اختار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن يقدم رأيا نقديا لمشروع القانون المنظم لمهنة الطب، الذي كان موضوع جدال بين وزير الصحة الحسين الوردي، وبين الأطباء، وذلك بسبب تنصيص مشروع القانون على السماح لأصاحب رؤوس الأموال من غير الأطباء بالاستثمار في المصحات الخاصة، حيث اعتبر المجلس بأن هذا القانون "لا ينخرط في إطار سياسة وطنية للصحة، مندمجة، منصفة اجتماعيا، ومستدامة اقتصاديا".

وأكد المجلس الاقتصادي على أن مشروع القانون الجديد الذي يراهن عليه وزير الصحة بشكل كبير، "لا يساهم في تحسين عرض العلاجات على مستوى الإنصاف"، سواء فيما يتعلق بالوصول إلى العلاج أو تحقيق التوزيع العادل للعرض الطبي بين مختلف جهات المغرب، كما انتقد المجلس الذي يرأسه نزار بركة تركيز القانون على هدف جلب الاستثمارات لقطاع الصحة دون الإشارة إلى الإنصاف في الولوج إلى العلاج أو تعميم التغطية الصحية، واعتبر أن هذه المسألة "غير ملائمة".

كما لفت المجلس إلى أن مشروع القانون لا يتضمن أحكاما تضمن حق المريض في سرية المعطيات الطبية، وعدم التمييز، والإغاثة الطبية والتحمل في الحالات الاستعجالية، والرعاية واستمرارية العلاجات، كما انتقد خلو مشروع القانون من أحكام تلزم المريض وأسرته باحترام القانون الداخلي، وإلزامه بدفع مصاريف العلاج، مهما كانت نتائج هذا العلاج.

وحذر المجلس من كون مشروع القانون قد "يمس باستقلالية الأطباء"، وذلك نظرا لكون مشروع القانون وعلى الرغم من تنصيصه على كلمة الاستقلال المهني لأكثر من 11 مرة، إلا أنه لا يقدم تحديدا واضحا لمضمون هذا الاستقلال، كما توقع المجلس أن يصطدم "استقلال" الأطباء في القطاع الخاص بالتعرض لضغوطات مالية من شأنها "المس باستقلال الأطباء"، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى الانزلاق نحو مخاطر "الانتقاء غير المشروع من بينها اختيار الطبيب للأمراض التي سيعالجها وذلك بسبب تكلفتها".

ومن بين النقاط التي طالها تشريح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لمشروع قانون الطب هي طريقة مراقبة المؤسسات الصحية الخاصة والعمومية، ذلك أن تولي مهام المراقبة من طرف ممثلين عن الإدارة حينا، وتوليها من طرف السلطة الحكومية حينا آخرا، "يبين انعدام دقة نص القانون وبأن المشرع عجز عن تقديم تحديد دقيق لهيئة المراقبة"، وكشف المجلس على أن الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء التي تعتبر هي الأخرى هيئة للمراقبة لم يتم استشارتها بشكل رسمي أثناء وضع مشروع القانون.

هذه الملاحظات التي أبداها المجلس حول مشروع القانون دفعته إلى تقديم مجموعة من التوصيات، من بينها توصيات تتعلق بتنظيم علاقة الأطباء في المصحات الخاصة مع مالكي هذه المصحات من غير الأطباء، حيث أوصى المجلس بأن يتضمن مشروع القانون الجديد على أحكام واضحة تحدد العلاقات التراتبية والوظيفية بين مالك المصحة والمدير والطبي، والمدير الإداري والمالي للمصحة.

واقترح المجلس أن تخضع جميع العقود المبرمة بين الشركات المستثمرة في المصحات الخاصة وبين المدير الطبي إلى الإذن المسبق من قبل الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء، وأن تشترط في هذه العقود عدم تضمنها لأي بند يتعارض مع أخلاقيات المهنة، كما أنه يتعين على القانون الجديد أن يضمن عدم فرض المستثمرين في المصحات الخاصة وتحت أي ظرف من الظروف، قواعد تدبيرية تتعارض مع أخلاقيات مهنة الطب، ولا أن يفرض هؤلاء المستثمرين على الأطباء أهدافا ربحية "غير معقولة".