مشاكل السياحة في مصر ليست فقط أمنية حيث تتوالى قصص الفضائح في مطار شرم الشيخ ودفع الرشوات لموظفي الأمن وسوء معاملة الألمان في مطار الغردقة ومعاملة البريطانيين في مطار طابا.

اثناء قراءة تقارير تتعلق بالفوضى التي تسود مطار شرم الشيخ بسبب الازدحام الناتج عن حادثة تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء استوقفني تعليقا من سيدة بريطانية زارت منتجع طابا مع عائلتها. تقول ان مطار طابا يعاني من الفوضى وسوء معاملة السائح من قبل الموظفين المحليين. التكييف الهوائي لا يعمل بشكل جيد. وجدنا الموظفين المحليين وقحاء وغليظين في المعاملة. صرخ موظف مراقبة جوازات السفر في وجهي بطريقة فظة لأن جواز السفر لم يكن مفتوحا على صفحة ختم تأشيرة الدخول. غضب زوجي من الأسلوب الوقح من الموظف. ناهيك عن جشع اصحاب المحلات واستغلالهم للسياح الأجانب بفرض أسعار باهظة لأبسط المشتريات. وأنهت التعليق بالقول: "قررنا عدم العودة الى مصر". لم أستغرب أبدا وأعادتني قصة السيدة الى مقال كتبته عن خبرتي الشخصية في مطار طابا نشر في ايلاف 6 ديسمبر كانون الأول عام 2008 أي قبل تعليق السيدة بسنوات وكان عنوان المقال تجربة بائسة في مطار عربي. وفيما يلي النص الكامل للمقال:

"أكثر من مليوني مصري يعتمدون مباشرة وغير مباشرة على القطاع السياحي في معيشتهم. يزور مصر سنويا حوالي 9 ملايين سائح ويقدر الدخل القومي من السياحة هذا العام بمبلغ 11.6 بليون دولار. وهذا يؤكد اهمية هذا القطاع في الاقتصاد المصري. لذا من الحيوي ان يتم استئصال بؤر التنكيد على السائح وازالة العناصر السلبية لا سيما في اماكن استقبال وتوديع السواح أي في المطارات وهذا يجلبني لقصة مطار طابا.

شاءت الظروف ان استعمل مطار طابا الدولي قبل عامين بالضبط وكان انطباعي انه مطار صغير (على قد الحال) يستقبل عدد بسيط من الطائرات اسبوعيا تحمل سياح اوروبيين لشاطيء طابا على البحر الأحمر. وما ازعجني ذلك الوقت هو قذارة دورات الماء (المراحيض) وتواجد بائس يطلب بخشيش من الذين يجدون انفسهم مضطرين لاستعمال المرحاض للتبويل قبل العودة لبلادهم.

وشاءت الأقدار ان استعمل هذا المطار مرة اخرى (ديسمبر 2008) وكانت دهشتي عظيمة ان الأمور ازدادت من سيء الى اسوأ.

أولا الوصول والوجوه العابسة: عند الوصول يقوم بالاستقبال مندوبون تابعون لشركات الرحلات والسفر التي يتم حجز الاجازة والفندق الخ.. عن طريقها وبعد ذلك تمر على وجوه عابسة لا تبتسم تختم جوازات السفر دون لفظ كلمة واحدة مثل اهلا بكم الى مصر او الى طابا ثم تنتظر الحقائب بجو يسوده الارتباك والفوضى ومزيد من طلبات البخشيش من بعض العاملين في حقل نزع الحقائب من القشاط المطاطي المتحرك. ومن قبل آخرين وظيفتهم وضعها في المكان المخصص في الحافلات التي تنقل السياح من المطار الى الفنادق على ساحل البحر الأحمر. واذا اعطيته جنيهات مصرية لا يشكرك بل يطلب عملة صعبة مثل الدولار والاسترليني او اليورو. هذا لا يحدث في مطارات اوروبا اطلاقا.

المغادرة: وبعد اسبوع ممتع من الراحة والاستجمام في منتجع 5 نجوم تضطر للعودة الى المطار وعندما تقترب من المطار ترى أكوام الزبالة هنا وهناك والكلاب الضالة واكياس النايلون تتطاير في محيط المطار. مسألة بيئية بسيطة يمكن علاجها بسهولة ولكنها تشكل منظر مؤذي ومزعج. وعندما تقترب من البشر تبدأ طلبات البخشيش من العاملين الذين وظيفتهم تنزيل الحقائب من الحافلة الى الأرض. واذا اعطيته لا يشكرك بل يتمتم لنفسه انه يريد المزيد علما انه يتقاضى اجرا كعامل في المطار. تدخل قاعة المطار وترى صور حسني مبارك في كل حائط وجدار وبقرب الصورة المائلة للرئيس في الحائط الرئيسي توجد ساعة حائط كبيرة متوقفة عن العمل. ثم ينتهي بك المسار الى قاعة الانتظار قبل الاقلاع وهناك تجد مصيبة المصائب. ولكن قبل ذلك ترى ساعات حائط اخرى لا تشتغل ومتوقفة وربما تحتاج الى بطارية او استبدال. ألا يوحي وجود ساعات عاطلة عن العمل عن حالة عميقة من الاختلال الوظيفي في المطار؟

