاب الأصالة والمعاصرة والاستقلال والاتحاد الاشتراكي من جهة ثانية.

وانتهى ذلك التوتر بتحقيق حزب العدالة والتنمية نتائج غير مسبوقة على مستوى المدن، وعودة حزب الأصالة والمعاصرة بقوة إلى المشهد الانتخابي، وتراجع ملحوظ لحزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي.

غير أن هذا السياق العام وما أفضى إليه من نتائج تبدو مغايرة في بعض جوانبها لا يعني، حسب الدراسة ذاتها، تجاوز الاختلالات الأساسية التي عرفتها الانتخابات المحلية السابقة، سواء في ما يتعلق بالمشهد الحزبي أو بآليات اشتغال النسق الانتخابي ومخرجاته.

وخلصت الدراسة إلى أنه "لوحظ بعض الانفتاح الانتخابي، لكنه انفتاح متحكم فيه يصب في تجديد السلطوية وليس تحقيق الديمقراطية".

وفي المجال الاقتصادي، تم الوقوف على محدودية النموذج المغربي المبني على الطلب لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تم التطرق إلى محدودية السياسة الجبائية المغربية، وضعف نجاعة النفقات العمومية، وتضخم الدين العمومي، وهشاشة مالية الدولة، رغم النتائج الإيجابية على مستوى التحكم في عجز الميزانية وبعض المؤشرات الماكرواقتصادية.

وتطرق التقرير ذاته إلى بعض الإستراتيجيات القطاعية، مثل المهن العالمية للمغرب، وفشلها في تحقيق الإقلاع الاقتصادي رغم منحها المغرب سمعة طيبة باعتباره وجهة للمناولة الصناعية وليس دولة صناعية.

أما في القطاع الفلاحي، فسجل التقرير أداءه الجيد سنة 2015، رغم ما يعانيه من إشكالات بنيوية عميقة تحد من دوره في النمو الاقتصادي وتحقيق الأمن الغذائي للمغاربة.

واعتبرت دراسة "محددات ومحدودية الطلب النهائي العام في الاقتصاد المغربي" أنه إذا كان من الممكن الاعتماد على الطلب الكلي لتحقيق التنمية الاقتصادية، فإن هذه العلاقة الطردية في المغرب لم تعط أكلها، بسبب عدم فعالية طلب الاستهلاك الأسري؛ نظرا لضعف الدخل لدى المواطنين الذين يلجؤون إلى السوق الداخلية من أجل إشباع حاجياتهم من جهة، ومن جهة أخرى نظرا لضعف وعدم تنوع الإنتاج المحلي؛ ما يدفع المواطنين ذوي الدخل المتوسط والمرتفع إلى طلب السلع الأجنبية؛ وهذا ينعكس سلبا على وضعية الميزان التجاري المغربي.

وخصصت دراسة أخرى للتفصيل في الميزانية العامة للدولة بعنوان: "تمويل الميزانية العامة للدولة: الفرص والإكراهات"، والتي رغم أنها سجلت ارتفاع المداخيل الاعتيادية للدولة سنة 2015 بحوالي 2.8% مقارنة مع سنة 2014، عازية هذا التحسن إلى الارتفاع المسجل على مستوى المداخيل الجمركية (+1,7%)، والرسم الداخلي على استهلاك المنتجات الطاقية (+10%)، والجبايات الداخلية (5,4%) والرسم المهني (+41%).

إلا أنها اعتبرت أن تحليل تطور بنية المداخيل الاعتيادية للخزينة يكشف الطابع الاستثنائي والظرفي لهذه المداخيل.. فالارتفاع الذي سجلته المداخيل المتأتية من رسوم التسجيل يعزى إلى قرار دمج المكتب الوطني للكهرباء والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب؛ أما الضريبة على القيمة المضافة الداخلية فيرجع تحسنها إلى مداخيل ترخيصات الجيل الرابع للاتصالات؛ والرسم الداخلي على استهلاك المنتوجات الطاقية يرجع إلى الظرفية الدولية المناسبة؛ فيما تعززت صناديق الخزينة بمداخيل استثنائية همت احتكارات الدولة.

