أمام ارتفاع المطالب بالمشروعية الفعالية ومشروعية الانجاز في دولة تستهلك ثروة وغير قادرة على إعادة إنتاجها منذ الاستقلال إلى اليوم ، يبدو أن الجيش بدا يحس لأول مرة بعد العشرية السوداء بانتقال الجزائريين من النشيد الوطني " يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوي الكتاب " الى شعار جديد يدعو الجيش إلى تقديم "الحساب"،هذه الوضعية جعلت النظام العسكري ، وهو يراقب الإصلاحات الجارية في دول الجوار ،إلى إدخال الجزائر في وضعية تقاوم بها الإصلاح ، فرغم ان "بوتفليقة" أجرى انتخابات تشريعية وأعلن عن الشروع في إصلاحات دستورية بتشكيل لجنة تقليدا للمغرب ، فان هناك اعتقاد لدى "بوتفليقة" والجيش بأنهما يريدان مجاراة دول الجوار وتقليدها في الشكل لان هذه الإصلاحات متروكة للوقت وللمفاجآت التي سيقدمها الجيش للجزائريين للانقلاب على كل وعود الإصلاح ،فاللجنة لن تقدم مشروع دستور وإذا حدث وقدمته فلن يقبله لا"بوتفليقة " ولا الجيش ،بل ان الجيش يسعى عبر مدخل التوترات الإقليمية الى تجاوز ورطة إعلانه عن إصلاحات، وذلك بخلق وضعية عدم استقرار إقليمي للانقلاب على كل مبادرات الإصلاح السياسي والدستوري في الجزائر ،فالجيش بادر في سنة 2013 الى توقيع مجموعة من الاتفاقيات الأمنية مع تونس وليبيا ،والى حضور اجتماعات الاتحاد المغاربي وإطلاق خطابات "الشراكة الأمنية"، في وقت تشير فيه المعطيات الميدانية الى عناصر أمنية جديدة في المنطقة المغاربية ،فدخول تنظيمات مسلحة من مالي عبر التراب الجزائري و وصولها الى جبال الشعابني داخل تونس وتلغيمها ، يبين ان الإستراتيجية التي عملت عليها الجزائر في السنوات الأخيرة، بخلق انقسامات داخل الجماعات الإرهابية ،وهي إستراتيجية كانت الولايات المتحدة على علم بها ، بدأت الجزائر توظفها على الحدود الترابية لدول الجوار بدفع الجماعات الإرهابية الموالية للجيش الى زعزعة استقرار تونس الساعية الى تعايش سياسي بين إسلاميي النهضة والأحزاب التقدمية بعد الثورة .

فلا احد يمكنه ان يصدق ان كتيبة إسلامية مسلحة منهكة قادمة من مالي، قادرة على قطع ألاف الكيلومترات للتحصن في جبال الشعابني ومقاومة الجيش التونسي لمدة تزيد عن عشرة ايام . وليست المرة الأولى التي تشار فيها الأصابع الى الجيش الجزائري عن مسؤولية ما يحدث في تونس من مواجهات بين الجيش التونسي والجماعات الإرهابية ،فهناك اعتقاد لدى العديد من التونسيين بان قتلة الزعيم النقابي التقدمي "شكري بلعيد" جاؤوا من الجزائر وعادوا إليها بعد تنفيذ عملية الاغتيال رغم تكذيب الخارجية الجزائرية لهذا الاتهام ، فالتونسيون اليوم ،مشتتون مابين مواجهة قاعدة ليبيا في الشرق وقاعدة الجزائر في الغرب. وتشير الوثيقة التي سربت عن كتابة الدولة الأمريكية في الخارجية، في الأيام الأخيرة للسيدة"هيلاري كلينتون" بالإدارة الأمريكية ،حول ملابسات أحداث "عين اميناس" ان ما يجري على الحدود التونسية سبقه تخطيط جزائري مماثل اعد في الجنوب الغربي انطلاقا من مخيمات تندوف لزعزعة استقرار المغرب في الصحراء من طرف حركة التوحيد والجهاد، التي بات واضحا اليوم أنها من صنع الجيش الجزائري ،ف"مختار بلمختار" زعيم هذه الحركة الذي لا يعرف مصيره اليوم ،بين تاكيد موته ونفيه في مالي، كان قد طلب من المخابرات الجزائرية الاستفادة من قانون الوئام المدني، وهي الفرصة التي تلقفتها المخابرات العسكرية الجزائرية لإعادة توظيفه ببناء جماعة إرهابية مؤيدة للجيش الجزائري لاستعمالها في المحيط الإقليمي وتطعيمها بموارد بشرية جزائرية وصحراوية من "تندوف" لضرب الاستقرار في الجنوب المغربي ،وهذا ما يشرح حادث محاولات إحداث ثقب في الجدار الأمني المغربي منذ سنة 2010 انطلاقا من المدخل الموريتاني.

حفيظ بوقرة للجزائر تايمز