في تطور لافت وغير متوقع تماما، إلا لدى من يحبون المجازفة في تكهناتهم، التحق ثلاثة من الإسلاميين المنتمين إلى ثلاث تيارات إسلامية متباينة بحزب سياسي مغربي صغير ولا تأثير له، مدشنين مرحلة جديدة في المشهد السياسي المغربي، في أفق الانتخابات المقبلة.

يتعلق الأمر بثلاثة أشخاص هم عبدالكريم الشاذلي، أحد الوجوه المعروفة في تيار السلفية الجهادية، الذي قضى تسع سنوات في الأسر على خلفية تهمة الإرهاب قبل أن يستفيد من عفو ملكي عام 2011، وهو من المعدودين ضمن من يطلق عليهم إعلاميا "مشايخ السلفية الجهادية بالمغرب"؛ وعبدالكريم فوزي، أحد قدماء حركة الشبيبة الإسلامية المحظورة التي انتهت في سبعينات القرن الماضي على أثر اتهامها بالوقوف وراء اغتيال الزعيم النقابي اليسار عمر بن جلون عام 1975؛ وإدريس هاني، الوجه الشيعي المعروف، الذي بدأ حياته في التشيع بوضع كتابات تحت إسم مستعار تخوفا من المواجهة، قبل أن يصبح وجها مألوفا في المغرب.

أما الحزب فهو حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، الذي تأسس عام 1997 كنتيجة لانشقاق داخل حزب الحركة الشعبية، ويرأسه محمود عرشان الذي عمل في سنوات السبعينات والثمانينات عميدا للأمن في مرحلة ما سمي بسنوات الرصاص في البلاد؛ وهو حزب صغير بدون تأثير، دخل منذ سنوات عدة في الثلاجة وكاد يطويه النسيان، بسبب ماضي رئيسه في الأمن، إلى أن أخرجه هؤلاء الثلاثة إلى دائرة الضوء.

ما حصل يطرح سؤالا حول المفارقة السياسية للحدث، فمن ناحية جاء اختيار هؤلاء الثلاثة لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية دفعة واحدة مفاجئا وغير متوقع، بسبب الخلفية السياسية للحزب وموقعه في المشهد السياسي في المغرب، خاصة وأنه عرف دائما بالتبعية المطلقة للدولة وعدم الاستقلالية، ولم يكن أبدا من الأحزاب التي تطرح ورقة المرجعية الدينية، وإن لم يكن يطرح قضية المرجعية على الإطلاق. ومن ناحية ثانية، شكل تعايش شخص شيعي مع مكونات سنية داخل الحزب تناقضا واضحا، خاصة وأن الشاذلي معروف بميولاته السلفية المتشددة، وبمواقفه تجاه التشيع، الأمر الذي يجعل تواجده إلى جانب رجل شيعي مليئا بالألغاز.

في تعليقاته على ذلك، قال الشاذلي إن إدريس هاني أسر له بأنه من أهل السنة والجماعة، ونفى أن يكون من الشيعة المتطرفين أو ممن يلعن الصحابة، بل زاد بأنه غير متأكد من تشيعه؛ والظاهر أن الشاذلي ليست له معرفة بالجذور الفكرية لهاني ولا بمؤلفاته القديمة التي ألفها تحت أسماء مستعارة، من بينها كتابه "هكذا شيعني الحسين"، الذي ألفه تحت إسم "إدريس الحسيني"، فالرجل خرج من جلسات السلفيين إلى السجن، ومنه إلى البيت، ثم من البيت إلى الحزب، من دون أن يلم بالخارطة السياسية والفكرية الموجودة في البلاد، وهو الأمر الذي يظهر الفجوة الحاصلة بين الشرائح الكبرى في التيار السلفي وبين الواقع المتحرك.

وبعيدا عن ذلك، تبدو هذه الخطوة كمحاولة لسحب ورقة المرجعية الإسلامية من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي من جهة، ومن جهة ثانية كمحاولة لدفع جزء مهم من التيار السلفي إلى خوض غمار العمل السياسي، في تجربة جديدة بالمغرب، سوف يكون لها أثرها في المحطات الانتخابية المقبلة.

فقد تعهد الشاذلي، بحسب تصريحاته، بجلب عدد أكبر من السلفيين، الذين كانوا رفقاءه في السجون أو خارجها، إلى الحزب، خلال الأشهر القادمة، وإقناعهم بالعمل السياسي من داخل الهيئات الحزبية القانونية الموجودة، والقطع مع فكر التطرف والتشدد، الذي كان يرى في الحزبية والتحزب رجسا من عمل الشيطان وأداة للتفتيت.

تجربة حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية سبقتها قبل قرابة ثلاث سنوات تجربة مشابهة خاضها حزب النهضة والفضيلة، الذي أنشأه عام 2005 أشخاص انشقوا عن حزب العدالة والتنمية؛ حيث انخرط فيه بعض السلفيين الذين كانوا نزلاء السجون في الأعوام الماضية، منذ تفجيرات الدار البيضاء في 16 مايو 2003، وأفرج عنهم بعفو ملكي عام 2011. وتشكل التجربتان اليوم محكا لقياس مدى استعداد السلفيين لدخول العمل السياسي بشكل تدريجي، ولكن من داخل أحزاب سياسية غير مشكوك في ولائها للدولة، مع الحرص على توزيعهم بين مختلف الأحزاب المتواجدة، دون السقوط في مغامرة تركيزهم في تنظيم محدد، وكذا ملاحظة إلى أي حد يمكن للسلفيين أن يندمجوا في الصيرورة السياسية والاجتماعية والثقافية للبلاد.

ويتوقع أن تكون المواجهة على أشدها بين حزب العدالة والتنمية والحزبين المشار إليهما، خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وذلك على أساس تشتيت أصوات الناخبين ذوي الميولات المحافظة، علما بأن الناخبين ذوي التوجهات السلفية غالبا ما كانوا يشكلون رصيدا انتخابيا سهلا لفائدة الحزب الذي يقود الحكومة اليوم، في ظل غياب تنظيمات سلفية أو وجوه معروفة في الأوساط السلفية داخل الأحزاب يمكن لتلك الأصوات أن تتجه إليها. ويزداد هذا الاحتمال مع ما يلاحظ من ضعف في أداء المعارضة المغربية الحالية، وعدم قدرتها على مجابهة الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية، الذي ما يزال يستلهم قوته من الحساسية الدينية ومن تدين المغاربة.

 

إدريس الكنبوري