اتهمت هيئة الدفاع عن البغدادي المحمودي آخر رئيس للوزراء في عهد نظام معمر القذافي حكومة "الترويكا" بقيادة حركة النهضة التي حكمت تونس خلال الفترة 2011 و2013 بـ"تعذيب المحمودي وابتزازه سياسيا وماليا داخل السجون التونسية"، كما اتهمت "الترويكا" بأن تسليمه إلى إخوان ليبيا تم بالتنسيق مع مخابرات دولة أجنبية قبل أن تحوله إلى سلعة تباع وتشترى.

وشدد المحامي كورشيد عضو الهيئة أن المحمودي "تعرض إلى التعذيب في سجن المرناقية قرب العاصمة تونس حتى أنه أجبر على البقاء عاريا إلا من بعض الملابس في ساحة السجن، كما تعرض إلى الابتزاز وتحول إلى سلعة تباع وتشترى".

وكشف "حصول لقاءات مع المحمودي من قبل الأطراف الليبية التي كانت تطالب بتسليمه إضافة إلى مخابرات دول أجنبية"، لافتا إلى أن "اللقاءات جرت بإشراف سيد الفرجاني القيادي في حركة النهضة الإسلامية رغم أن القوانين التونسية تمنع ذلك".

وكانت الهيئة أعلنت، بتفويض من عائلة المحمودي، رفع دعوى قضائية في محكمة تونس الابتدائية ضد رئيس حكومة "الترويكا" حمادي الجبالي آنذاك، وسيد الفرجاني الذي كان مكلفا بمهمة في ديوان وزير العدل الأسبق نورالدين البحيري، وكل من سيكشف عنه التحقيق في قضية تتعلق بتسليم المحمودي إلى إخوان ليبيا دون صفة قانونية".

وكشفت هيئة الدفاع أن سيد الفرجاني الذي يوصف بـ"الصندوق الأسود" لوزارة العدل تخابر مع دولة أجنبية من أجل تسليم المحمودي، والتقى بمدير مخابرات تلك الدولة الأجنبية خارج تونس.

وأكدت أن سيد الفرجاني "مارس ضغوطا داخل سجن المرناقية على المحمودي للحصول منه على شفرات (أرقام) الأرصدة المالية لنظام القذافي في الخارج، مقابل الإفراج عنه".

وقال كورشيد إن حكومة "الترويكا" "أدخلت الخصوم السياسيين الليبيين للبغدادي المحمودي إلى زنزانته بهدف ابتزازه ومن بينهم مدير المخابرات الليبية آنذاك"، ملاحظا أن المحمودي "تعرض للتعذيب في سجنه بتونس لأنه رفض الابتزاز، مما جعله يحاول الانتحار".

وكان المحمودي قبع في سجن المرناقية قرب العاصمة تونس منذ اعتقاله في 21 ايلول/سبتمبر 2011 جنوب البلاد، عندما كان يحاول التسلل إلى الجزائر المجاورة، وحتى ترحيله إلى ليبيا في 24 حزيران/يونيو 2012.

وكشف كورشيد أن السيد الفرجاني اعترف عبر وسيلة إعلامية بمرافقته لرئيس المخابرات الليبية على متن طائرة ليبية إلى فرنسا لمقابلة محامي فرنسي سيمد المحمودي بشيفرات سرية لحسابات أموال تابعة للدولة الليبية ببنوك في الخارج مقابل الإفراج عنه".

ولفت إلى أن "إخوان تونس سلموا المحمودي إلى إخوان تونس لإعدامه" مشددا على أن حمادي الجبالي "تجاوز القانون حين سلم المحمودي لأن التسليم من اختصاص رئيس الجمهورية وليس رئيس الحكومة".

وتولى حمادي الجبالي رئاسة حكومة "الترويكا" التي قادتها حركة النهضة من كانون الاول/ديسمبر 2011 وحتى استقالته في اذار/مارس 2013.

وفي 28 تموز/يوليو، أصدرت محكمة ليبية في العاصمة طرابلس حكما بالإعدام "رميا بالرصاص" على البغدادي المحمودي وثمانية مسؤولين سابقين في نظام معمر القذافي لدورهم في قمع الانتفاضة التي أسقطت نظام القذافي في 2011.

