استجابت سويسرا للضغوط التي مارستها عليها الولايات المتحدة الأمريكية. وسوف تقبل في المستقبل بدراسة المطالب المجمّعة الخاصة بالعملاء الأمريكيين في إطار التعاون الإداري في مجال التهرب الضريبي ورغم هذه الخطوة الرامية إلى تهدئة الطرف الأمريكي، يظل السر المصرفي مستهدفا من الخارج، في ظل انهيار دفاعاته في الداخل وقد استغرقت موافقة البرلمان السويسري على توسعة اتفاقية منع الإزدواج الضريبي بين سويسرا والولايات المتحدة وقتا طويلا. ففي الخريف الماضي، رفض مجلس الشيوخ السماح للحكومة بالنظر في المطالب المجمّعة (هي حزمة من المطالب المجمّعة المقدمة من السلطات الضريبية الأمريكية لاشتراك تلك المطالب في نفس المواصفات) في إطار اتفاقية التعاون الإداري بين البلديْن ولكن في شهر ديسمبر 2011، اضطر مجلس الشيوخ إلى الرضوخ والتراجع عن قراره. ويوم الإثنيْن 5 مارس 2012، وافق على مضض على توسعة إطار هذا الإتفاق.

"المطالب المجمّعة"

تعتبر الحكومة السويسرية مصادقة البرلمان خطوة مهمة على طريق تسوية النزاع الضريبي بين برن وواشنطن، والذي يخص 11 مصرفا سويسريا يتهمها القضاء الأمريكي بتشجيع عدد كبير من المواطنين الأمريكيين على التهرّب من دفع الضرائب المستحقة عليهم  وتسمح اتفاقية منع الإزدواج الضريبي المعدّلة للسلطات الامريكية بتقديم حزمة من المطالب في نفس الوقت في الحالات التي تكون قد أقدمت فيها مصارف سويسرية على مشاركة عملائها من المواطنين الامريكيين في "سلوكات غير قانونية"، كأن تشارك هذه المصارف في إنشاء شركات موهومة في الخارج للتغطية على التهرّب من الضرائب. في مثل هذه الحالات، تسمح الإتفاقية في صياغتها الجديدة لإدارة الضرائب الأمريكية الحصول على معلومات عن جميع دافعي الضرائب الذين ارتكبوا أو إستفادوا من مثل هذا السلوك  وهكذا تسمح اتفاقية منع الإزدواج الضريبي الجديدة بمجال أرحب للتعاون بين البلديْن مقارنة بالصيغة السابقة التي لم تكن تسمح لإدارة الضرائب الأمريكية بالحصول إلا على البيانات الشخصية للعملاء الذين تحدد هوياتهم بدقة  ولا يبدو أن قضية النزاع الضريبي مع الولايات المتحدة قد حلت نهائيا على الرغم من قوة الطعنة التي وجهت إلى السر المصرفي. وإلى حد الآن، لم يلح في الأفق حل خاص بالبنوك الإحدى عشر التي تنحى عليها الولايات المتحدة باللائمة في تشجيع عمليات التهرّب الضريبي.

امتياز حصرية  للولايات المتحدة

لكن مشكلة أخرى بدأت تلوح في الأفق: فالعديد من البلدان الأخرى لا يبدو أنها ستقبل بأن يظل امتياز المطالب المجمّعة خاصا وحصريا للولايات المتحدة. فقد أعلن رئيس مجموعة "رايفايزن" المصرفية  في حوار أجرته معه يومية "تاغس أنتسايغر" الناطقة بالألمانية (تصدر في زيورخ) أخيرا أنه "عندما سيحصل الأمريكيون على بيانات الآلاف من العملاء، فإن الأوروبيين سوف يطالبون هم أيضا بذلك" وبالنسبة لبيرين فانسينت، يخلق هذا الإتفاق مع الولايات المتحدة ما يشبه "سوقا للتبادل الحر للبيانات بين البلديْن". ويطالب هذا المسؤول الكبير في القطاع المصرفي من السياسيين الشروع في محادثات مع الإتحاد الأوروبي للتوصّل إلى اتفاق يضمن التبادل الآلي للبيانات الضريبية ويشير هذا المصرفي أيضا إلى أن الجميع بات يتحدث الآن على الأموال النظيفة، لكن لا يوجد إثنان يتفقان على دلالة واحدة لهذا اللفظ، ولهذا يحث الجميع على البحث عن استراتيجية جديدة من خلال نقاش "دون محرّمات أو خطوط حمراء".

