ردا على الزلزال الذي احدثته لندن رص الاتحاد الاوروبي صفوفه الجمعة لتفادي اي عدوى لقرار خروج بريطانيا وحض لندن على البدء بسرعة بعملية الانفصال التي ستتطلب جهدا ويتوقع ان تكون طويلة.

لكن الحفاظ على المشروع الاوروبي يمر عبر اجراء مراجعة حتمية كما اكدت اصوات عدة داخل الاتحاد بينها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي دعا الى "التركيز على الاساسيات".

وقال رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك في بروكسل باسم الدول الاعضاء "نحن اليوم مصممون على الحفاظ على وحدة اعضائنا السبعة والعشرين. انها لحظة تاريخية ولكنها بالطبع ليست لحظة لإبداء رد فعل هستيري".

لكن خيار البريطانيين شكل "ضربة لأوروبا، ضربة لعملية الاندماج والوحدة الاوروبية"، مثلما اقرت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل.

ولكن هل يعني هذا بداية زوال الاتحاد الاوروبي؟ على هذا السؤال الذي طرح في قاعة الصحافة في المفوضية اجاب رئيسها جان كلود يونكر اختصارا بقوله "لا" قبل ان ينصرف وسط تصفيق موظفيه، بعد ان قرأ بيانا مشتركا صيغ في ختام اجتماع قمة مع توسك ورئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولتز للتعبير عن رد فعل موحد.

وقال شولتز ان "العدوى التي يحتفل بها المشككون في البناء الاوروبي اليوم في كل مكان تقريبا لن تحدث بتاتا" معلنا عقد اجتماع موسع استثنائي للبرلمان الاوروبي الثلاثاء.

وسيصوت البرلمان خلال الجلسة على قرار يدعو كاميرون الى التفعيل الفوري للمادة 50 في معاهدة لشبونة بشأن مغادرة الاتحاد.

ولم يتأخر زعماء اليمين الاوروبي في استغلال قرار البريطانيين مثل رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لو بن والنائب الهولندي غيرت فيلدرز والايطالي ماتيو سالفيني بالدعوة الى استفتاءات في بلادهم.

مفاوضات فورية

وقال توسك ويونكر وشولتز في البيان المشترك "ننتظر الان من الحكومة البريطانية وضع قرار الشعب البريطاني موضع التطبيق في اقرب وقت ممكن".

وتريد بروكسل تفادي اطالة فترة عدم الاستقرار التي ستنجم عن المفاوضات حول "اتفاق انسحاب" بريطانيا بعد الاشارات المرسلة من لندن صباح الجمعة مع اعلان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون استقالته حتى يتيح لخليفته الذي سيختاره الحزب المحافظ بدء المفاوضات في الخريف.

ولكن المفاوضات "يجب ان تبدأ فورا" وفق زعيم كتلة اليمين في البرلمان الاوروبي مانفرد فيبر الذي عبر عن نفاد صبر بروكسل بقوله "نحتاج لصورة واضحة، علينا تفادي اي شكل من الارباك".

وستطرح المسألة خلال اول قمة اوروبية بعد قرار بريطانيا في 28 و29 يونيو/حزيران في بروكسل.

وقبل ذلك سيجتمع اعتبارا من السبت في برلين وزراء خارجية الدول الست المؤسسة وهي المانيا وبلجيكا وفرنسا وايطاليا ولوكسمبورغ وهولندا.

ودعت ميركل الى قمة مصغرة مع هولاند وماتيو رينزي يشارك فيها كذلك توسك الاثنين في برلين.

صفعة

وبانتظار ذلك، دعا كثيرون الى اخذ العبرة من تنكر البريطانيين لأوروبا.

وقال رئيس وزراء بلجيكا شارل ميشال ان اوروبا تلقت "صفعة" لكنه دعا الى عدم الانصياع "للهلع. علينا ان نبقى هادئين وان نجد سريعا الطريق لكي نعيد احياء المشروع الاوروبي".

وقال رئيس وزراء تشيكيا بويسلاف سوبوتكا ان الاتحاد "ليس مهددا على الاطلاق" لكن "عليه ان يتغير بسرعة مع المزيد من المرونة وقدر اقل من البيروقراطية" لان المشروع الاوروبي يحتاج "الى تأييد أكبر من المواطنين".

وقال وزير خارجية النمسا سيباستيان كورتز ان "التصويت بالخروج يمثل زلزالا سياسيا" معتبرا ان أوروبا "ستتجاوز الامر" من خلال "اصلاحات هيكلية كبيرة".

وكان الرئيس الفرنسي اكثر وضوحا بقوله ان "اوروبا لا يمكنها ان تتصرف كما في السابق" امام الخطر "الهائل المتمثل في المتطرفين والشعبويين" مشيرا الى ريبة المواطنين من التطفل والبيروقراطية.

وقال هولاند ان فرنسا "ستبادر من اجل التركيز على الاساسيات" وخص بالذكر الامن والاستثمار من اجل النمو والوظائف والانسجام المالي والاجتماعي وكذلك "تعزيز منطقة اليورو وحوكمتها الديمقراطية".

وخارج الاتحاد، توقعت تركيا على لسان نائب رئيس الوزراء نور الدين جنيكلي ان "مرحلة تفكك الاتحاد الاوروبي بدأت. بريطانيا العظمى هي السفينة الاولى التي رحلت".

