((من الممكن ألا أعلم جيدا ما هو دور القانون في المجتمع ولكن أعلم جيدا ماذا يعني مجتمع من دون قانون))

صادق مجلس النواب في قراءته الثانية يوم الثلاثاء 9 يونيو الجاري على مشروع القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، هذا القانون الذي تثير بعض مواده (خاصة المواد 13 و24 و54 و 79 ) الكثير من التساؤلات حول مدى مطابقتها ليس للدستور فحسب ولكن لروحه كذلك، وذلك بسبب الكثير من الغموض والخروقات التي حملتها تلك المواد سواء بالنسبة للدستور أو للقوانين الجاري بها العمل وهي كالآتي:

المادة 13 من مشروع القانون

نصت المادة 13 من هذا القانون في فقرتها السادسة تحت رقم 2 على شرط إرفاق العضو المزمع ترشحيه لمنصب رئيس الجهة طلب ترشيحه برسالة تزكية مسلمة له من الحزب السياسي الذي ينتمي إليه، في تتنافي صريح مع جميع النصوص الدستورية والتي على أساسها ثم بناء العقد الاجتماعي الذي هو أساس تأسيس الدولة لأكثر من 14 قرنا، ذلك أن الدستور تكمن شرعيته ليس فقط في وضعه من طرف من كلف بذلك، ولكن كذلك في احتواءه على وسائل لبناء دولة ديمقراطية تحترم الغايات العليا التي جسدتها الإرادة الشعبية، وعليه فإن البث في هذا القانون يتعين معه نظرا لحساسيته ولطبيعة دور القضاء الدستوري الاحتكام إلى كافة النصوص الدستورية، خاصة تلك التي تهم إعمال الديمقراطية بشكلها الوطني و كذلك الجهوي، وهي تفاصيل يجب مواكبتها والعمل على تطويرها احتراما للدستور الذي هو تعبير عن إرادة الأمة.

فالديمقراطية التي أفرزها دستور 2011 منحت للإرادة الشعبية ذلك المدلول المرتبط بحق الشعب في ممارسة حقوقه الديمقراطية، وعليه كان من الضروري احترام هذه الإرادة الشعبية من خلال إعطاء مدلول تصويت المواطن وطنيا وجهويا لمفهومه الديمقراطي النابع من احترام قيمة الإنسان والمواطن من خلال احترام مشاركته السياسية المتجسدة في التصويت والترشيح، مما يستوجب إلغاء أي وساطة بين الحق في التصويت وما ينتج عن هذا التصويت من حرية اختيار ممثليه جهويا الذي يكون سندا شعبيا يفوضهم التدبير الحر لمؤسساتهم المنتخبة، مما يلغي أي دور للأحزاب نسبيا عندما تصبح مهمة العضو الجهوي الإنابة عن الأمة جهويا، ليمارس مهامه في اختيار من يدبرون الأجهزة الجهوية التي هي مؤسسات للجهة وليست للأحزاب.

