بِلَهْجةٍ طغَى عليْها طابعُ التحدّي، خاطب الأمين العامّ للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، محمد الصبار، ثُلّة من الحقوقيين في ندْوة نظمها منتدى الكرامة لحقوق الإنسان حول موضوع "حصيلة حقوق الإنسان في المغرب أية حصيلة؟ قراءات متفرّقة"، (خاطبهم) قائلا "أتحدّى أيّا كان أن يُبرزَ أوْجه عدم استقلال المُؤسّسة".

واسترسل الأمين العامّ للمجلس الوطني لحقوق الإنسان قائلا "قدْ يُقال إنّ المجلس أحدث من طرف جلالة الملك، والتجاربُ العالميّة تُبيّن أنّ المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تُحْدَث إمّا من طرف رئيس الدولة، أو رئيس الحكومة، أو رئيس البرلمان، والمغرب اعتمدَ الخيار الأول"، مُبْديا إصراره على أنّ المجلس مؤسّسة مستقلّة.

وعارَض رئيس الجمعية المغربيّة لحقوق الإنسان أحمد الهايْج ما ذهب إليه الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقال في تعقيبه على كلامه "المجلس هو مؤسسة وسيطة وليس جزءٍ من الدولة، ومُهمّته تقييم وضع حقوق الإنسان في المغرب، والحديث بلغة تتماهي مع خطاب الدولة يعتبر جُزءً من الانتقادات المُوجّهة للمجلس.

وفيما استند الصبار على حصول المجلس على اعتماد من طرف لجنة تنسيق المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والذي صنّفه في الدرجة (أ)، للبرهنة على أنّ المجلس مستقلّ، ردّ الهايج قائلا "تصنيف المجلس ليْس دليلا كافيا لنقول إنّه مستقلّ، وهناك مؤسسات حقوق الإنسان في دُول غير ديمقراطية حصلتْ بدورها على اعتماد لجنة تنسيق المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان".

وعلى المنوال نفسه سار عبد العالي حامي الدّين، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان الذي ردّ على الصبار بالقول إنّ موضوع استقلالية المجلس الوطني لحقوق الإنسان يجب التعامل معه بنوع من النسبيّة، موضحا أنّ تركيبة المجلس لا تستجيب لمعايير مبادئ باريس كُلِّها، ولا تتوفّر فيه كل شروط الاستقلالية، "غير أنّ هذا لا ينقص من دوره، لكن يمكن بلوغ الأفضل في المستقبل".

وأبْدى الحبيب بلكوش رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية اختلافه مع رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حينما قال إنّ المجلس لديْه طموح لاحتضان الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وأنّ كلّ الشروط التي تُؤهّله لذلك متوفّرة فيه، وقال بلكوش مخاطبا الصبار، "من السابق لأوانه أنْ يقول أحد إنّه صاحبُ الحق لاحتضان الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب".

وأضاف بلكوش أنّ موضوع احتضان الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بعد تقديم المغرب أوراق مصادقته على البروتوكول الاختياري المُلحق باتفاقية مناهضة التعذيب أواخر شهر نونبر الماضي، يجب أن يكون محلّ نقاش عمومي، قبْل إقرار الجهة التي ستحضتن الآلية، وردّ الصبار على بلكوش بالقول "نحن لمْ نقلْ إنّنا الأحقّ باحتضان الآلية، ولكنّنا أبديْنا استعدادنا لذلك".

ودافع الصبار عن حصيلة المغرب في مجال الحقوق والحريات، وقال إنّ تقييم الواقع المغربي يجب أن يكون تقييما موضوعيا، داعيا إلى التعامل مع مؤشّرات التقييم الدولية بنوع من الحذر، مُعتبرا إيّاها "لُعبة تُستعمل للوصول إلى نتائج مُتحكّم فيها مُسبقا"، وزاد "في مجال الصحافة يحتلّ المغرب رُتبة أدنى من تونس، رغم أنّ التضييق على حرية الصحافة في تونس أكثر من المغرب".

وفي مجال مشاريع القوانين الجديدة، التي أعدّتها الحكومة، تحدّث الصبار عن قانون مُدوّنة الصحافة وقال إنّ غالبيّة توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان وُجِدتْ في نصّ المشروع الجديد، فيما اعتبر مشروعَ قانون المسطرة الجنائية الذي أحالتْه وزارة العدل والحريات على الأمانة العامّة للحكومة "تطوّرا في الطريق نحو التصديق على اتفاقية روما"، والتي لم يُصدِّق عليها المغرب بعد.

غيْر أنّ الصبار وإن اعتبر أنّ هناك "نفحة حقوقية في السياسات العمومية للمغرب"، استدرك أنّه ما زالت هناك تجاوزات وانتهاكات، كما هو الحال في بلدان أخرى، مُعتبرا أنّ ذلك "شيء طبيعي، والذي ليس طبيعيا هو عدم التصدّي لهذه الانتهاكات، ولهذا يتمّ سنّ القوانين"، وأضاف أنّ هناك ضعفا في الخضوع للقوانين، "أحيانا من طرف الدولة، التي تمتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية".

وأشار الصبار إلى منْع أنشطة عدد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية، مُذكذرا بالحُكم الصادر ضدّ وزارة الداخلية لصالح الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بعد إقدام سلطات الرباط على منع ندوة كانت تعتزم تنظيمها شهر شتنبر الماضي، داعيا إلى أن يتحوّل المغرب إلى "بورصة حُرّة لتداول الأفكار والآراء"، وأضاف أنّ المغرب لم يصل بعد إلى مرحلة تمتيع المواطنين بجميع حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولمْ تَرُقِ المُقارنة التي عقدها الأمين العامّ للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حينما قال إنّ انتهاكات حقوق الإنسان التي ما زالتْ تُمارس في المغرب تقعُ في دول أخرى رئيسَ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؛ أحمد الهايْج اعتبر أنّ مُقارنة المغربِ مع دول أخرى غير ديمقراطية لا يجوز، "وإلا فهذا معناه أنْ نرضى بالواقع الحالي بداعي أنّ الانتهاكات تحصل في بلدان أخرى"، يقول الهايج، مُعتبرا أنّ هذه المُقارنة تعتبر "قياساً فاسدا لوضع حقوق الإنسان".

ولمْ تخْل ندوة "حصيلة حقوق الإنسان في المغرب أيّة حصيلة؟ قراءات متفرّقة"، من "تشنج" بين الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ قال الصبّار موجّها كلامه للهايج "الفرق بيننا وبينكم هو أننا نعترف بالأشياء الإيجابية، إذا حصلتْ، وأنتم لا"، ورد الهايج بالقول "دوْرُنا هو أن ندافع عن حقوق الإنسان وليس أن نُساير الخطاب الرسمي للدولة التي لها إمكانياتها ووسائل إعلامها للترويج لخطاباتها".