من حُسن حظ تونس أن لها حدوداً مع دولتين اثنتين فقط، إحداهما الجزائر، والأخرى ليبيا التى يبدو أنها تحولت إلى مصدر لصداع دائم للأخوة التوانسة، منذ سقط القذافى!

ففى يوم 9 رمضان، كان شاب تونسى، اسمه سيف الدين الرزقى، قد أطلق الرصاص على السياح فى مدينة «سوسة» التونسية، فقتل 39 سائحاً، كان أغلبهم من بريطانيا!

وعند البحث هناك فى حياة الشاب، الذى يدرس الماجستير فى جامعة القيروان، قيل إنه تلقى تدريباً على ما فعل، فى ليبيا، وربما لهذا السبب، قررت الحكومة التونسية إقامة جدار عازل مع جارتها، يمتد لـ168 كيلومتراً.

وفى كل مرة كانت تونس تتعرض لعمل إرهابى، كان السؤال يجرى طرحه على النحو الآتى: لماذا يستهدفها الإرهاب، رغم أنها وضعت دستوراً توافق عليه جميع التوانسة، ورغم أنها انتخبت برلماناً تحظى فيه حركة «النهضة» الإسلامية بثانى أكبر كتلة برلمانية، ورغم أنها أجرت انتخابات رئاسية شهد لها العالم؟!.. لماذا تونس، وقد سلكت هى الطريق الديمقراطى، فيما بعد الثورة، على نظام زين العابدين بن على، ولم تتحايل على هذا الطريق فى أى وقت، ولا فى أى مرحلة؟!.. لماذا تونس وهى لم تستبعد تيار الإسلام السياسى، ممثلاً فى «النهضة» التى لا تشارك فى البرلمان القائم فقط، وإنما تشارك أيضاً فى الحكومة الحالية بعدد من الوزراء ووزراء الدولة؟!.. إن كلاماً خائباً، وفارغاً، يُقال عنا، فى كل مرة تتعرض فيها مصر لضربات الإرهاب، ولا يخرج هذا الكلام الفارغ الخائب عن صيغة واحدة فى كل مرة، هى أن إقصاء الإخوان هو السبب.

ولا يلتفت مرددو هذه الأسطوانة المشروخة عنا إلى أن أحداً منذ 3 يوليو 2013، لم يقرر إقصاءهم، وأنهم كانوا مدعوين يومها للحضور، وأنهم هم الذين غابوا، وأنهم هم بالتالى الذين أقصوا أنفسهم، ثم أقصاهم المجتمع ذاته، فيما بعد، بامتداد عامين، عندما أعلنوا الحرب عليه.. لا يلتفت أحد إلى هذا كله، وهو موضوع آخر على كل حال، ويمكن أن يقال فيه كلام كثير، لنعود إلى موضوعنا فى تونس، ونسأل بإلحاح من جديد: إذا كانت تونس قد استدعت «النهضة» الإسلامية فى البرلمان، وفى الوزارة، وفى كل محفل مشابه هناك، فماذا عليها أن تفعل أكثر من هذا، ليتوقف عنها الإرهاب؟!.. ماذا على تونس، تلك الدولة الوديعة على شاطئ البحر، أن تفعله، أو أن تقدمه، أكثر من هذا، لتكف عنها يد الإرهاب؟!

الإجابة عندى من شقين، أولهما أن الكلام عن أن العنف الذى لا يكاد يختفى حتى يظهر عندنا يرجع إلى إقصاء الإخوان، كلام لا أساس له، والدليل تونس وحال حركة النهضة فيها!

وأما الشق الثانى، فهو أن استهداف تونس، رغم كل ما أنجزته فى مسارها الديمقراطى، ورغم عدم إقصائها لأى تيار، ورغم حضور «النهضة» فى البرلمان، وفى الوزارة، ورغم ورغم.. راجع فى أساسه، إلى أن المستهدف لدى الذين يحركون خيوط هذا الإرهاب ضدها، من وراء ستار، كان أن يحكم الإسلاميون فيها، لا أن يكونوا فى المعارضة!

كان هذا هو المستهدف، ولايزال، وكأن الذين يحركون الإرهاب فى المنطقة، إقليمياً، ودولياً، وهم معروفون ومكشوفون، يعاقبون الناخب التونسى على اختياراته، أو كأنهم يريدونه أن يختار ما يريدون هم، وليس ما يريده هو، ويرى هو!

إنهم يعاقبون كل ناخب تونسى خرج فى انتخابات البرلمان، ثم فى الرئاسة، وقال «لا» للمرشح الإسلامى بأعلى صوت!

يعاقبونه، ويمارسون عليه نوعاً من الترهيب، ومن الابتزاز، ولكن أظن أن الناخب هناك أقوى من كل هذه الضربات، كما أظن أن روح تونس المدنية أقوى وأقوى، وأنه لا مستقبل لـ«النهضة» فى تونس، ولا لمثيلاتها فى غير تونس!