فالأحزاب السياسية تساهم في تأطير المواطنين وليس في سحب إرادتهم وحقهم الديمقراطي في اختيار الأشخاص المؤهلين لإدارة المؤسسات الجهوية، وأن هذه الفقرة حينما نصت على أن الترشيح للرئاسة يقتضي تزكية الحزب يكون هذا الأخير كمؤسسة قد احتل موقعا لا يملك شرعيته دستوريا، لكون اللائحة استطاعت أن تكسب أصواتها من خلال موافقة الإرادة العامة على توجه سياسي لطبيعة مكوناتها الفكرية والبشرية، فتنتهي إرادة الحزب تنظيميا وتنتقل المسؤولية إلى العضو، لكون ما يملكه من سلطة في الاختيار والانتخاب والترشح داخل أجهزة مجلس الجهة تستند على إرادة شعبية وليس على إرادة حزبية التي تختزل فقط في القسم الأول من الانتخاب وهو تزكية المرشحين للعضوية وليس للمسؤولية، وحيث أن الفقرة الأولى نصت على شرطين هما وجود المرشح في رأس اللائحة وأن يكون من الأحزاب الخمسة الأولى، فإن هذين الشرطان يهمان حرية الاختيار للمنتخبين واستقلاليتهما في الاختيار، بينما إضافة فقرة التزكية من الحزب ففيه تضارب وتناقض مع مفهوم مبدأ التمثيلية الذي يستند على تفويض الشعب لللائحة ولاستقلاليتها، ثم أن ذلك فيه تقويض لثقة المرشح في شخصيته وفي الثقة التي حاز عليها من الشعب، بل يقوض حتى سلطة الإرادة العامة المجسدة في التصويت. وعليه فإن التزكية الحزبية لرئاسة الجهة أصبحت مخالفة لإلزامية احترام الإرادة العامة، أي إرادة الأمة بشكلها الجهوي، لكون الدستور سعى بكل نصوصه لحماية هذه الإرادة وإعطائها مدلولها الانتخابي، ولا يمكن للأحزاب أن تقوم مقام الأمة خاصة وأن المهام التمثيلية الجهوية ليست في الحقيقة إلا تفريع عن نيابة الأمة في إدارة الشؤون العامة وفقا للفصلين 60 و 136 من الدستور، وتبرز هذه الإرادة في التصور الدستوري لمشروع الجهوية المتقدمة، وهو ما نص عليه الفصل 139 من الدستور الذي أكد أن الجهوية تسعى إلى تيسير مساهمة المواطنين والمواطنات في تدبير شؤونهم، ولم تنص على الأحزاب للقيام بهذه المهمة أي مساهمة المواطنين وليس مساهمة الأحزاب، لكون تزكية الأحزاب بعد التصويت للعضوية تنتهي لتحل محلها تزكية الإرادة العامة في الترشح وفي الاختيار، وأن الفصل 143 حينما منح الصدارة للجهوية فإنه منحها ذلك بشكل مطلق، أي لممارسة التدبير الحر وبنوع من الاستقلالية عن المؤسسات الأخرى وكذلك في ظل مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها، وهذه المبادئ الذي يجب أن تعرف صداها في جميع مؤسسات الدولة وكان من الأجدر على هذا القانون أن لا يخلط بين دور الأحزاب في التأطير وبين إرادة الأمة التي هي سلطة تعلو على الأحزاب وتعلو على المؤسسات وتنظم بواسطة الدستور.

إن إقحام التزكية كشرط للترشح لرئاسة الجهة هو اغتيال لمفهوم الديمقراطية الجهوية وإلغاء لمفهوم الإرادة الشعبية، فالجهوية ليست صنعا دستوريا أو خلقا حديثا، بل هي حالة واقعية سابقة على وجود الدولة ذاتها، أما الدستور فلم يمنحها سوى ذلك الوجود القانوني وهيكلة تنظيمها دستوريا ووفق المبادئ العليا الفوق الدستورية، مما يفرض على هذا القانون أن يحترم روح الدستور بمنحها دورا سياسيا ومؤسساتيا يزيد من دعم وحدة الدولة لتكون دعما من دعائم الوحدة السياسية للدولة، مما يفرض أن يعطى للصوت الجهوي ذلك المدلول الدستوري الذي يملكه الصوت الوطني، فالذي يصوت جهويا لا يملك قصورا سياسيا أو فكريا أمام من يصوت وطنيا، علما أننا نشرع لنفس المواطن واستنادا على نفس المبادئ الدستورية واحتراما للإرادة الشعبية في وحدة ذاتها ووحدة قرارها ووحدة حقوقها ووحدة دولتها ووحدة إرادتها، خاصة وأن التفويض الذي لعضو مجلس الجهة وانتخابه وترشحه للرئاسة حقان مترابطان ومتكاملان لهما نفس مصدر الشرعية، وهذا الاختيار الانتخابي الذي حصلوا عليه ناتج أساسا عن ثقة الناخبين فيهم و في قدرتهم على التغيير في القضايا وإيجاد الحلول للمشاكل التي يرتئيها صاحب الصوت في هؤلاء المنتخبين، بما في ذلك قدرتهم على حسن اختيار مسيري هذه المؤسسات الجهوية.

