وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة ملكية إلى المشاركين في أشغال القمة العالمية الأولى للعمل الإنساني المنعقدة يومي 23 و24 ماي الجاري في اسطنبول.


وفي ما يلي نص الرسالة الملكية :


” الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول لله وآله وصحبه،

فخامة السيد رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية،

معالي السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة،

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو


حضرات السيدات والسادة،


يطيب لنا في البداية أن نتقدم بالشكر الجزيل لفخامة السيد رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية الشقيقة، على استضافة بلده لمؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني الأول، منوهين بما بذلته المنظمة الأممية والمنظمات الجهوية، وكذا الدول التي احتضنت المشاورات واللقاءات التحضيرية الممهدة لهذه القمة، من أجل إنجاح أشغالها.


إن لقاءنا اليوم، ينعقد في ظرفية حساسة، تتسم بارتفاع مهول لعدد اللاجئين والنازحين في العالم، وتوالي موجات غير مسبوقة من الفارين من ويلات الحروب، أو من الأخطار الناتجة عن الكوارث الطبيعية والآثار السلبية لتغير المناخ، وكذا من الأوضاع الاقتصادية المزرية لبلدانهم.


ولمواجهة ما ينجم عن ذلك من معاناة ومآسي، فإن الاهتمام ينبغي أن ينصبَّ اليوم على كل ما هو عملي، باعتماد مقاربة عقلانية، واستلهام اقتراحات استباقية واستشرافية، كفيلة بتطوير العمل الإنساني، بعيدا عن أي استغلال سياسي له.

 

حضرات السيدات والسادة،


لقد حرصنا منذ اعتلائنا عرش المملكة المغربية على أن يشكل العمل الإنساني النبيل ركيزة أساسية وهيكلية للسياسة الخارجية للمملكة. وفي هذا الإطار، نسجل بكل اعتزاز، مساهمة المغرب الفعلية في التخفيف من حدة الأزمات الإنسانية، حيثما كانت وخصوصا بدول الجنوب.


كما كان المغرب دائما سباقا، كلما دعت الضرورة إلى ذلك، لتوفير المساعدات الإنسانية الأولية للمتضررين من الكوارث الطبيعية أو النزاعات المسلحة، بتوفير المواد الغذائية والأدوية والخيام والمستشفيات الميدانية متعددة الاختصاص، سواء في فلسطين، أو في تونس والمملكة الأردنية الهاشمية للتخفيف من معاناة أشقائنا السوريين والليبيين.


وبموازاة مع هذه العمليات الميدانية، تم اعتماد نهج الوساطة وتبني الحوار والتعاون، إلى جانب المشاركة الفعلية في كثير من عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام.


وعلى هامش مؤتمرنا هذا، فقد أقامت المملكة المغربية معرضا يبرز مساهمتها في العمل الإنساني والمهام الجليلة المرتبطة به؛ خاصة تلك التي تقوم بها التجريدات العسكرية المغربية.


غير أن إسهام المملكة في مجال العمل الإنساني لا ينحصر فقط في المساعدات العاجلة ؛ بل إنه يندرج في منظور شمولي، يروم التخفيف من معاناة الفئات المستضعفة، من خلال مشاريع للتنمية المستدامة، خاصة بدول إفريقيا جنوب الصحراء.


ويتجلى ذلك، على الخصوص، في عمليات مختلفة، تنجز في إطار برامج تضامنية للتعاون جنوب جنوب، تشمل خصوصا تبادل الخبرات والتقنيات، وعمليات حفر الآبار وتوفير الأسمدة المناسبة لصغار الفلاحين وإنشاء مستوصفات قروية. كما تضم إطلاق حملات التلقيح والعلاج الطبي، خاصة في كل من مالي والنيجر وغينيا والغابون والكونغو والسنغال وغينيا بيساو.


وبخصوص التصدي للكوارث الطبيعية وتغير المناخ، أود تأكيد انخراط المغرب التام في “خطة التنمية المستدامة لعام 2030″، واتفاق باريس بشأن التغيرات المناخية.


كما أجدد التأكيد على حرص المملكة المغربية، بمناسبة استضافتها للدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغييرات المناخية، COP22 بمراكش، في شهر نونبر المقبل، للتوصل إلى التزام دولي أقوى للتعامل مع آثار تغير المناخ، في إفريقيا، لاسيما في منطقة الساحل والصحراء.

 

حضرات السيدات والسادة،


إن التعاطي مع أزمات اللاجئين عبر العالم، يجب ألا يعرضهم للاستغلال، أو الحرمان من أبسط الحقوق، بما في ذلك حقهم في التسجيل والإحصاء، باعتباره إجراءً جوهريا ينص عليه القانون الدولي الإنساني، لضمان حمايتهم الدولية وتقييم حاجياتهم، وضمان الطابع المدني للمخيمات التي تأويهم.


لذا، ندعو إلى إضفاء المزيد من الفعالية والشفافية على العمل الإنساني، وتكريس المساءلة بشأنه، وضبط آليات مراقبته وتقييمه، كل ذلك من أجل ضمان استفادة اللاجئين أنفسهم، دون غيرهم، من المساعدات الإنسانية، وعدم تحويلها أو استغلالها في ممارسات تسيء للعمل الإنساني.


كما يتعين ضمان الوصول الآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية، وفقا للمبادئ الراسخة في هذا المجال، المبنية على الحياد والنزاهة والاستقلالية، وتوفير الحماية للجهات الإنسانية الفاعلة، بما فيها الأطقم الطبية ؛ تعزيزا لآليات العمل الإنساني الخلاق.


وفقنا الله لما فيه خير الإنسانية جمعاء.


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”