تبحث الولايات المتحدة الأميركية عن وقف إطلاق نار دائم في سوريا "لا غالب ولا مغلوب فيه" ويجبر جميع أطرافه على الالتزام به، ويفرز في النهاية وضعا مشابها للوضع الذي انتهت اليه الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينات القرن العشرين قبل الوصول الى حلّ نهائي لها بموجب اتفاق الطائف في اكتوبر/تشرين الأول 1990.

وتنبني وجهة النظر الاميركية على "إيجاد خطوط تماس في سوريا تحاكي خطوط التماس اللبنانية في ثمانينات القرن العشرين والتي بقيت لسنوات عديدة تتخللها مناوشات وحروب صغيرة على خطوطها وداخل هذه الخطوط المرسومة".

وقالت مصادر أميركية إن وزير الخارجية جون كيري أبلغ نظيره الروسي سيرغي لافروف بصراحة، رغبة واشنطن في "وقف الحرب في سوريا وايجاد وضع تبقى فيه الأمور كما هي على جميع الجبهات التي تفصل الجيش السوري وحلفائه عن المعارضة وحلفائها، الى حين نضوج الحلّ السياسي الذي تقبل به الأطراف الرئيسية المعنية بالحرب الدائرة على أرض سورية".

وتسعى واشنطن لأن تنصبّ جهود جميع الفرقاء السوريين لاحقا على محاولة محاصرة تنظيم الدولة الإسلامية وإضعافه، لإبقائه ضمن مساحة جغرافية محدّدة لا يستطيع من خلالها تشكيل خطر على محيطه.

وقتل 148 شخصا على الأقل في تفجيرات متزامنة وغير مسبوقة تبناها تنظيم الدولة الاسلامية واستهدفت مدينتين ساحليتين من اهم معاقل النظام في سوريا، بقيتا لفترة طويلة بمنأى عن النزاع الدائر في البلاد.

وضربت صباح الاثنين سبعة تفجيرات متزامنة، هي الاعنف في هذه المنطقة الساحلية منذ الثمانينات، مدينة جبلة في جنوب اللاذقية ومدينة طرطوس، مركز محافظة طرطوس وسرعان ما ارتفعت الحصيلة من 120 الى 148 قتيلا.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان "ثلاثة تفجيرات في طرطوس اسفرت عن مقتل 48 شخصا و100 آخرين في اربعة تفجيرات استهدفت جبلة"، فضلا عن اصابة العشرات بجروح.

وكان المرصد افاد في وقت سابق عن مقتل 73 شخصا في جبلة.

وتبنى تنظيم الدولة الاسلامية الاعتداءات. واوردت وكالة "اعماق" الاخبارية التابعة له ان "هجمات لمقاتلين من الدولة الاسلامية تضرب تجمعات للعلوية في مدينتي طرطوس وجبلة على الساحل السوري".

وبقيت محافظتا اللاذقية وطرطوس الساحليتان، وذات الغالبية العلوية، بمنأى عن النزاع الدامي الذي تشهده البلاد منذ منتصف آذار/مارس 2011، وتسبب بمقتل اكثر من 270 الف شخص.

ويقتصر وجود الفصائل المقاتلة والاسلامية في اللاذقية على ريفها الشمالي.

ولا تواجد معلن لتنظيم الدولة الاسلامية في المحافظتين، واذا صح تبنيه للتفجيرات، فانها تكون بمثابة رسالة بان التنظيم المتطرف لا يزال ناشطا وبقوة وبرغم الهزائم التي مني بها في محافظات اخرى.

ووصف عبد الرحمن التفجيرات بـ"غير المسبوقة" في كل من جبلة وطرطوس "حتى ان المدينتين لم تشهدا انفجارات بهذا الشكل منذ الثمانينات".

وقالت وزارة الخارجية الروسية الاثنين إن لافروف بحث مع كيري هاتفيا مقترحات موسكو للقيام بعمليات مشتركة ضد المسلحين الذين لا يلتزمون بوقف إطلاق النار في سوريا.

واقترحت روسيا الأسبوع الماضي على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة شن ضربات جوية مشتركة على جماعات من المعارضة السورية المسلحة منها جبهة النصرة الإسلامية المتشددة.

وردت واشنطن بفتور على المقترحات. وقالت المصادر الأميركية إن الولايات المتحدة تكرر في كل مرة نصيحتها لروسيا بأن لا تغرق في الوحل السوري كما غرقت هي سابقا في الوحل العراقي، لأن واشنطن لن تسمح بخسارة المسلّحين التابعين للمعارضة، ولأن الدول الداعمة لهذه المعارضة مستعدة لإرسال سلاح ومال وفرق عسكرية - كما تفعل روسيا وحلفاؤها (ايران وحزب الله والعراقيون من الحشد الشعبي) - اذا شعرت بأن حلفاءها سيخسرون الحرب والمناطق الأساسية المسيطَر عليها.

ولا تستبعد واشنطن ضمن مخططها أن تحصل معركة هنا أو أخرى هناك وأن يتدهور الوضع العسكري من حين الى آخر وأن يحاول فريق من الفرقاء السوريين تسجيل النقاط على الفريق الآخر، إلى أن يؤمن الجميع بضرورة إنهاء الحرب في النهاية. على أن واشنطن تحسب ان الحل السياسي إذا ما حصل فإنه لن يخرج بموجبه منتصر ولن يكون هناك غالب، بل "حلّ لا يرضي أحدا ولا يستفز أحدا في الوقت نفسه".

ويقول محللون إن الضغط الأميركي يكفي ليوقف الدعم الاقليمي للمعارضة، وكذلك فإن الضغط الروسي يؤمن التزام شق النظام وحلفائه بالتفاهم الروسي - الاميركي لأشهر عدة او لسنوات طويلة.

لا تنسيق لهجمات مشتركة مع موسكو

وقالت الولايات المتحدة إنها لم تناقش شن غارات جوية مشتركة مع روسيا الاثنين ودعتها للضغط على حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لوقف الغارات الجوية على قوات المعارضة في حلب وضواحي دمشق.

وقال مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية "لا نبحث القيام بعمليات مشتركة. نناقش معهم مقترحات لوضع آليات دائمة لتحسين عمليات المراقبة وتطبيق اتفاق وقف الأعمال القتالية.. لا نتحدث معهم عن عمليات مشتركة."

وأضاف تونر أن الولايات المتحدة قلقة من زيادة العنف في سوريا سواء من جانب تنظيم الدولة الإسلامية أو قوات الأسد. وقالت إن على روسيا مسؤولية خاصة للضغط على الرئيس السوري لوقف الهجمات والغارات التي تقتل مدنيين.

وقال تونر إن على حكومة الأسد أن تدرك أننا "إذا استمر هذا التصعيد فربما نكون أمام انهيار لاتفاق وقف الأعمال القتالية."

وقالت الخارجية الأميركية إن واشنطن طالبت نظام الأسد بالتوقف فورا عن تصعيد الهجمات في حلب وداريا وعن حصار المدن وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية.

وقال بيان للوزارة "الوزير جون كيري عبر عن هذه المخاوف خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في وقت سابق اليوم وحثه على الضغط على النظام للتوقف فورا عن شن غارات جوية على قوات المعارضة والمدنيين الأبرياء في حلب وضواحي دمشق."

وأعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عن تفجيرات حصدت أرواح نحو 150 شخصا وأصابت مئتين على الأقل الاثنين في جبلة وطرطوس التي تسيطر عليها الحكومة.