أصدر المجلس الدستوري قراره بخصوص القانون التنظيمي الخاص بالنظام الأساسي للقضاة الذي أعدته وزارة العدل والحريات خارج إطار التشارك الذي ينص عليه الدستور . والغاية التي حكمت هذا النظام ترمي إلى التحكم في الجهاز القضائي وترهيب القضاة حتى يتراجعوا عن مطلب استقلال القضاء ويبلعوا ألسنتهم عن انتقاد مخطط الوزير الرميد وبيان مصادمته لنص الدستور . ورغم الانتقادات التي وجهها الفاعلون في مجال القضاء ( هيئات المحامين ، نادي القضاة ، الهيئات الحقوقية ) إلى القانون التنظيمي إياه ، فإن وزير العدل والحريات ظل مصرا على مواقفه ، ومنها عزل القاضي الهيني الذي أبدى ملاحظاته حول القانون التنظيمي وبيّن بالتفصيل المواد المناقضة للدستور .

بعد هذا التوتر الذي شهدته ساحة القضاء ، أصدر المجلس الدستور ،باعتباره مؤسسة دستورية تقوم بمهمة مراقبة مدى مطابقة القوانين للدستور، قرارا تاريخيا يعيد الاعتبار للمؤسسات الدستورية ويضمن الحماية القانونية والدستورية للقضاة ضد الشطط أو الترهيب أو الاستبداد أو الابتزاز . وكانت المادة 97 هي التي فجرت الصراع بين القضاة ووزير العدل والحريات الذي استند إليها في محاكمة القاضي الهيني تمهيدا لقرار العزل .

فالمجلس الدستوري كان واضحا ودقيقا في ملاحظاته بشأن هذه المادة ومواد أخرى من القانون التنظيمي ؛ومن الحيثيات التي استند إليها في قراره (وحيث إن إدلاء القاضي بتصريح يكتسي صبغة سياسية، إن كان قد يستوجب اتخاذ إجراءات تأديبية في حقه، إذا كان هذا التصريح، في مضمونه ومداه، لا يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية الذي فرضه الدستور على القاضي بموجب الفقرة الأولى من فصله 111، فإن هذه المخالفة، بالنظر لعمومية العبارات التي صيغت بها، ليست من الأسباب التي تستدعي التوقيف الفوري للقاضي، مما يجعل اعتبار "أو الإدلاء بتصريح يكتسي صبغة سياسية" موجبا لتوقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه، غير مطابق للدستور) . بناء على قرار المجلس الدستوري ، يكون الأساس الذي استند إليه قرار عزل القاضي الهيني، أساس غير دستوري، أي أساس باطل ؛ومن ثم فما بُني على باطل فهو باطل . فطالما المادة 97 غير دستورية ، فإن عزل القاضي وفقا لمقتضاها هو بالنتيجة والتبعية غير دستوري . الأمر الذي يستوجب التالي:

1 ــ تنفيذ قرار المجلس الدستوري بحذف كل ما هو مخالف للدستور في القانون التنظيمي ، وفي مقدمته ، العبارة الفضفاضة "أو الإدلاء بتصريح يكتسي صبغة سياسية" التي هي بمثابة القانون المشئوم "كل ما من شأنه"الذي شرعن الترهيب والتحكم والاستبداد والانتقام من الضمائر الحية والإرادات الحرة.

2 ــ إلغاء قرار العزل في حق القاضي الهيني بعد أن انتفى الأساس القانوني للتهمة التي وُجهت له ، ولا يمكن محاكمة أي شخص إلا بنص قانوني .

3 ــ إعادة الاعتبار للقاضي الهيني بتقديم اعتذار رسمي له وجبر الضرر النفسي والمادي الذي لحقه.

4 ــ ضرورة إشراك كل الأطراف المعنية من أجل وضع قانون تنظيمي يحظى بالمصداقية والتوافق ويضمن الاستقلالية والحماية للقضاة .

5 ــ إلزامية اعتماد قاعدة التشارك في وضع كل مشاريع القوانين خاصة القانون الجنائي ، قانون العنف ضد النساء ، وقانون الإجهاض .

إن مسئولية الحكومة السياسية والدستورية تفرض عليها أن ترقى بممارستها وتلتقط هذه الفرصة لتثبت أن فصل السلط واستقلالية القضاء وبناء دولة المؤسسات خيار إستراتيجي أجمعت عليه كل فئات المجتمع المغربي وقواه الحية . وأي إصرار على تعطيل الدستور وخرق بنوده إنما هو انقلاب على الشرعية الدستورية ودفع البلاد إلى الهاوية ؛ إذ لا يمكن بناء الديمقراطية إلا بالخضوع للدستور واحترام مقتضياته وضمان الفصل بين السلط وسيادة القانون. للأسف الشديد ، الحكومة لا تؤسس لاحترام الدستور بقدر ما تؤسس لخرقه ومناقضته بسلسلة من القرارات ومشاريع القوانين التي تضر بسمعة المغرب وتمس بالتزاماته الدولية في مجال احترام حقوق الإنسان.


سعيد الكحل