قالت السلطات الأمنية التونسية إنها أحبطت مخطط هجمات يستهدف منشآت سياحية وضعته خلية جهادية من بين عناصرها عسكري، وصفتها بـ"الخطيرة أمنيا" تنشط بين محافظتي القصرين القريبة من سلسلة جبال الشعانبي معقل الجماعات الجهادية المحاذية للحدود الغربية مع الجزائر ومحافظة نابل السياحية.

وأضافت أن وجود العسكري ضمن الخلية الإرهابي يبدو "مؤشرا على أن الجهاديين اخترقوا المؤسسة العسكرية" التي تحظى بثقة عالية من قبل التونسيين.

وأشارت السلطات الأمنية إلى أن أجهزتها اعتقلت متشددا دينيا في مدينة الحمامات السياحية كان قادما من القصرين متوجها إلى نابل وبحوزته حقيبة بها أزياء نظامية لتشكيلات عسكرية مختلفة وأقنعة وجه ووثائق تتضمن دروسا تتبنى الفكر الجهادي، تحرض على القتال وكيفية صنع المتفجرات.

ولاحظت السلطات أن المتشدد دينيا أدلى باعترافات خلال التحريات معه، وأقر فيها بأنه على صلة بعسكري معزول.

جاء ذلك في وقت تقود فيه تونس جهودا مضنية لتطهير المؤسسة العسكرية والأمنية من العناصر التي تتبنى الفكر الجهادي وقطع الطريق أمام الجهاديين لاختراقها في مسعى إلى نخرها من الداخل وإرباك أدائها وإضعافه. وقادت تلك الجهود إلى كشف أكثر من 100 أمني وعسكري يشتبه في انتمائهم للجماعات الجهادية، مستفيدين من "انتدابات لم تخضع للمقاييس الأمنية" تمت خلال السنوات الأربع الماضية بناء على ولاءات حزبية.

وقالت الأجهزة الأمنية أنه بناء على الاعترافات التي أدلى بها المتشدد دينيا المعتقل قامت بمداهمة منزل العسكري الواقع بمدينة الحمامات السياحية، أين عثرت على مواد خطرة تستعمل في الهجمات، وأزياء للوحدات الخاصة للجيش، ووثائق خطرة تتضمن عمليات رصد للدوريات الأمنية، وكشفا لنوعية الأسلحة والسيارات، إضافة إلى عمليات رصد للمخيمات التابعة لوحدات الجيش ووثائق تتضمن معلومات حول كيفية استعمال عدة أنواع من الأسلحة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تكشف فيها الأجهزة الأمنية تورط عسكريين في الانتماء لخلايا جهادية، حيث أعلنت في 11 يوليو/تموز 2015 أنها فككت في مدينة القيروان خلية جهادية تتكون من أربعة عناصر من بينهم عسكري أصيل محافظة المهدية السياحية برتبة عريف، وعثرت لديه على هواتف نقالة تتضمن مقاطع أشرطة فيديو تمجد التنظيمات الجهادية وتحرض على الجهاد.

وقالت الأجهزة الأمنية آنذاك أن العسكري سبق وأن شارك في مؤتمر تنظيم أنصار الشريعة المصنف تنظيما إرهابيا خلال العام 2012 زمن حكم "الترويكا" بقيادة حركة النهضة الذي انتظم بمدينة القيروان، وأشرف عليه أمير التنظيم سيف الله بن حسين الملقب بـ"ابوعياض" قبل أن يهرب إلى ليبيا حيث يقيم في الصحراء الليبية تحت حماية الجماعات الجهادية الليبية المسلحة.

وبحسب تقارير أمنية واستخباراتية، يشرف ابو عياض الذي هرب العام 2012 من تونس في ظروف غامضة، على تدريب جهاديين تونسيين في ثلاث معسكرات تقع في الصحراء الليبية، على فنون القتال واستخدام الأحزمة الناسفة وتفخيخ السيارات، قبل عودتهم إلى تونس بهدف القيام بهجمات تستهدف منشآت حيوية وفي مقدمتها المنشآت السياحية التي توفر 7 في المئة من الناتج الخام.

وفي 16 سبتمبر/ايلول 2015، أعلنت وزارة الداخلية أنها عزلت 110 أمنيين ينتمون إلى مختلف الأجهزة من بينهم عسكريين يشتبه في علاقتهم بتنظيمات جهادية، وذلك في إطار جهود تقودها لتحصين المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية من أية اختراقات أو اندساس للجهاديين في اشد أجهزة الدولة أهمية وحساسية.