حكم سياسي وعسكري

واعتبرت هيئة الدفاع، إن الحكم الصادر بإعدام المحمودي هو "حكم سياسي وعسكري وليس حكما قضائيا ولا علاقة له بالحريات أو بالحقوق"، وأكدت أن "المحاكمة باطلة لأنها صادرة عن محكمة غير شرعية وغير قانونية"، محذرة الجهات الليبية من مغبة تنفيذ أحكام الإعدام في المحمودي.

وكشف كورشيد أن أن "سجن المحمودي وتسليمه من قبل حكومة الترويكا هو صفقة سياسية ونتيجة لابتزاز ومقايضة"، ملاحظا أن رسالة وجهها المحمودي إلى الرئيس المؤقت آنذاك منصف المرزوقي تثبت وجود صفقة مالية، حيث كتب فيها بالحرف الواحد "لا تنسوا نصيب الأطراف التونسية".

وأوضح أن إعادة المحمودي إلى السجن بعد أن تم إطلاق سراحه في بادئ الأمر "كانت مرتبطة بصفقة مالية"، مضيفا أن "هيئة الدفاع ستقدم كل الوثائق التي تدين "الترويكا" والتي تثبت أن المحمودي "تحول إلى سلعة تباع وتشترى في سجن المرناقية"، لافتا إلى أن المحمودي أودع السجن وتم تسليمه في إطار مخالف للقانون التونسي، وكل الاتفاقيات القضائية والقانونية المحلية والدولية.

وأشار إلى أن المحمودي "تعرض للابتزاز الشديد ولطلبات غير مشروعة حيث أدخلت عليه في سجنه جهات ممثلة لمخابرات أجنبية ولأطراف مخابراتية ليبية كانت تمثل خطورة على حياته وقتها.

وكشف كورشيد أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي فعل كل ما في وسعه لإسكات صوت البغدادي المحمودي، لأنه شاهد إثبات على تمويل القذافي لحملته الانتخابية.

وبعد تسليم المحمودي إلى إخوان ليبيا، أعلنت حكومة الجبالي أنها سلمته إلى حكومة عبد الرحيم الكيب "بناء على تعهدات بضمان حماية البغدادي المحمودي من كل تعد مادي أو معنوي وتجاوز مخالف لحقوق الإنسان".

وكانت ليبيا طالبت تونس بتسليم المحمودي لمحاكمته بتهم تتعلق بفساد مالي في عهد معمر القذافي، و"التحريض" على اغتصاب نساء ليبيات خلال الانتفاضة التي أطاحت بنظام القذافي.

وقالت حركة النهضة الإسلامي إن تسليم البغدادي المحمودي تم بناء على حكم قضائي ونفت أي صفقة مالية أو سياسية بشأن ملابسات التسليم.

وأصدرت محكمة الاستئناف بالعاصمة تونس حكمين قضائيين في 8 و25 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 يقضيان بتسليم المحمودي إلى ليبيا.

ويمنع القانون التونسي تسليم أشخاص مطلوبين للعدالة خارج تونس إلا بعد توقيع رئيس البلاد على مراسيم (قوانين) تسليم.

وكان الرئيس التونسي الانتقالي فؤاد المبزع الذي رأس تونس بعد الإطاحة بنظام بزين العابدين بن علي مطلع 2011، رفض توقيع قرار التسليم مبررا ذلك بخشيته من تعرض المحمودي إلى "التعذيب" أو "القتل".

وبعد تسليم المحمودي أعلن الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي ان ترحيل المحمودي "قرار (حكومي) غير شرعي ينطوي على تجاوز للصلاحيات (...) وتم بشكل أحادي من قبل حكومة "الترويكا" وبدون استشارة وموافقة" رئيس الجمهورية وهو اتهام ضمني لحركة النهضة.

