عندما تهتزُّ الأرضُ تحتَ أقْدامِنا، تُوجّهُ إلينا رسالة..

رسالة تُفيدُ أن التّضامُن واجبٌ وطني.. وأن البِنْيةَ التّحتيّة ما زالتْ مغشُوشة.. وأنّه يجبُ تحريكُ العدالة لإحضارِ الغشّاشين، والمتلاعبين بالصّفقاتِ العمومية، والمرْتَشِين الكبار، إلى «سيادةِ القانُون»..

من هُنا نبدأ..

وعلينا واجباتٌ أخرى، لتجنيبِ بَلدِنا أيَّ تلاعُبٍ بالأموالِ العُمومية..

والأرضُ تقولُ لنا: التّضامُنُ يعني أيضا زوايا اجتماعيةً أخرى، منها حالاتٌ نفسيّةٌ تحتاجُ للعلاج..

وتقولُ أيضا: اللاّمسؤوليةُ ليست هي المسؤولية!

ــ والإداراتُ ليست ملْكًا خُصُوصيًّا..

وتقولُ الأرض: بلادُنا مُقبِلةٌ على تغييرٍ جذري، في تعامُلِ الإداراتِ مع المواطن..

هذا ما نتصوّر.. فلا خيارَ لبلدِنا إلاّ هذا..

ولا خيارَ إلاّ التّعامُلِ إيجابيًّا مع أنواعٍ أخرى من الهزّاتِ والارتداداتِ الحاصلةِ هُنا وهُناك، اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا..

ــ ومن لا يتغيّر، لا يُمكنُ أن يتطوّر..

التّغييرُ ضرورةٌ من حيث السلوكُ الخاصُّ والعامّ، والتواصُلُ بين مُكوّناتِ البلد، ومعَ مُحيطِنا الوطني، وفي علاقاتِنا الدولية، بل حتى في علاقاتِنا مع الفضاءِ الكوني..

نحنُ جزءٌ من الكون..

وجزءٌ من أُسرةِ كوكب الأرض..

ولا حياةَ لنا بدُون الآخر.. مهما كان هذا الآخر..

الآخرُ حاضرٌ معنا، بالعلاقات الإنسانية، والشّرَاكات، وغيرِها..

وهذا يعني قَبُولَه، كما هو..

والتعامُلَ معه، كما هو..

وتطويرَ هذه العلاقاتِ إلى ما يُفيدُ الجميع..

البَشرُ مُتنوّعُ الفئات.. والتّنوُّعُ ليس عيْبًا.. إنه كنز.. ثروة..

التّنوُّعُ رُؤيةٌ للحياةِ المشترَكة من زوايا أخرى.. وهو استفادةٌ من رُؤيةِ الآخر إلى أيةِ إشكاليةٍ مطرُوحة..

انتهَى وَهْمُ العيْشِ الـمُفْرَد..

انتهى نظريًّا، ويجبُ أن ينتهي سلُوكيًّا، إذا أردنا أن نعيشَ بسلامٍ مع أنفُسِنا ومع الآخر، في كوكبِنا المشترَك..

قال زعيمُ اللاّعُنف، مارتن لوثر كنغ: «علينا أن نتَعلّمَ كيف نعيشُ سويّةً كالإخْوَة، أو نَهْلِكَ معاً كالحَمْقَى»..

وهذا ينطبقُ علينا..

وبلدُنا لا يقبلُ حياةً هابِطة..

وهذا دورُنا جميعًا.. جميعًا..

كلُّنا معنيّون بهذا الواجبِ الوطني.. واجبِ التّعامُلِ الإيجابي بين مُكوّناتِ المجتمع، وبين السُّلطاتِ والمجتمع..

علينا أن نُساهِمَ جميعًا في بناءِ الثّقةِ الاجتماعية مع الإدارات.. وهذا واجبٌ مشترَك..

لا مكانَ للطّغيانِ الإداري.. وهذا ما على إداريّينا أن يَسْتوْعِبُوه..

الإداراتُ ليستْ مفتُوحةً للعبَث.. الإداراتُ في خدمةِ المواطن.. والمواطنُ خاضعٌ للقانُون..

والبرلمانُ لا يجُوزُ أن يكُونَ صوريّا..

الديمقراطية يجبُ أن تكُونَ حقيقيّة..

ويَبْقَى أن نستوعبَ كلَّ هذا سلُوكيًّا، على أرضِ الواقع..

