صلاة الاستسقاء من السنن الشرعية المؤكدة الثابتة عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وتصلى إذا أجدبت الأرض وانحبس المطر، لما ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه، قال: (خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ) (متفق عليه).

وقد حافظ المغاربة – في تاريخهم – على هذه السنة النبوية المباركة الطيبة، ودأبوا على إحيائها، وحرص ملوكهم على إقامتها والتمسك بها كلما دعت الحاجة إليها، فكانت سبب فرج وفرح، وغيث ومطر، ونعمة وبركة. وما تزال هذه السنة – بحمد الله – حية سائرة بين المغاربة إلى اليوم، وهي دليل على تشبث هذا الشعب بدينه وعقيدته وهويته، رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين وتآمر المتآمرين.

غير أن صلاة الاستسقاء، ليست مجرد صلاة ودعاء وتضرع فحسب، ولكنها توبة إلى الله قبل ذلك وبعده، ورد للمظالم، وإقلاع عن المعاصي والمناكر، فقد ذكر ابن قدامة في التوابين: “أن بني إسرائيل لحقهم قحط على عهد موسى عليه السلام، فاجتمع الناس إليه فقالوا: يا كليم الله ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث. فقام معهم وخرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألفاً أو يزيدون، فقال موسى عليه السلام: إلهي اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرضع والبهائم الرتع والمشايخ الركع، فما زادت السماء إلا تقشعاً والشمس إلا حرارة ، فقال موسى: إلهي اسقنا .فقال الله : كيف أسقيكم؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة، فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم ففيه منعتكم .فصاح موسى في قومه: يا أيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة اخرج من بين أظهرنا فبك منعنا المطر .فنظر العبد العاصي ذات اليمين وذات الشمال فلم ير أحداً خرج فعلم أنه المطلوب فقال في نفسه: إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتضحت على رؤوس بني سرائيل، وإن قعدت معهم منعوا لأجلي، فانكسرت نفسه ودمعت عينه، فأدخل رأسه في ثيابه نادماً على فعاله وقال: إلهي وسيدي عصيتك أربعين سنة وأمهلتني وقد أتيتك طائعاً فاقبلني، وأخذ يبتهل إلى خالقه، فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه القرب .فعجب موسى وقال: إلهي سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد .فقال الله: يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم .فقال موسى: إلهي أرني هذا العبد الطائع .فقال: يا موسى إني لم أفضحه وهو يعصيني أأفضحه وهو يطيعني”.

ولذلك، ذكر العلماء لصلاة الاستسقاء جملة آداب لا تتم إلا بها، ولا تؤتي أكلها بدونها، ومنها:

أ – أن يعظ الخطيب الناس ويأمرهم بالتوبة ورد المظالم، لأن المعاصي والمظالم سبب للقحط وزوال النعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (… وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ البَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا…) (رواه ابن ماجة والبيهقي بإسناد صحيح). والطاعة وتقوى الله عز وجل سبب للخيرات والبركات، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (الأعراف: 95).

ب- أن يدعو أهل الصلاح والخير والمشهورين بالفضل والتقوى والعبادة والعلم ونحو ذلك لحضورها، لأن ذلك أسرع للإجابة، إذ يُتوسل إلى الله عز وجل بدعائهم وتأمينهم لإنزال المطر، كما كان الفاروق عمر رضي الله عنه يفعل مع العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيكَ بِنَبِيِّنا فَتَسْقِيَنَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ) (رواه البخاري)، وكما فعل معاوية رضي الله عنه مع يزيد بن الأسود، فعن سليم بن عامر: (أَنَّ النَّاسَ قَحَطُوا بِدِمَشْقَ، فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَسْقِي بِيَزِيد بن الأسود) (رواه ابن عساكر بإسناد صحيح).

ج- أن يكثر في خطبته من الاستغفار، وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، لقوله تعالى: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) (هود:52)، ولقوله تعالى أيضاً: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) (نوح: 10- 11).

وتطبيقا لمقاصد وآداب صلاة الاستسقاء الآنفة الذكر، فإن ثمة جملة أمور عاجلة، نحتاج إليها في مغرب اليوم، حتى يقبل الله صلاتنا ودعاءنا، ويسقينا الغيث النافع الهنيء المريء، ويديم علينا نعمة الأمن والاستقرار والرخاء، ويزيدنا من الخيرات والبركات، ومن تلك الأمور:

أولا: التعجيل بالتوبة من المناكر والمعاصي، التي جاهر بها الناس وأعلنوها، حتى صارت تملأ الشوارع والساحات، والمدارس والمؤسسات، من عري وفسق وتهتك وفجور، والتي ما فتئ البعض يدافع عنها ويروج لها، ويسعى إلى تبريرها وشرعنتها، باسم الحقوق والحريات، وباسم العصرنة والحداثة، وهي ليست إلا خبائث وفواحش، تسر الشيطان، وتغضب الرحمن، وتفتك بالإنسان.

ثانيا: التعجيل بالتوبة من المهرجانات الساقطة، والحفلات الماجنة، ومن أفلام الفسق والفجور، ومن برامج التفاهة والسفالة، ومن كل ما يحارب الفضيلة وينشر الرذيلة، باسم الفن والأدب والإبداع.

ثالثا: التعجيل بالتوبة من الحملات الممنهجة والدعوات المشبوهة، التي تستهدف شرع الله، وتحاول النيل من ثوابت الدين وقطعيات الشريعة، تحت أقنعة “التحديث” و”الاجتهاد” و”التجديد” و”حرية الاعتقاد” و”حرية التعبير”، وباسم “الديموقراطية” و”حقوق الإنسان” و”القوانين والمواثيق الدولية”.

رابعا: التعجيل بالتوبة من خيانة الأمانة، ومن الاستهتار بالمسؤولية، ومن نهب وتبذير المال العام، ومن كل أشكال الغش والعبث بمقدرات الوطن ومصالح المواطنين، جريا وراء الأهواء والشهوات والأطماع الدنيوية الفانية.

خامسا: التعجيل بالتوبة من كل أشكال الفساد السياسي والمالي والإداري والأخلاقي، التي باتت ملمحا بارزا من ملامح حياتنا، وسمة واضحة من سمات مرافقنا ومؤسساتنا العامة والخاصة.

وبعد إحداث هذه التوبات العاجلة، بشروطها الشرعية المعروفة، من إقلاع عن الذنب، وندم على ما فات، وعزم على عدم العودة، ورد للمظالم، يستحب تكرار صلاة الاستسقاء مرة ثانية وثالثة ورابعة، من باب العزم في الطلب والإلحاح في الدعاء، حتى ينظر الله إلينا بعين فضله ورحمته وكرمه، فيرسل السماء علينا مدرارا، ويمددنا بأموال وبنين، ويجعل لنا جنات ويجعل لنا أنهارا، ما لنا لا نرجو لله وقارا وقد خلقنا أطوارا.