قبل أسابيع فحسب كان قائد الجيش الثاني التركي آدم حودوتي يتفقد القوات التركية على الحدود السورية وانهال الثناء عليه في وسائل الإعلام لدوره في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلين الأكراد.

أما الآن فيقبع حودوتي المسؤول السابق عن حماية الحدود مع سوريا والعراق في سجن دوزجه الواقع على مسافة 216 كيلومترا تقريبا إلى الشرق من إسطنبول ليصبح أرفع قيادات الجيش العاملة التي تم القبض عليها للاشتباه في تورطها في الانقلاب العسكري الفاشل.

ويواجه حودوتي الى جانب تدبير الانقلاب العسكري تهمة الأمر باغتيال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بطائرات أف 16.

وسقط 246 شخصا على الأقل قتلى وأصيب أكثر من 2000 بجروح ليلة 15 يوليو/تموز عندما استخدم فصيل من القوات المسلحة مقاتلات حربية وطائرات هليكوبتر ودبابات في محاولة للاستيلاء على مطارات وجسور وهاجم مباني من بينها البرلمان ومقر جهاز الاستخبارات سعيا للاستيلاء على السلطة.

وسرعان ما انهارت محاولة الانقلاب، لكنها كشفت عن انقسامات داخل ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي وأدت إلى تفاقم هذه الانقسامات لتثير بذلك تساؤلات حول قدرة الجيش على احتواء الخطر المتصاعد لتنظيم الدولة الاسلامية في سوريا وتجدد تمرد المسلحين الأكراد.

وقال آرون ستاين الباحث المقيم في اتلانتيك كاونسيل في واشنطن والذي تتركز أبحاثه على تركيا والأمن الاقليمي "الجيش التركي الآن قوة محطمة وسيستغرق سنوات لكي يبرأ مما أصابه."

وأضاف "المؤامرة تتجاوز فصيلا متمردا.. وبخلاف خسارة حودوتي فإن الجهاز الأمني بالكامل يواجه الآن خطرا آخر يتعين التركيز عليه بالإضافة إلى الدولة الاسلامية والتمرد المستمر في الجنوب الشرقي."

وحودوتي واحد من جنرالات الجيش التركي الذين تم اعتقالهم منذ المحاولة الانقلابية وعددهم نحو ثلث جنرالات الجيش البالغ مجموعهم نحو 360 جنرالا.

وقد وجهت اتهامات بالفعل لأكثر من 100 منهم تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة. كما بدأت السلطات عمليات تطهير واسعة لمؤسسات الدولة من الشرطة إلى القضاء إلى الجامعات والأجهزة المدنية.

وقد نفى حودوتي تورطه في المؤامرة. وفي شهادة من ثماني صفحات نشرتها صحيفة حريت ، قال إن من تآمروا لقلب نظام الحكم حاولوا إرغامه على الانضمام إليهم لكنه رفض وأمر رجاله بالبقاء في ثكناتهم.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2015 قالت صحيفة خبر ترك ، إن حودوتي "قائد محنك في الأمن الحدودي ومناطق الأزمات."

وأشادت صحيفة صباح اليومية المؤيدة للحكومة في مارس/آذار به باعتباره "القائد الذي طهر منطقتي الجزيرة وسور" في جنوب شرق البلاد اللتين شهدتا أعنف الاشتباكات مع المسلحين الأكراد.

وبغض النظر عمن أخطأ ومن لم يخطئ فقد هزّت محاولة الانقلاب وما تلاها من اعتقال آلاف الجنود، القوات المسلحة في بلد يعتبر فيه الجيش نفسه منذ أمد بعيد حامي حمى الديمقراطية العلمانية ولم يشهد انقلابا عسكريا عنيفا منذ أكثر من 30 عاما.

وقال جاريث جنكنز الكاتب المتخصص في شؤون الجيش التركي والمقيم في اسطنبول "ما شهدناه في الأيام القليلة الماضية هو بداية عملية سيكون لها أثر على تركيا وقواتها المسلحة في السنوات العشرين أو الثلاثين المقبلة. هو أمر جلل."

وأضاف "سنشهد الآن جيشا مسيسا إلى حد بعيد تماما مثلما أصبح جهاز الإدارة المدنية. فلقرارات العزل والاعتقالات أثر حتمي على سلسلة القيادة بالكامل.. وفقدان الثقة الحتمي له أثر كبير على قدرات إدارة العمليات."

وقال جيمس سترافريديس القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي إن تداعيات المحاولة الانقلابية سيكون لها أثر مثبط على مدى الاستعداد العسكري للجيش التركي.

وكتب في العدد الأخير من مجلة فورين بوليسي "سيحدث أثر سلبي قوي على قدرة الجيش التركي على أداء مهامه عبر مختلف أنشطة التحالف."

وأضاف "لسوء الحظ من المرجح أن يركز الجيش في أعقاب الانقلاب بشدة على الجدل الداخلي والتحقيقات التي لا نهاية لها وضوابط الولاء وببساطة على الاستمرار كمؤسسة."

"لم ينصت أحد"

وسلم الرئيس رجب طيب أردوغان الخميس بوجود إخفاقات على صعيد الاستخبارات وقال إنه سيتعين إعادة هيكلة القوات المسلحة بسرعة لضخ "دماء جديدة".

وسيجتمع المجلس العسكري الأعلى وهو أرفع هيئة مسؤولة عن التعيينات في القوات المسلحة تحت إشراف أردوغان يوم 28 يوليو/تموز ومن المرجح أن تحدث تغييرات كبيرة في القيادات.