لذلك فالخضوع لدولة القانون ولمفهوم الديمقراطية يفرض ألا يتضارب القانون مع تلك السلطة التي يملكها الناخب، والتي يفرضها باعتبارها الكاشفة الحقيقية على الإرادة الشعبية، أما وقد تم إقحام الشرعية الحزبية عبر التزكية فهو إجراء يحرم المواطنين من ضمانة أساسية في اختيار ممثليهم الذين سيديرون مؤسساتهم المنتخبة ويتم تحويل مقاصد هذا الاختيار، وهذا ليس فيه إخلال بالوحدة العضوية للنصوص الدستورية المنظمة لتمثيلية الأمة في تماسكها وتآلفها فقط، بل هو كذلك إلغاء للأهداف النهائية المرسومة لهذه النصوص، وبالتالي فالتزكية المشار إليها في الفقرة السادسة من هذه المادة في آخر المطاف ليست إلا نوعا من الإيحاء بضعف الإرادة أو غياب الحس الوطني أو عدم النضج السياسي لدى الإرادة الشعبية بشكلها الجهوي، وسينتج عن ذلك أن للأمة إرادة كاملة وللجهات إرادة قاصرة، وهذه الأحكام مجرد أحكام قيمة لا ترقى إلى طبيعة الممارسة السياسية في ظل دستورنا الذي منح للجهوية قيمة إضافية بربطها بالانتخابات، أي بإرادة الأمة وليس بتعيين مباشر من سلطة أخرى أو من أحزاب حتى تمارس هذه الأخيرة نوعا من الرقابة اللادستورية في البث في مدى اختيار إرادة الأمة جهويا لمن يتحملون المسؤولية في المؤسسات الجهوية، وبنوع من التحايل القانوني بخلق شرط التزكية من الحزب لعضو بمجلس الجهة يتحمل مسؤولية الإنابة على الأمة جهويا.

المادة 24 من مشروع القانون

لقد تدخلت هذه المادة في اختيار أعضاء مجلس الجهة لعضوية المكتب، حين اعتبرت أن الحد من مهام عضو في المكتب لأحد الأسباب المشار إليها في المادة 22 يؤدي إلى ارتقاء الأعضاء إلى مرتبة أعلى، وهذا فيه مساس بالحرية التي يملكها المستشار الجهوي في إعمال صوته، وأنه حينما قام باختيار أحد أعضاء المكتب في مرتبة معينة لا يجوز لغيره أن يتصرف فيه، وأن ارتقاء الآخرين لمواقع أعلى لم ينتخبوا لها أصلا هو مخالف لمفهوم استقلالية المستشار الجهوي ولمفهوم التدبير الحر للمؤسسة ولقداسة الاختيار، فلكل منصب دلالته وانعكاساته على التوازن داخل المجلس الجهوي، وأنه كان من الواجب استنادا على مبدأ توازي الأشكال أن يتم انتخاب العضو البديل بالاقتراع بدل الارتقاء، لأن الارتقاء بالمستشارين هو نوع من التحايل والالتفاف حول حرية المستشار في اختيار عضو المكتب والموقع الذي يراه فيه لائقا أو مناسبا.

إن مضمون المادة 24 فيه مخالفة للفصل 60 من الدستور باعتبار التصويت حق شخصي لممثلي الأمة مما يمكن القياس عليه بالنسبة لممثلي الأمة جهويا، خاصة وأن الفصل 11 من الدستور ينص على الحق في التمثيل الديمقراطي الذي يجد مشروعيته في ممارسة الحق في حرية الاختيار وطبيعة الاختيار والمكان المختار له.