انهيار مقاومة البنوك

هذه التصريحات أثارت انتقادات حادة في الأوساط المصرفية. وقال الناطق الرسمي لجمعية المصارف السويسرية: "صحيح، يجب ألا تكون هناك محرّمات على مستوى التفكير، ونستطيع أن نتحدّث عن كل شيء من حيث المبدأ، ولكن ليس أمام العموم هكذا" وقد شهد موقف الدوائر المصرفية تطوّرا ملحوظا. وبدأ الإعتقاد بأن اقتطاع الضريبة من المصدر كحل للنزاع الضريبي مع الإتحاد الاوروبي ينهار. وبدأت في لوقت نفسه مقاومة التبادل الآلي للبيانات أقل وأضعف مما كانت عليه من قبل وأوضح أوتّو أنيشون، النائب البرلماني عن الحزب الليبيرالي الراديكالي في حديث إلى صحيفة "سونتاغس تسايتونغ" (الصادرة أيضا بالألمانية في زيورخ) قائلا: "هناك مؤشرات على أن العديد من المصارف باتت تفضّل التبادل الآلي للبيانات المصرفية. والمطلوب من السياسيين التفكير في هذا الحل كذلك".

الضغوط الأوروبية

يبدو أنه بات من المؤكد أن اتفاق الإستقطاع الضريبي الذي وقعته كل من ألمانيا وسويسرا في الصيف الماضي، لكن لم يُصادق عليه إلى الآن، قد أصبح يقف على رمال متحركة. فالحزب الديمقراطي الإجتماعي الألماني يدعو إلى رفضه، ومن المحتمل أن ينجح في ذلك لأنّه يتمتع بالأغلبية في البرلمان الألماني الفدرالي (البوندستاغ) كذلك عبّرت المفوّضية الأوروبية عن رفضها لهذا الحل. وبالنسبة لها "الاستقطاع الضريبي من المصدر يمثل نوعا من "العفو الضريبي المتستّر". ومن ثمّ، فهي تحث سويسرا منذ عدة سنوات، وبشكل أكثر فأكثر إلحاحا، على الموافقة على التبادل التلقائي للبيانات المصرفية المتعلقة برعايا البلدان الأعضاء وقد دعا ألجيرداس سيميتا، المفوّض الأوروبي المكلّف بالملف الضريبي يوم الإثنيْن 5 مارس 2011 بصريح العبارة البلدان الأوروبية إلى عدم إبرام اتفاقات ضريبية ثنائية مع سويسرا. وحتى ألمانيا وبريطانيا اللتان سبق أن وقّعتا مثل هذا الإتفاق هما بصدد التفكير في إدخال تعديلات قبل المصادقة عليه.

منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية تتكفّل بالملف

أما النقاش في إطار منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية بشان المعايير التي يجب اعتمادها في التعاون الضريبي، فقد أحرز تقدما كبيرا. ووفقا لمدير مركز السياسات الضريبية التابع لهذه المنظمة، يوجد توافق كامل حول ضرورة العمل بسياسة حزمة المطالب المجمّعة كذلك باتت إيفلين فيدمر شلومبف، وزيرة المالية السويسرية، تتحرك من منطلق أن المنظمة سوف تعتمد هذا المعيار خلال هذه السنة. وبالتالي طال الزمن أو قصر، ستكون سويسرا مجبرة على منح الإمتياز الذي قدمته إلى الولايات المتحدة إلى بلدان أخرى وخلال مداولات البرلمان الفدرالي الأسبوع الماضي حول القانون المتعلّق بالمساعدة الإدارية، رفض النواب مقترحات أحزاب اليسار الداعية إلى منح بلدان أخرى نفس الإمتيازات التي حصلت عليها الولايات المتحدة. وهذا القانون سوف يعرض مرة أخرى على مجلس الشيوخ في شهر يونيو القادم. وبحسب وزيرة المالية، من الممكن جدا أن تكون الصورة آنذاك أكثر وضوحا حول المحددات الجديدة التي ستصاغ من خلالها معايير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.