وأكدت الدراسة ذاتها أن "السلطات العمومية تدخل بعض الموارد ذات الطابع الاستثنائي والظرفي، كالتي مرت بنا، في خانة الموارد الاعتيادية، وهذا يؤثر سلبا في درجة الوثوقية في معدل عجز الميزانية، الذي لا يعكس بهذه الطريقة حقيقة الوضع المالي للخزينة؛ كما يؤشر أيضا إلى هشاشة النظام الجبائي المغربي وضعف مردوديته".

واعتبرت الدراسة أيضا أن "النظام الجبائي المغربي مازال نظاما غير عادل، وضعيف المردودية وغير مستقر وريعي.. ومن شأن التردد في مباشرة إصلاح عميق يمس بنيات النظام الضريبي بالمغرب أن يبقي فرص تحسين شروط تمويل احتياجات الدولة في مهب الريح.. إصلاح ينبغي أن يهدف إلى إقرار نظام جبائي أكثر عدالة واستقرارا.. نظام يحاصر الريع ويشجع الانتقال إلى الأنشطة النظامية".

وفي المجال الاجتماعي، رصد التقرير ذاته مجموعة من الظواهر والتحولات الاجتماعية، وبحث مشروع الخدمة الوطنية الصحية وإستراتيجيات الدولة للنهوض بالصحة العامة، كما بحث إشكالية الصحة النفسية بالمغرب، ووقف على عملية ترحيل نزلاء "بويا عمر" ومحدودية نتائجها.

وتطرق التقرير أيضا إلى تنزيل الرؤية الجديدة لإصلاح منظومة التعليم، لافتا إلى إشكالية التحكم السياسي في القرار التربوي، وما يخلفه ذلك من آثار على فاعلية التدبير التربوي في مختلف المستويات.

وكشف بحث "الخدمة الوطنية الصحية بين اختزال مشاكل القطاع وإستراتيجيات الدولة للنهوض بالصحة العامة" اختلالات كبيرة يعرفها تدبير الموارد البشرية على مستوى وزارة الصحة، سواء في التكوين أو التوظيف، ما يتسبب في كل مرة في ظهور أزمة إلى العلن.. ولم تشكل سنة 2015 استثناء، إذ برز بشكل كبير مشكل الخدمة الإجبارية الذي عبرت عنه الحركة الاحتجاجية التي قادها الطلبة عبر التنسيقية الوطنية لطلبة كليات الطب بالمغرب في وجه الحكومة.

وفي دراسة خاصة عن الشباب، بعنوان "الشباب المغربي في سلم القيم والأولويات عند الدولة"، لاحظ المركز ارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب البالغين من العمر ما بين 15 و24 سنة بـ0.7 نقاط، وحاملي الشهادة بـ0.1 نقطة، لافتا إلى أنها "مفارقة تجعل الفئات المتوفرة على الشهادات المتوسطة، وهي الفئات الأكثر تأهيلا للاندماج في النسيج الاقتصادي، أكثر تضررا من البطالة.. وهذا مظهر من مظاهر هشاشة الاقتصاد المغربي، ويؤكد عدم قدرته على استيعاب أفضل الأطر التي صرفت الدولة أموالا كبيرة من أجل إعدادها وتأهيلها".

وسجلت الدراسة ذاتها عجزا كبيرا على مستوى دور الشباب، موردة: "لا يتجاوز عددها حاليا 443 دارا، بمعدل دار شباب واحدة لأكثر من 50.000 شاب؛ هذا مع تركـز أغلبها بمحوري الـدار البيضاء والرباط. وعلى مستوى خدمات التخييم، مازالت نسبة الاستفادة ضعيفة وغير متاحة للأغلبية الساحقة لمن هم بحاجة إليها"؛ لتخلص إلى أن فئة الشباب تعاني من الإهمال والإقصاء والاستغلال بكل أشكاله.

وحاول المركز من خلال بحوث متنوعة رصد وتحليل العديد من الظواهر والقطاعات والفئات الاجتماعية والتعليمية والثقافية، ومن هذه الدراسات: المجتمع المغربي في سياق التحولات الاجتماعية: ظاهرة الانتحار نموذجا، المؤشرات والأسباب، وعملية ترحيل نزلاء بويا عمر: هل هي معالجة جذرية لإشكالية الصحة النفسية بالمغرب أم محاولة لإخفاء العار؟ والرؤية الجديدة لإصلاح التعليم بالمغرب: تدابير وثائقية ورؤية تائهة وإستراتيجية هائمة، والتعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب: جهود مهدورة وإستراتيجية غائبة.