المادة 54 من مشروع القانون

نصت المادة 54 على أن لرئيس المجلس وللحزب السياسي طلب تجريد عضو بمجلس الجهة، ومسألة التخلي عن الحزب يتعين التعامل معها بكثير من الحذر وإلا تحول رؤساء المجالس الجهوية والأحزاب إلى نوع من محاكم التفتيش المسيحية، خاصة وأنها مسألة ضمير مرتبطة بمفهوم تمثيل إرادة الأمة جهويا، فالمستشارون لهم الاستقلالية في اتخاذ القرار والاستقلالية في التصويت والاستقلالية في التعبير على المواقف، لكون ما يملكونه من سلطات تنبع من الشعب وليس من الأحزاب، وبالتالي لا يمكن التوسع فيما نص عليه الفصل 61 من الدستور، لكون التخلي عن الانتماء السياسي الذي نص عليه هذا الفصل يهم البرلمان بمجلسيه في ارتباط مع مفهوم الأغلبية والاستقرار الحكومي، وأن إعمال هذا النص يتعين أن يكون هذا التخلي له انعكاس سلبي على مفهوم التداول السياسي على السلطة واستمرارية الأغلبية من عدمها أي الاستقرار الحكومي، ولأنه حالة استثناء على حرية النائب المرتبطة بحقه في ممارسة قناعاته المستندة على ما فوض له من طرف الأمة بإرادتها، وعليه يجب التعامل معها بنوع من عدم التوسع في الإعمال والتفسير، أما وأن يمنح هذا القرار للحزب السياسي على إطلاقيته وكأنه سيف "إقليدس" سيجعل عضو مجلس الجهة في خدمة الحزب وليس في خدمة إرادة الأمة ومصالح الحزب فئوية وإرادة الأمة مسؤولية دستورية وشتان بينهما، خاصة وأن ممثلو الأمة وطنيا كان أم جهويا لا يخضع إلا إلى ضميره وحسن إرادته وإحساسه بتوجيهات الإرادة العامة أما والحالة هته فإنه سيتحول إلى موظف لدى حزبه ذلك الحزب الذي لسنا ندري كيف سيراقب ضميره خاصة وأن الحزب ليس سوى مجموعة من الأشخاص فإن هذا التصرف سيلغي حق التقدير في اتخاذ القرار لدى ممثلي الأمة جهويا لفائدة تقدير الأشخاص الموجودين في الحزب والذين يمثلون في نهاية المطاف الحزب ولا يمثلون الأمة جهويا، بل إن ذلك قد يمكن أن يكون مشروعا إذا كان الحزب هو الذي يعين أعضاء المجالس الجهوية، بينما وأنهم قد انتخبوا فإنه لا يجوز للحزب من خلال قرار صادر عنه أن يطعن في سلامة إرادتهم واحترام التزاماتهم بالقفز على إرادة الأمة التي تعلو الأحزاب نفسها، كأن الدستور ثم قلب رأسه على عقبه خاصة وأنها مسالة مرتبطة بالضمير لا يمكن الجزم فيها، علما أن الفصل 64 من الدستور نص على الحصانة المطلقة لممثلي الأمة في ممارسة حقهم في الرأي وفي التصويت، وأن لائحة الممنوعات المرتبطة بهذا الحق تكمن فقط في ثلاثة حالات، وبتفريع عن هذا التصور البرلماني في تمثيلية الجهة تجعل هذا الممنوع المنصوص عليه هو الذي يجوز تطبيقه على المؤسسات المنتخبة بكاملها حتى الجهوية، لأن الأصل في الأشياء هو الإباحة، بينما الممنوع فيجب أن يكون بنص كما هو الحال.

إن منح هذه السلطة للأحزاب قد تجاوز مفهوم التأطير المنصوص عليه في الدستور إلى دور المراقب على الضمير، وهذه الرقابة أصبحت تعلو إرادة الشعب بشكلها الجهوي، وهذه الإرادة الشعبية هي في حقيقة الأمر سابقة على الأحزاب وأعلى منها فالسيادة للأمة (الفصل2) وليست للأحزاب، ذلك أن الترشح لرئاسة الجهة والتصويت عليها جزء لا يتجزأ من مهمة النيابة عن الأمة ولا يمكن فصلهما، فالعضو في مجلس الجهة يناقش المواضيع العامة وقضايا المواطنين بصفته نائبا جهويا، ولكن عندما نشترط عليه تزكية الحزب حين يريد أن يترشح داخل هذه المؤسسات فيصبح يتصرف وكأنه نائب حزبي بدل نائب للأمة جهويا، مما يجعل الأحزاب تشارك العضو مهام النيابة وهي مهمة تستند على عقد ثنائي بين العضو وممثلي الأمة.