إنها الأرضيةُ الصّلبةُ القادرةُ على بناءِ الثّقة بين السُّلطةِ والمواطن..

أرضيةٌ لحمايةِ بلدِنا من أيةِ شُكُوك، وأيةِ هزّاتٍ قد تتطوّرُ إلى زلزال..

الزلازيلُ لا تُفرّقُ بين الناس..

وكلُّ الناس مسؤولُون عن حمايةِ التوازُناتِ السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية..

ومسؤولون عن عَدالةِ هذه التّوازُنات..

وعلينا واجبُ حمايةِ بلدِنا من أيّ مكرُوه..

إنّنا لا نُشكّلُ استثناءًا في العالم..

بلدُنا ليس استثناءًا..

نحنُ أيضا فاعلُون، فعّالُون: إيجابيًّا، عندما نكُون إيجابيين..

الحصادُ يأتي حُلوًا أو مُرًّا، حَسبَ ما نحنُ في بلدِنا زارعُون..

وكلُّ هزّةٍ مهما كانتْ محدُودة، يمكنُ أن تمتدّ إلى الجميع..

هي كالنارِ في الهشيم..

وهزّاتُنا الاجتماعية يمكنُ أن نُحوّلَها إلى انتصارٍ لبَلدِنا.. من القاعدة إلى القمّة..

هزّاتُنا يُمكنُ أن تحمي بلدَنا من أيّ مكرُوه..

الهزّاتُ فيها إيجابيات..

وعلى الإيجابيّاتِ يجبُ أن نُركّز، لحماية بَلدِنا، وتطويرِ مُؤهلاتِ بلدِنا..

ولنا في بلدِنا كلُّ خير..

في بلدِنا طاقاتٌ جبّارةٌ يمكنُ استثمارُها لما فيه مصلحةُ الجميع..

والحكومةُ التي لا تقُومُ بواجِبها، يمكنُ تنحيّتُها، بقُوّةِ القانون..

المواطنُ قادرٌ على تغييرِ الحُكومات، وإصلاحِ الإدارات، وتطويرِ الأحوالِ إلى أحسن..

نحنُ جميعًا قادرُون على وضعِ يدٍ في يد.. والسّيرِ معًا، قُدُمًا إلى الأمام، كي نُفيدَ أنفُسَنا، ونُفيدَ غَيْرَنا..

عندنا رصيدٌ على كلِّ المستويات..

ينقصُنا حُسْنُ التدبير، وهذا نستطيعُ تحقيقَه بأسلُوبٍ ديمقراطي مُتحضّر..

الأحزابُ التي لا تُناسِبُنا نستطيعُ تفْكيكَها بإنشاءِ أحزابٍ أخرى لائقة، مُؤهّلةٍ لخدمةِ البلد..

الأحزابُ الرّديئةُ ليست علينا قَدَرًا محتُوما..

نستطيعُ تغْييرَها، بقُوةِ الانتخابات..

وكلُّ مُوظّفٍ لا يقُومُ بواجِبه، نستطيعُ تقديمَهُ إلى العدالة..

وهذه العقليةُ الحضاريةُ الوطنيةُ تنمُو في شوارِعنا، وفي قلُوب مُجتمعِنا..

مُجتمعُنا مُتحضّر..

يمارسُ حقَّ الخُروجِ إلى شوارعِ الاحتجاجات، بأسلوبٍ مُسالِم..

وهذا مَكْسبٌ آخرُ لبلَدِنا، من حيث الاستقرارُ البنّاء، والعلاقاتُ الداخلية، ومع العالم..

وإنّنا جُزءٌ من العالم..

والعالَمُ لا يخلُو من هزّاتٍ سياسيةٍ واقتصادية واجتماعية، وفي إطار موازينِ القوى، وتبادُلِ الخبرات، والتعاوُنِ والتآزُر..

ومصيرُنا العالمي واحد..

وطريقُنا واحدة..

ومن يَطلُبُ التّغييرَ من غيره فقط، هو سائرٌ في طريقٍ خاطىء..

ينتظرُ من الآخر أن يتَغيّر، وهو نفسُه لا يقبلُ تغييرَ نفسِه..

التّغييرُ يبدأُ من الذات..

والتغييرُ المنشودُ ليس انتحارًا، بل تغييرًا من أجل مُؤسّساتٍ فعّالة، ومسؤولين نُزَهاء، في مُستوى طمُوحاتِ بَلدِنا..