الأحزاب الشعبوية تهلل للانفصال

وأعطى تأييد بريطانيا للانسحاب من الاتحاد الأوروبي في استفتاء زخما للأحزاب الشعبوية المشككة في الاتحاد الأوروبي عبر أنحاء القارة الجمعة لتتجدد دعواتها بالرحيل عن التكتل أو عن منطقة اليورو.

وطالبت أحزاب يمينية مناهضة للهجرة في هولندا والدنمرك والسويد وفرنسا بإجراء استفتاءات على عضوية الاتحاد الأوروبي بينما قالت حركة خمسة نجوم الإيطالية إنها ستضع مقترحا خاصا بها للتصويت على العضوية في منطقة اليورو.

وقال خيرت فيلدرز زعيم حزب الحرية الهولندي المناهض للهجرة إنه سيجعل من استفتاء هولندي على عضوية الاتحاد الأوروبي محورا لحملته كي يصبح رئيس الوزراء في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

وقال فيلدرز "أهنئ الشعب البريطاني على هزيمة النخبة السياسية في لندن وبروكسل وأعتقد أن بإمكاننا أن نفعل الشيء نفسه. ينبغي أن نجري استفتاء لخروج هولندا في أسرع وقت ممكن. لم يعد هناك مستقبل للاتحاد الأوروبي بعد الآن."

ودعا حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا أيضا إلى استفتاء فرنسي على عضوية الاتحاد الأوروبي وهلل لنتيجة الاستفتاء البريطاني التي يأمل أن تعزز أجندته المشككة في الاتحاد الأوروبي.

واحتفلت زعيمة الحزب مارين لوبان بالنتيجة بتغيير صورتها على تويتر إلى صورة العلم البريطاني.

وقالت لوبان "النصر للحرية! الآن نحن بحاجة لإجراء الاستفتاء ذاته في فرنسا وفي دول أخرى بالاتحاد الأوروبي".

وقالت لوبان في مايو/ايار إنها إذا فازت في الانتخابات الرئاسية المقبلة فستبدأ على الفور مفاوضات بشأن عدد من قضايا السيادة بما في ذلك العملة الموحدة. وإذا فشلت هذه المفاوضات فستطلب من الناخبين أن يصوتوا للانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

ولوبان هي المرشحة الأوفر حظا بين المرشحين المرجحين قبل الانتخابات رغم أن استطلاعات الرأي تتوقع هزيمتها في جولة إعادة.

وقال محللون وعدد من مسؤولي الحزب وحلفائه إن سياساته التي تقوم على تقييد التجارة بين الدول ومعاداة اليورو هي من أسباب تأخر الحزب في الماضي.

لكن فريدريدك دابي المحلل بمؤسسة أيفوب للاستطلاعات قال إن التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يساعده في التغلب على ذلك.

حان دورنا

ودعا حزب الشعب الدنمركي الشعبوي المناهض للهجرة والمتحالف مع الحكومة التي تميل لليمين أيضا لإجراء استفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي.

قال زعيم الحزب كريستيان ثولسن دال "أعتقد أنه ينبغي أن يجري الدنمركيون استفتاء بشأن إن كانوا يريدون السير على خطى بريطانيا أو إبقاء الأمور على ما هي عليه الآن."

والحزب ليس عضوا في الحكومة، لكنه واحد من ثلاثة أحزاب تدعم حكومة الحزب الواحد. وكرر زعيم تحالف الحمر والخضر اليساري هذه الدعوة.

ورفض رئيس الوزراء لارس لوك راسموسن هذه الدعوات لكنه أقر بأن التصويت البريطاني أثار احتمال "اتحاد أوروبي أصغر حجما".

وفي السويد قال حزب الديمقراطيين السويديين المناهض للهجرة الذي يتمتع بدعم نحو 17 بالمئة من الناخبين وفقا لاستطلاع رأي أجري الشهر الماضي إنه سيزيد الضغط من أجل التغيير.

وقال زعيم الحزب جيمي أكيسون "نطالب بأن تبدأ السويد على الفور إعادة التفاوض على صفقات الاتحاد الأوروبي التي أبرمناها وأن يكون للشعب السويدي كلمة بشأن مستقبل العضوية في الاتحاد الأوروبي ضمن استفتاء."

ودعا حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا لاستقالة رئيسي المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي بعد تصويت بريطانيا وقال إنه قد يدعو أيضا لاستفتاء ما لم يجر إصلاح الاتحاد.

ووصفت حركة خمسة نجوم ثاني أكثر حزب يتمتع بشعبية في إيطاليا النتيجة بأنها درس في الديمقراطية ووعد بالسعي لطرح مقترحه الخاص لاستفتاء إيطالي على اليورو.

ويريد الحزب الذي يعتبر منافسا جديا للحكومة في الانتخابات العامة المقبلة من إيطاليا أن تجري استفتاء غير ملزم بشأن إن كانت ستبقى في منطقة اليورو.

وتحدث حزب الرابطة الشمالية اليميني وهو عضو في المعارضة التي تنتمي لتيار يمين الوسط بشكل أكثر صراحة. وقال ماتيو سالفاني زعيم الحزب "شكرا لبريطانيا العظمي. الخطوة المقبلة هي دورنا."