المادة 79 من مشروع القانون

منحت المادة 79 للقضاء الاستعجالي الحق في إصدار الحكم في غياب الأطراف بشكل مخالف للدستور وللقانون، ذلك أن القضاء الاستعجالي يصدر أوامر في حالة المعاينة ولا يصدر أحكاما، وأن البث في وجود حالة الامتناع تقتضي المواجهة بين الطرفين، لكون للمدعي أسبابه وأهدافه وللمدعى عليه سنده وحيثياته ووسائل دفاعه، وأن القاضي حينما يقارن هذه بتلك يقرر مدى شرعية الامتناع من عدمه، كما أن الموضوع هنا مرتبط بضرورة احترام حقوق الدفاع وشروط المحاكمة العادلة و درجات التقاضي، وعليه فإصدار حكم ابتدائي يتسم بالنهائية مخالف لمفهوم درجات التقاضي التي هي أساس المحاكمة العادلة المضمونة دستوريا، بل إن هذه المادة التي نصت على إمكانية صدور حكم في غياب الأطراف مخالفة كذلك للضمانات الدستورية الأخرى وبخاصة تلك الكامنة في مبدأ حقوق الدفاع وشروط المحاكمة العادلة وعلنية الجلسات والمسطرة التواجهية التي تقوم في جوهرها على إتاحة الفرصة المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص ادعاءاتهم، استنادا على قاعدة قانونية سبق للمشرع أن شرعها، وكذلك إلزامية تعليل الأحكام التي يكون مضمونها تعقيب القضاء على دفوع الأطراف، وهي الوسائل المثلى لضمان الحقوق ومراقبة عمل القضاء ليكون القرار الصادر عنه مؤكدا للحقيقة القانونية ومبلورا لمضمونها فيما يهم الحقوق المتنازع عنها، و بالتالي كان لابد من توفير أفضل الضمانات فيما يخص هذا الموضوع بالذات، لكون الإشكال لا يهم هنا موقع المسؤولية المستهدف في الدعوى، لكنه أخطر لأن النتيجة تكمن في إلغاء إرادة الأمة وإبطالها، والسيادة التي تمارسها من خلال ممثليها، ومفهوم السيادة خارج عن سلطة القضاء، أي بإيحاء من أن موضوع الدعوى لم يحترم هذه الإرادة وممارسة هذه السيادة وأخل بالتزاماته، وعليه يجب أن تكون الوسيلة ذات بعد عادل متشدد في احترام إرادة الأمة بإقرار نوع من ضمان التوازن و ضرورة احترام إرادة الأمة في اختيار ممثليها، أما بعد أن أجمعت الأمة جهويا على شخص فيلغيه حكم قضائي على شكل عقوبة من خلال إجراء تلقائي ودون حكم قضائي، وبذلك نخل بالعدالة وباستقلالية السلطة القضائية، فتصبح هذه الإجراءات المسطرية مجرد إجراءات صورية ومنتحلة لمفهوم العدالة لإخلالها بالضمانات الرئيسية التي لا يجوز إغفالها، والتي تقوم في جوهرها على روح الدستور في قرائته الديمقراطية وعلى سند مبدأ استقلالية السلط، ومن ثم تكون الأحكام معرضة للتوظيف السياسي بين الجهاز الإداري وبين من يملك سيادة الأمة جهويا خاصة وأن الأحكام القضائية من المفروض أن تكون نابعة من جهة تصدر الأحكام باسمها وتنبع سلطتها من البيعة التي تشكل الإرادة الشعبية جزء منها، مما يجعل هذه المسطرة مخالفة للدستور لأن هذا التصرف يسهل إلغاء شرعية إرادة الأمة في تضارب مع مفهوم الإمامة الكبرى منبع البيعة وهي سلطة القضاء ومن تصدر الأحكام باسمه، وعليه فسنجد أنفسنا في مواجهة بين البيعة كتعبير على إرادة الأمة عند صدور أحكام باسم من يملك سلطة الإمامة الكبرى التي هي القضاء، ضد من يملك نيابة الأمة من خلال الإرادة الشعبية، فهل نقبل أن تصدر أحكام باسم الملك بشكل خاطئ مسطريا في مواجهة من انتخب واختير من أمة في انتخابات عادلة على الأقل مسطريا؟.

إن هذا النص أهدر بشكل مخيف الاختصاص الذي منحه القانون للقضاء، وانتقص منه عندما ألغى مسألة تعدد درجات التقاضي، وأخل بنظامنا القضائي وحصن القرار الإداري من الرقابة القضائية، وهذا يخل ليس فقط بمبدأ المساواة في مفهومه العام ولكن كذلك بمفهوم التوازن بين أجهزة الدولة عندما تكون مهامها تتقارب من حيث الموقع المؤسساتي، وأن ترك تصرفات الحكومة ممثلة في والي الجهة من خلال هذا التحصين لا يعتبر مساس للحقوق التي كفلها الدستور فحسب، ولكن كذلك تحويل القضاء إلى طرف من أطراف الدعوى، لكون قراره سيبقي على طلب منفرد صادر عن المدعي في غياب المدعي عليه، لذلك النص جاء مخالفا حتى لحقيقة الواقعة القانونية، لكون والي الجهة هو الذي يحيل الملف على القضاء، وأن البث في غياب الطرفين في حقيقته هو غياب لطرف واحد فقط هو المدعى عليه مادام أن والي الجهة هو محرك الدعوى وهو صاحب الإحالة.

وهكذا يتضح بقراءة سريعة لمواد المشروع المشار إليها أعلاه تناقضها ولبسها ليس مع الدستور فحسب ولكن حتى مع روحه كذلك، مما يتطلب من المؤسسات المعنية إعادة النظر في مضمونها حتى تصبح مواكبة ليس للقانون والدستور فقط ولكن حتى للطموح العام في إرساء جهوية متقدمة حقيقة