ويقول الخبراء العسكريون إن الجهاديين باتوا يراهنون على اختراق المؤسسة الأمنية والعسكرية في مسعى إلى "التغلغل" في مفاصل الدولة بهدف نخر مؤسساتها وأجهزتها من الداخل، بعد أن ضاق عليهم الخناق خلال الأشهر الماضية نتيجة الضربات الموجعة التي وجهتها لهم وحدات الجيش وقوات الأمن وفككت العشرات من الخلايا ومزقت النسيج التنظيمي للجماعات الجهادية، وفي مقدمتها "كتيبة عقبة بن نافع" أخطر الجماعات الجهادية بنسبة 90 بالمئة، وفق تصريحات سابقة لناجم الغرسلي وزير الداخلية.

وتساور التونسيين مخاوف بشأن اختراق المؤسسة العسكرية في ظل "التطور النوعي والخطر" الذي باتت تنتهجه الخلايا الجهادية في عمليات تجنيد جيل جديد من شباب متعلم متخرج من الجامعات التونسية ومتخصص في علوم محددة مثل الطب وعلم الفيزياء وعلم الكيمياء، وهي اختصاصات باتت تراهن عليها تلك الخلايا بهدف استغلالها في مداواة الجرحى وصنع المتفجرات والأحزمة الناسفة وتفخيخ السيارات.

وتحظى المؤسسة العسكرية بثقة مرتفعة لدى التونسيين تكاد تلامس نوعا من الإجماع بنسبة تناهز 93 بالمئة وفق أحدث عمليات سبر للآراء، نتيجة جهودها في مقاومة الجهاديين التي قتل فيها العشرات من الجنود وكذلك نتيجة حمايتها لمسار التجربة الديمقراطية الناشئة في البلاد وحيادها تجاه الخارطة السياسية، حيث استماتت في الوقوف على نفس المسافة من كل الأحزاب السياسية طيلة أكثر من أربع سنوات تلت انتفاضة يناير/كانون الثاني 2011.

وتعتبر نسبة ثقة التونسيين المرتفعة في المؤسسة العسكرية كما يذهب إلى ذلك الخبراء، مؤشرا قويا على أن التونسيين باتوا أكثر اقتناعا بأن مستقبل البلاد مرتبط شديد الارتباط بأدائها في إحباط مخططات الخلايا الجهادية من جهة، وبتحييدها عن أية تجاذبات حزبية أو سياسية من جهة أخرى "باعتبارها إحدى أهم مؤسسات دولة المواطنة التي لا تفاضل بين التونسيين بعيدا عن أية انتماءات حزبية أو سياسية".

وتواجه المؤسسة العسكرية التونسية اليوم تحقيق "معادلة في غاية الدقة". إذ هي تسعى إلى حماية تجربة ديمقراطية ناشئة تتهددها مخاطر داخلية وخارجية، وفي نفس الوقت إلى فرض قوة أدائها للحفاظ على استقرار البلاد وأمنها والنأي بنفسها عن أية "انتهاكات" تمس من حقوق الإنسان وحق التونسيين في ممارسة الحريات الفردية والعامة، السياسية منها والمدنية.

والمؤسسة العسكرية مطالبة بأداء هذا الدور المعقد في ظل حالة احتقان سياسية واجتماعية ناجمة عن تداعيات أزمة عامة زجت بتونس في أوضاع، من أبرز ملامحها عجز الأحزاب السياسية على كسب التأييد الشعبي الواسع حيث لا تتجاوز ثقة التونسيين في تلك الأحزاب نسبة 29 بالمئة، وهو ما يعني ضمنيا أن ثقة التونسيين في التجربة الديمقراطية ثقة متدنية.

غير أن الخبراء العسكريين يقللون من خطورة محاولات الجهاديين اختراق المؤسسة العسكرية التي تحتكم إلى ما يعرف بـ"العقيدة العسكرية" التي لا تدين بالولاء سوى للدولة. وهم يشددون على أن المؤسسة العسكرية "باتت محصنة" من أي "عملية اختراق مدروسة" غير أنهم يحذرون في الوقت نفسه من "محاولات اختراق فردية ومعزولة"، في ظل استفحال الظاهرة الجهادية في تونس.