وقال مسؤولون أتراك إن أكين أوزتورك قائد سلاح الجو حتى عام 2015 وعضو المجلس العسكري الأعلى كان أحد مدبري محاولة الانقلاب. كما كان الضابط المرافق لأردوغان من المعتقلين.

وما لا يقل عن ربع الجنرالات الذين تم اعتقالهم رسميا من سلاح الجو وهو فرع من الجيش له دور حيوي ليس فقط في مقاتلة مسلحي حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا فحسب بل في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على تنظيم الدولة الإسلامية.

وحمل أردوغان مسؤولية محاولة الانقلاب الانقلاب لرجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي كان حليفا له قبل أن يختلف الاثنان وله أتباع بالملايين أسسوا لأنفسهم نفوذا على مر السنين في الجيش والشرطة والقضاء وبعض أجهزة الدولة.

ويقول منتقدون لأروغان إن الرئيس نفسه وحزب العدالة والتنمية صاحب الجذور الإسلامية الذي أسسه (أردوغان) سمحا لأتباع كولن بتولي مناصب رئيسية داخل أجهزة الدولة للمساعدة في تقليص نفوذ الجيش الذي أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960 لأنها أبدت ما اعتبره تهديدا إسلاميا للنظام العلماني.

ويقول المنتقدون إن مدعين عموميين من أتباع كولن هم الذين أعدوا محاكمتين كبيرتين لمتآمرين استهدفتا القيادات العليا في الجيش في عام 2008 عندما نجا حزب العدالة والتنمية بأعجوبة من احتمال حظر نشاطه. ودخل مئات الضباط السجن.

واتضح في وقت لاحق وبعد إسقاط كثير من الاتهامات أن أدلة مزيفة استخدمت في القضيتين. وتم الإفراج عن المسجونين لكن عددا من كبار الضباط السابقين قالوا إن القضيتين أضعفتا القوات المسلحة وساعدتا أنصار كولن على ارتقاء المناصب.

وقال أحمد يافوز (61 عاما) وهو ضابط متقاعد برتبة ميجر جنرال سجن في إحدى القضيتين "كنا نعلم بوجود كيان تابع لكولن داخل الجيش. وكنت أعرف بعضهم بالاسم. لكنني أدرك الآن أن الوضع كان أخطر مما اعتقدت."

وقال "الحكومة ومن كانوا يديرون القوات المسلحة تجاهلوا تحذيراتنا. وقد دمروا التكوين الجيني للجيش وخلق ذلك مساحة لأنصار كولن يتحركون فيها داخل الجيش كيفما شاؤوا."

وينفي كولن البالغ من العمر 75 عاما والمقيم في ولاية بنسلفانيا منذ عام 1999 أي دور له في الانقلاب الفاشل.

وتطالب تركيا بتسليمه لها لكن الولايات المتحدة تقول إن عليها أولا أن تقدم أدلة دامغة على ارتكابه أفعالا يعاقب عليها القانون.

وترديدا لتصريحات يافوز قال محمد على جلبي الضابط السابق بالجيش والذي سجن في إحدى القضيتين إن ضباطا كثيرين يشعرون بالغضب لأن تحذيراتهم عن اشتداد قبضة أتباع كولن على الجيش قوبلت بالتجاهل.

وقال "لم ينصت أحد لنا. واتضح الآن أن من اتهمونا (في القضيتين) بالتآمر لقلب نظام الحكم كانوا هم أنفسهم المتآمرون الحقيقيون."

مخاوف أمنية

ومن المرجح أن يشهد تعديل الجهاز الأمني زيادة دور القوات الخاصة التابعة للشرطة التي أصبح لها وجود أوضح في قصر أردوغان الرئاسي في أنقرة وحوله.

وقال رئيس الوزراء بن علي يلدريم إنه تم إلغاء الحرس الرئاسي التابع للجيش وإن قوات الدرك وخفر السواحل ستخضع بالكاملة لسلطة وزارة الداخلية.

وقد شهدت تركيا هذا العام تفجيرات وقعت في أنقرة واسطنبول أكبر مدن تركيا بعضها قيل إن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤول عنه في حين أعلن مسلحون أكراد مسؤوليتهم عن البعض الآخر.

وأسفرت ثلاثة تفجيرات انتحارية وهجوم بإطلاق النار قيل أن تنظيم الدولة الاسلامية نفذها عن مقتل 45 شخصا وإصابة أكثر من 200 بجروح الشهر الماضي في المطار الدولي الرئيسي في اسطنبول.

وقال هاوارد إيسنستات الخبير في الشأن التركي بجامعة سانت لورانس في نيويورك "تركيا تواجه مخاوف أمنية كبيرة تتمثل في الصراع مع حزب العمال الكردستاني والدولة الإسلامية وغيرها من الجهاديين والآن خطر فلول الانقلاب نفسه."

وأضاف "الحكومة في الواقع ليس أمامها خيار سوى الاستمرار في عمليات التطهير الواسعة في صفوف الجيش فليس بوسعها أن تتحمل إمكانية بقاء من ليس أمامهم خيار آخر في صفوفه. وسيستغرق إعادة بناء هذه القوات بضعة أعوام غير أن إعادة بناء الهياكل والثقة سيستغرق وقتا أطول."

وقال مسؤولان تركيان كبيران إنه رغم أن الأولوية لتطهير الجهاز الأمني كله من متآمري الانقلاب فلا يوجد خطر على الأمن الوطني وإنه بدأ بالفعل تعيين بدلاء لمن تم القبض عليهم، غير أن مسؤولا ثالثا كان أكثر حذرا.

وقد أشار إلى أحد المباني التي قصفها الإنقلابيون خلال أحداث 15 يوليو/تموز وقال "مقر الشرطة ينقصه واجهته وخلفيته."