وأخيرا تفضل علينا "سيدنا" بالزيارة,وقد كنا بدأنا نظن, نحن ساكنة مدينة العيون, أننا قد أصبحنا تحت رحمة "حمدي" إلى الأبد,"يتبورد" علينا كيفما يشاء,ينهرنا كلما طالبنا بأبسط حقوقنا,يقمعنا كلما فتحنا أفواهنا,لذلك كانت فرحة ساكنة مدينة العيون لا توصف,حتى إن المواطنين هرعوا لاستقبال "سيدنا" مشيا,ولم ينتظروا وسائل النقل ولا دعوات شيوخ المقاطعات والأعوان, ساروا جماعات وفرادى,رغم بعد المسافة,ما بين المشور ونواحيه, و العودة,25 مارس,84,الدويرات,الراحة,الوفاق,الحزام...

"عاااش الملك..جا الملك..هاهو الملك"..هذه كانت صرخة احد المواطنين المسنين,من الطبقة المسحوقة باجرة الكراء,فواتير الكهرباء والماء,من المواطنين الذين عاشوا معظم سنين حياتهم في الصحراء,كان يصرخ بهستيريا,ويلوح بيديه وهو في طريقه للمشور,كأنما يؤكد لنفسه ولغيره من مواطني الطبقة الكادحة السائرين بجواره,الطبقة القابعة تحت خط الفقر,أن هذا هو الملك الشرعي,وان سلطة  من يريد تنصيب نفسه بالنار والحديد..باطلة,يذكر الرائي بالتونسي الذي خرج يزف للتونسيين نبا هروب " زين الهاربين بنعلي"..

نعم..

من فرح أكثر بقدوم صاحب الجلالة,هم الفقراء..صبروا على بعد المسافات,وحر الشمس,وازدحام المواصلات وأماكن التجمهر,وفيهم من كان يحج للاماكن التي سيزورها الملك,ويظل من الصباح الباكر إلى ما بعد العشاء, من اجل الظفر بنظرة,أو لمسة يد..

من فرح أكثر بزيارة صاحب الجلالة هو من كان بالأمس,يقف على عتبات الأعيان وشيوخ القبائل,فينهر بغلظة,هذا إذا تمكن من الوصول إليهم,وفخامتهم عليهم حرس ولا الحرس الثوري,وما بين حارس وحارس,حاجب..

من كان بالأمس يقف بالساعات أمام مستشفى الحسن الثاني وبلمهدي,ثم يعود لبيته مدحورا مهزوما,يغالب الدمعة بصعوبة,وتمنعه العزة الصحراوية من الشكوى والبكاء..

من كان بالأمس,يقف بالساعات بانتظار أن يشرف سعادة الصدر الأعظم :" حمدي",ليشكو إليه ظلم الأعوان,وسرقة محتويات عربته,أو بضاعته التي يفترش ارض الوطن من اجل بيع محتوياتها,ثم يقابل بالاستقبال الاسطوري ديال حمدي وهو يقلب شفتيه ممتعضا : " شنهو مَلِّي؟ماني صايب لك"..

من كان بالأمس..يشارك في اعتصامات من اجل وظيفة تكفيه شر مد اليد,ثم يفاجأ بدخول "طابور خامس" مدسوس  وسط المعتصمين,يهتف بشعارات انفصالية..

من تغرب عن أهله من اجل الدراسة,حتى إذا حصل على شهادة جامعية,صدم بالواقع الصومالي الذي قضى على كل الأحلام الباريسية,فيصبح كل أمله الحصول على " كرطية"..

من كان بالأمس بائعا متجولا,أو "فراشا",طلب منه إخلاء مكان وقوفه,مقابل بقعة بحجم صندوق الزبالة,حتى إذا بنى البقعة واستقر,جاءته زبانية الصدر الاعظم,من اجل إخلاء البقعة التي بنيت بالعرق والدم,أو دفع ثمن  الإيجار المتأخر..

جاء الملك..

وانتعشت أمال الساكنة التي تعاين بحسرة توريث المناصب,واستفادة "الأرنبات وداكشي" من البقع والكرطيات,بل وحتى من دكاكين الباعة المتجولين الذين جانبهم الحظ..

جاء الملك..

وانتهى عصر "حفر.. جر" في الأشغال البلدية والرومية,عصر تعبيد الطرق ثم حفر هذه الطرق من اجل استبدال قنوات الصرف الصحي,او قنوات الماء الصالح للشرب المهترئة رغم أنها لم تركب إلا حديثا,ثم تهييء هذه الطرق من جديد,ليتلاشى "الزفت" بعد اشهر وتصير تلك الطرق أثرا بعد عين,وهكذا دواليك..

عصر.. بناء مناطق خضراء,ثم إحاطتها كل منها بسياج حديدي,فلا تفتح إلا في المناسبات العظيمة..انظر من بعيد,ممنوع اللمس والاقتراب..

عصر نهب الزون والمساعدات,ومزاحمة اصحاب الطويوطا للفقراء والمساكين..

Game over..

جاء عصرالبنيات التحتية الحقيقية,المحترمة للشروط,والمفرح أكثر أنها حتما لن تحمل اسم " حمدي"..

هرمنا ..وكلما سئل سائل عن اسم بناية,بقعة,فيلا,عمارة,سوبر مارشي,فندق,قاعة أفراح..الخ,أجيب بالجواب الاعتيادي "هادي ديال حمدي"..