ومن حين لآخر تسمع تعليمات ومعلومات شفهية من خلال نظام تكبير الصوت وتوجيهات او اشعارات مبهمة وبلغة انجليزية محطمة وبلهجة لا تمس بصلة للغة الانجليزية وغير مفهمومة مما يخلق ارباكاً وحيرة لدى المغادرين والذين غالبيتهم من البريطانيين. هل من الصعب توظيف شخص او شخصين قادرين على لفظ اللغة الانجليزية بطريقة مفهومة وليس بلهجة محلية؟

أغلى قهوة رديئة في العالم: تتوجه الى كشك يبيع بسكويت وشيبس ومرطبات وقهوة. تسأله سعر بسكويته ثمنها لا يتعدى 20 قرشا في دكان عادي ويقول لك 20 أو 30 جنيه مصري. يأتي مسافر آخر غير محظوظ ويدفع سعر آخر يقرره مزاج البائع. طلبت منه قهوة سوداء وبدون سكر وبدون حليب. قال لي 25 جنيه مصري وجاءت في كاس بلاستيك صغير اي نصف او ثلث كاسة عادية. نوعية القهوة رديئة جدا وبسعر 25 جنيه مصري اي تقريبا 5 او 6 دولارات فهي أغلى مما تدفعه في مطارات نيويورك او لندن او حتى في فنادق الخمسة نجوم في طابا ذاتها. لا يوجد اسعار على المواد المعروضة للبيع والبائع يطلب على مزاجه ويستغل طيبة وادب الاوروبين الذين لا يجادلون في الأسعار لا سيما أسعار اساسيات بسيطة مثل كوب شاي او شقفة بسكويت ويتم استغلالهم بطريقة معيبة من قبل بائع مستهتر يعمل دون رقابة او حساب. ثم تسمع ضحايا الاستغلال يتذمرون من الاسعار الباهظة لمواد تافهة القيمة وسيئة المذاق. أجزم انك تدفع سعرا اقل لمنتجات عالية الجودة في مطارات باريس وفرانكفورت وفينا مما تدفعه في مطار طابا الدولي البائس. والسؤال البديهي اين الرقابة وأين مدير المطار وماذا يعمل. ولا نستغرب اذا غادر السائح بانطباع سلبي عن مصر والمصريين والعرب بشكل عام.

المراحيض والبخشيش: تذكرت المشهد البائس قبل عامين وكنت مترددا في استعمال دورة المياه ولكن في النهاية قررت المغامرة عسى ان ارى تحسنا ملموسا. ولكن الصدمة كانت كبيرة. اولا فاجئني رجل يحمل بيده لفافة ورق حمامات ويطلب بخشيشا وقلت له ماذا عملت او قدمت لي من خدمات لكي تستحق بخشيش؟

دخلت المكان المخصص ووجدت احدى اماكن التبول مكسورة وبحالة مقرفة ورائحتها طالعة واكتشفت انه تم تفريغ وعاء ورق التنظيف المثبت على الجدار وادركت ان البائس الواقف على الباب كان قد نزع لفافة ورق التنظيف من مكانها ليقدم شقفة ورق لمن يوافق على اعطائه بخشيشا. خرجت باشمئزاز متجاهلا ذلك البائس وقررت الانتظار حتى اتمكن من استعمال مرحاض الطائرة بعد الاقلاع.

سمعت العديد من الغربيين الذين حاولوا استعمال المراحيض يتذمرون ويعلقون بطريقة تجعلك تخجل انك عربي علما ان هذا يحدث في أكبر بلد عربي. لماذا تسمح السلطات لشخص تعيس واحد ان يسيء لسمعة مصر والمصريين؟ ألا يستلم ذلك البائس اجرا شهريا من سلطة المطار؟

أين ادارة المطار من هذه المهزلة؟ تنفق وزارة السياحة المصرية ملايين الدولارات سنويا لترويج الأماكن السياحية والمواقع التاريخية والطبيعية الجذابة في شرم الشيخ وطابا وتسميها ريفيرا البحر الأحمر The Red Sea Riviera وهذا جميل وجيد ولكن كل الانطباعات الايجابية التي يحصل عليها السائح اثناء اقامته في المواقع السياحية لاسبوع او اسبوعين تنجرف في ثواني في مجاري الصرف الصحي في مراحيض طابا. وكل الخدمات الممتازة والترحيب من قبل العاملين في الفنادق والمنتجعات تتدفق في ثواني في مراحيض مطار طابا وتتبخر في ثواني اثناء احتساء أغلى قهوة وأكثرها رداءة في كشكات مطار طابا الدولي.

لولا حبي وتقديري لمصر والشعب المصري لما غلّبت نفسي في كتابة هذا المقال. 6 ديسمبر 2008.

نهاد إسماعيل