الآن وبعد أن حققت هيلاري كلينتون ما لم تحققه من قبل أي امرأة أميركية، وأصبحت أول امرأة في تاريخ الولايات تمثل حزباً كبيراً في انتخابات الرئاسة، تجد نفسها أمام تحديات عديدة، تبدأ بكيفية إعادة توحيد الحزب الديمقراطي والتوصل إلى صيغة تعاون مع منافسها السابق السيناتور بيرني ساندرز، وتنتهي بوضع تصور واضح لهزيمة منافسها الجمهوري دونالد ترامب في الخريف. المفارقة هي أن شخصية كلينتون ونزاهتها ستكون محورية لجذب أنصار ساندرز إلى حملتها، وكذلك محورية في المعركة ضد ترامب، لأنه كما فعل مساء الثلاثاء لن يطرح البدائل السياسية الجذابة ضد طروحات الديمقراطيين، بل سيحول الانتخابات العامة إلى استفتاء حول نزاهة كلينتون (وزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون)، وسوف يفعل ذلك، كما رأينا في معركة الانتخابات التمهيدية بشراسة لا ترحم.

محاولات الرئيس أوباما وقادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس إقناع ساندرز بتعليق حملته، وإعلان تأييده لترشيح كلينتون، قد تنجح ولكن ليس بالضرورة بالسرعة التي ترغبها كلينتون. وسوف يكون لتنازل ساندرز ثمن سياسي كبير، خاصة إذا كان المطلوب منه إقناع أنصاره بدعم ترشيح كلينتون. وليس سراً أن ثلث مؤيدي ساندرز أكدوا في استطلاعات الرأي أنهم لن يصوتوا لكلينتون إذا كانت مرشحة الحزب الديمقراطي. الاعتراض الأساسي لأنصار ساندرز من الشباب والشابات على كلينتون هو أن شخصيتها كانت ولا تزال لسنوات عديدة مثيرة لجدل بشع، بسبب الشكوك العميقة بنزاهتها وصدقيتها، خلال حياتها السياسية التي تمتد لربع قرن. استطلاعات الرأي أظهرت أن الانطباعات السلبية للأميركيين عن كلينتون وترامب هي الأعلى مقارنة مع المرشحين السابقين للحزبين. التحقيقات التي أجرتها وزارة الخارجية وانتقدت فيها هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية بسبب استخدامها لجهاز يتحكم برسائلها الإلكترونية خارج إطار وإشراف الوزارة ودون علم الرئيس أوباما، عمق من هذه المشاعر السلبية. ولا يزال مكتب التحقيقات الفيدرالي (الإف بي آي) يحقق في هذه المسألة، ومن المتوقع أن يكون تقريره سلبياً للغاية تجاه كلينتون ومساعديها.

ويتبين من الهجمات الشرسة التي يشنها ترامب ضد كلينتون وتتسم بالأبعاد الشخصية والتلميحات بأنها انتهكت القوانين خلال وجودها في وزارة الخارجية، ومارست الفساد لخدمة مصالحها ومصالح زوجها المالية، أن حملة ترامب سوف تلجأ إلى سياسة الأرض المحروقة في التعامل مع كلينتون، التي يتهمها بالكذب والتضليل والفساد. وأي مقارنة بين كلينتون وترامب لجهة إلمام كل منهما بقضايا وتعقيدات المسائل الملحة والتحديات الداخلية والخارجية التي سيواجهها الرئيس الجديد، تبين أن كلينتون مطلعة عليها وقادرة بسهولة على مناقشتها في المناظرات التي ستجري بين المرشحين قبل الانتخابات. ولهذا السبب سوف يركز ترامب على ما يعتبره "كعب أخيل" هيلاري كلينتون، أي شخصيتها، وسمعتها السلبية للغاية في أوساط الناخبين الجمهوريين والمستقلين، ولدى أكثرية من الشباب والشابات، كما أظهرت معركة الانتخابات التمهيدية.

ولكن هذه الصورة السلبية لا تعني بالضرورة أن كلينتون غير قادرة على تعديلها. وإذا قررت هي وقيادات الحزب الديمقراطي اعتماد بعض مقترحات ساندرز لجعل عملية اختيار مرشح الحزب الديمقراطي أكثر ديمقراطية وشفافية فإن ذلك سيساهم في إقناع أنصار ساندرز بأنها بالفعل جادة بالاستفادة من مقترحات ساندرز كما تقول الآن. وإذا وافقت على الكشف عن مضمون الخطابات المغلقة التي ألقتها أمام المؤسسات المالية الكبيرة في منطقة الأسواق المالية في نيويورك لقاء مبالغ مالية كبيرة، كما طالبها ساندرز، فإن ذلك سيساهم في تعديل صورتها، خاصة إذا لم تتضمن هذه الخطابات قضايا محرجة لكلينتون.

أما بالنسبة لترامب، فإنه بدلاً من استغلال الشهر الكامل الذي عقب هزيمته لآخر منافسيه الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية، للعمل على توحيد الحزب وبناء ماكينة انتخابية فعالة والتصرف بمسؤولية، فإنه واصل التصرف بارتجالية محرجة وأحياناً بتهور كبير عرضه لاتهامات من بعض قيادات حزبه بالعنصرية. وكانت الحملة الشرسة التي قادها ترامب ضد القاضي الذي يشرف على الدعوى المرفوعة ضد ما يسمى "جامعة ترامب" للدروس العقارية بتهم الفساد والتضليل، نافرة للغاية، وربما ألحقت به ضرراً قد لا يستطيع تخطيه. وكان ترامب الذي اعترض على قرارات القاضي المولود في ولاية إنديانا لمجرد أنه من أبوين مكسيكيين، وبالتالي فإن إجراءاته ضد ترامب يجب أن تفسر على أنها نابعة من إرثه الوطني كما يدعي ترامب الذي وصف القاضي خطأ بأنه "مكسيكي". هذه الحملة كلفته خسارة تأييد بعض قيادات الكونغرس، وألبت ضده المعلقين والمحللين والناشطين الجمهوريين وليس فقط المستقلين. قليلون الذين يتوقعون أن يتغير ترامب البالغ من العمر 69 سنة، وأن يبدأ بالتصرف بطريقة مختلفة للغاية.

كل هذا يعني أن السجال الانتخابي بين الديمقراطية كلينتون، والجمهوري ترامب، بدلاً من أن يتمحور حول القضايا السياسية والاقتتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة، فإنه من المرجح أن يتدهور إلى شجار نافر يتمحور حول المزايا الشخصية والأخلاقية السلبية لكل مرشح.


هشام ملحم