ويَبْدُو أنّنا مُقْبِلُون على تعديلٍ في بعضِ أَوْجُهِ علاقاتِنا الدولية، وفي إطارِ استقلاليةِ القرار، وبِحُكمِ تحوُّلِ العالَم إلى أسرةٍ واحدة محكُومٍ عليها أن تتَعايشَ في ضوءِ التعاوُن والتآزُر والاستثمارِ والتكنولوجيا التي تتَطوّرُ أكثرَ فأكثر...

وفي هذا السياق، طمُوحُنا الظاهرُ والخفيُّ هو أن تَتَأَنْسَنَ بلادُنا أكثر، وتتَبنّى ثقافةً إنسانية، على الصعيد المحلّي والوطني والكوني..

ــ بدونِ إنسانية، لا حياةَ لنا..

التطورُ التكنولوجي والاستثماري، يجبُ أن يضمنَ لنا حياةً إنسانيةً كريمة، حتى نُحافظَ على مساحةٍ تَحْمِينا من كمّاشةِ اللّيبيراليّةِ المتوحّشة..

الحلُّ هو التّشبُّعُ بثقافةٍ إنسانية، على مُستوى القوانين، وتنفيذِ القوانين، وعلى صعيدِ تعامُلِ السُّلطاتِ مع الناس، على قدَمِ المساواةِ في الحُقوقِ والواجبات..

وهذا ليس هيّنًا، ونحنُ نَرِثُ تعامُلاً إداريًّا سلبيًّا يأكُلُ فيه القويُّ الضعيف..

لقد حَوّلَتِ الإداراتُ بلدَنا إلى غابةٍ يسُودُها «قانونُ الغاب»..

واللّصوصُ يتناسلُون أكثرَ فأكثر.. وعلى كلّ المستويات..

والمخدّراتُ تُباعُ داخلَ مَدارسِنا.. وفي المؤسساتِ السّجنية.. وكلّ مكان..

وقُطّاعُ الحُقوقِ تجدُهُم في الإدارات، وفي المجتمع، وفي كل مكان..

وهذا يجبُ أن يَزُول..

يجبُ أن يَتغيّر..

وإذا لم نُغيّر نحنُ ما بأنفُسِنا، وبما في علاقاتِنا، فإنّ بلادَنا هي نحنُ جميعا.. نحنُ بلادُنا..

وبدُون فعاليةٍ إيجابيةٍ منّا، فإن بلادَنا لن تُقاوِمَ الهزّاتِ المتكرّرةَ فينا، وحَوْلَنا!

ــ نحنُ بلادُنا..

وعندنا مُكتسبَاتٌ يجبُ أن تُحافِظَ عليها كلُّ تَحرّكاتٍ اجتماعيةٍ هادفةٍ لتغييرٍ بنّاء..

وفي قلُوبِنا حَماسٌ لتغييرِ ما يجبُ أن يَتغيّر بدُونِ الوُقُوعِ في أخطاءٍ جسيمةٍ حَصلتْ في مُحيطِنا الجغرافي..

وفي مسيرتِنا المشترَكةِ أملٌ كبير..

وخيرٌ للجميع..

وعلينا أن نَقْبَلَ ألاّ أحدَ منّا يمكنُ أن يعيشَ بـمُفْرَده..

العيشُ عيشٌ مُشترَك..

ــ جمِيعُنا.. أو لا أحدَ منّا!

إن الأرضَ تحتَ أقدامِنا تهتزّ..

ودروسُ الحياة مُوجّهَةٌ إلينا جميعا، في رُبُوعِ بَلدِنا..

كلُّنا مَعنيُّون بأيّةِ هزّة، تحتَ أقدامِنا كانتْ، أو في أعماقِ رُؤوسِنا.. وقُلوبِنا.. وفي خُبزِنا اليومي!

الهزّاتُ لا تستثني أحدًا..

وتبقى الهزّاتُ حالةً حياتيّة.. هي جزءٌ من الحياة..

طبيعيّة، إذا كانت سلْميّة، مُسالِمة، هادِفة لبناءِ الإنسان..

هي طبيعيةٌ تدعُونا لأن نبدأ بأنفُسِنا من أجل تغييرِ ما يَستوجبُ التّغيير..

الأرضُ تحتَ أقدامِنا تهتزُّ وتَرْتَدّ..

الأرضُ تتَنفّس.. ولا أحدَ منّا يَقْبلُ أن يَتحوّلَ التّنَفُّسُ إلى زلزال..

ــ وَجَبَتِ الحيطةُ والحَذَر!

ifzahmed66@gmail.com