وتحت ضغوطات سياسية وحقوقية حول تسليم المحمودي، اضطرت حركة النهضة إلى إصدار بيان وقعه رئيس الحركة راشد الغنوشي، قالت فيه إن "الخلاف بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ليس حول مبدأ التسليم وإنما هو اختلاف حول ظروف التنفيذ"، مضيفة البيان الذي وقعه راشد الغنوشي أن قرار تسليم المحمودي إلى المجلس الانتقال

الليبي هو "محلّ توافق" بين رئيس الجمهورية منصف المرزوقي ورئيس الحكومة حمادي الجبالي.

المرزوقي يشهد بلاشرعية التسليم

غير أن الرئيس السابق منصف المرزوقي وصفت قرار التسليم بأنه "غير شرعي"، مشددا على أن "حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة ورئيس الحكومة تجاوز الصلاحيات المخولة له قانونيا وأن قرار التسليم تم بشكل أحادي ودون استشارة وموافقة الرئيس المنصف المرزوقي".

وعللت النهضة تسليم المحمودي بأنها "تلقت تعهدات كتابية وشفاهية من الحكومة الليبية لان يعامل المحمودى وفق مبادئ العدل والاحترام"، فيما طالبت أحزاب سياسية وقوى ديمقراطية المرزوقي بالاستقالة من منصب رئيس الجمهورية "بعد أن تم تجريده من صلاحياته".

ووصف العجمي الوريمي الناطق الرسمي باسم حركة النهضة الاتهامات الموجهة إلى الحركة بشأن ملابسات تسليم المحمودي في إطار صفقة مالية بـ"ادعاءات"، قائلا "نحن في دولة قانون ومن حق من له مؤيدات ومستندات" التوجه إلى القضاء مضيفا أن "التسليم تم في إطار القانون، والقضية تحولت إلى قضية سياسية ومحل استغلال سياسي من أكثر من طرف".

غير أن رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد الستار بن موسى أكد "تعرض المحمودي للتعذيب في سجون طرابلس وإلى ضغوطات وإلى الابتزاز". وأكد أنه "تم إعلام وزارة العدل وقتها، إلا أنها كذبت الأمر".

وأضاف بن موسى أنه خلال زيارته والوفد الحقوقي والمدني المرافق له إلى طرابلس للإطلاع على ظروف سجن البغدادي المحمودي لاحظ أنه "تعرض للتعذيب" مشيرا إلى أنه "تم جلبه في قفص". وشدد على أن "محاكمة المحمودي ليست عادلة و لا تمت بصلة إلى العدالة أو القضاء" ولفت إلى أنه تم تسليم رئيس الوزراء الليبي على أساس قضايا مالية، فإذا به يحاكم بتهم خطيرة كالقتل والاغتصاب وهي تهم غير موجودة في ملف التسليم".

أما عميد المحامين السابق البشير الصيد، فقد وصف أحكام الإعدام الصادرة ضد رموز نظام القذافي بـ"الاغتيالات الإرهابية"، مؤكدا أن "هذه الأحكام ليست أحكاما قضائية وأن المحاكمة غير شرعية لأنها صادرة عن جهات غير قانونية"، وشدد على أن مسؤولية حكومة "الترويكا" في تسليم المحمودي ثابتة قانونيا وأن التسليم مخالف للقانون التونسي ولكل المواثيق الدولية.

وأكد الصيد أن ملف المحمودي "خضع لصفقة سياسية ومالية وأن جميع إجراءات التسليم باطلة من الناحية القانونية".

من جهته شدد عضو هيئة الدفاع ماهر عميد، على أن "ليبيا طلبت من السلطات التونسية الإفراج عن البغدادي المحمودي وتوفير شروط الإقامة اللائقة له ومن بينها أن يكون مقر سكنه محاذيا لوحدة صحية". وأضاف أن "رئاسة الجمهورية استجابت لذلك وأصدرت قرارا بالإفراج عن المحمودي".

غير أن "وزارة العدل التي كان يتولاها آنذاك نورالدين البحيري القيادي في حركة النهضة "استبقت ذلك بالتعجيل بتسليم المحمودي حتى لا يخرج الملف من بين أيديها"، بحسب ما ذكر ماهر عميد الذي أكد أن "الحكومة الليبية تراجعت وقتئذ عن طلب التسليم لكن وزارة العدل في عهد الترويكا هي من أصرت على تسليمه إلى جهة لا علاقة لها بالحكومة الليبية".