يعرف المشروع الداعي إلى إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط انتعاشة بالتوازي مع ارتفاع حدة التوتر حول البرنامج النووي الإيراني، وبداية تجند لبعض منظمات المجتمع المدني في المنطقة في هذا التقرير، استعراض لآراء ومواقف أعضاء أول دفعة من متطوعي الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط .

 

مع تنامي الجدل حول البرنامج النووي الإيراني، واستمرار الغموض بخصوص القدرات النووية الإسرائيلية، وظهور طموحات نووية عسكرية في منطقة الخليج، وتكاثر التكهنات باحتمال توجيه ضربة إسرائيلية للمراكز النووية الإيرانية، لا يستبعد نشطاء أن يشهد المشروع الداعي إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط، تفعيلا من جديد بعد ركود استمر لأكثر من 30 عاما أي منذ بدء الحديث عنه ومن المتوقع أن يعرف العام الجاري تنظيم مؤتمر حول إقامة منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط وفقا لتوصية أقرها مؤتمر مراجعة معاهدة منع الإنتشار النووي سنة 2010. ولكن، ورغم عقد الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاجتماع تحضيري في فيينا في نوفمبر 2011، إلا أن المعطيات النهائية حول مكان وزمان انعقاد المؤتمر لم تتوفر بعد لذلك يبدو من الأهمية بمكان، وخاصة على ضوء التغييرات التي أحدثتها ثورات الربيع العربي في عدد من بلدان المنطقة، أن يبادر ممثلون عن منظمات المجتمع المدني، وفي الشرق الأوسط بوجه خاص، إلى التجند للمرة الأولى لخوض تجربة التعبير عن آرائهم في ملف امتلاك السلاح النووي الذي ظل مقتصرا على القيادات الأمنية والسياسية العليا في بلدان المنطقة بما في ذلك إسرائيل وإيران.

 

بداية تحرك "جاد" في الشرق الأوسط

في الواقع، تعود فكرة إقامة منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط إلى سبعينيات القرن الماضي، إلا أنها المرة الأولى التي يتم فيها "تكوين ممثلين إقليميين للحملة في منطقة الشرق الأوسط من كل من مصر ولبنان وسوريا والبحرين وإيران وإسرائيل"، حسبما أفادت به آرييل دونيز، ممثلة فرع الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط التي مقرها في جنيف وتذهب السيدة آرييل في حديث  إلى أنه "يجب أن نفرّق بين رغبة الحكومات وبين رغبة الشعوب. فشعوب منطقة الشرق الأوسط شأنها في ذلك شأن باقي الشعوب ترغب في العيش في سلام. وقد أعيتها الحروب والنفقات العسكرية والتوترات والإنتهاكات لحقوق الإنسان وما إلى ذلك. وهدفنا هو العمل على إنهاء هذه التوترات بفتح النقاش حول إلغاء شامل للأسلحة النووية" في الوقت نفسه، تعترف السيدة آرييل دونيز بأن "الأوضاع ملتهبة في الوقت الحالي في الشرق الأوسط. وهذا ما يساعد على طرح موضوع منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط على طاولة المفاوضات إلى جانب فتح مفاوضات السلام الأخرى"، وتضيف أن "ما نسعى إليه من خلال هذه الحملة هو إشراك الشعوب في هذه العملية لتحقيق هذا الهدف" تساندها في هذه النظرة السيدة بارعة الأحمر من لبنان، المسؤولة الإعلامية عن الحملة في الشرق الأوسط (التي فضلت الحديث معنا منفردة حتى لا تنتهك قوانين بلدها التي تحظر عليها المشاركة في مؤتمرات يتواجد فيها مواطنون إسرائيليون)، وهي ترى أن "سبب هذا الغليان في منطقة الشرق الأوسط هو وجود أسلحة نووية، ووجود سباق نحو التسلح النووي الذي أصبح يشكل عامل تفوق عند الدول بعد إسرائيل وباكستان ثم إيران ولربما السعودية قريبا".
 
في المقابل، ترى شارون دوليف من منظمة السلام ونزع السلاح في إسرائيل أن "منطقة الشرق الأوسط تعاني من  عدم استقرار بسبب الأزمة السياسية والتي يضاف لها تواجد أسلحة دمار شامل"، لذلك فهي تشدد على أهمية المبادرة السلمية التي تتقدم بها منظمتها حيث "لا تكتفي بالحديث عن نزع السلاح بل عن نهاية حالة العداء في المنطقة (بما يعني تطبيع العلاقات بين دولها)"  أما السيدة آرييل دونيز، العضوة في الفرع الأوروبي للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية فترى أنه "يجب انتظار اتضاح الأمور بخصوص موعد عقد المؤتمر الدولي حول إقامة منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط  في نهاية عام 2012، ومعرفة ما إذا كانت ستتم بمشاركة كل الأطراف"، على حد قولها.

 

الإنطلاق من الصفر..

ميدانيا، تتخذ حملة التوعية بالأخطار الناجمة عن الأسلحة النووية منهجا تعليميا يبدأ من الصفر في المنطقة حيث تهدف، كما يقول الدكتور أحمد عبد المقصود سعدة، مسؤول الحملة في مصر إلى "التوعية والتثقيف والتعليم  للشباب ولعموم الناس على مستوى مصر بخصوص الأخطار الصحية والإنسانية والإجتماعية والبيئية للأسلحة النووية"، ويعزو اختيار هذا التمشي إلى أنه "يوجد لدينا نقص حاد في المعلومات في هذا الجانب وهذا ليس فقط في مصر بل في عموم البلاد العربية". مع ذلك، يؤكد الدكتور أحمد عبد المقصود سعدة، أن هذا الجهل ليس عائدا إلى أن الإهتمام بالسلاح النووي لا يمثل أولوية بالنسبة لعامة الناس فحسب، بل لأنه "كان هناك تغييب لهذه القضية" أصلا هذا التغييب لا يقتصر على مصر أو الدول العربية بل يشمل إسرائيل أيضا، إذ تقول شارون دوليف من منظمة السلام ونزع السلاح: "إن إسرائيل التي تدعي بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة إذا كانت تسمح بالمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات الإجتماعية  فإنها لا تسمح بتلك المشاركة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية". وترى دوليف أن المواطنين في إسرائيل "فقدوا الثقة في قدرتهم على التغيير في هذا الميدان بل حتى الثقة في أنهم قادرون على التفكير في المسائل الأمنية" وهو ما تعتبره "أمرا خطيرا يجب العمل على تغييره من خلال هذه الحملة".
 
ومن أجل تدارك هذا النقص في التوعية، هناك برامج تستهدف طلبة الجامعات والمدارس وكذلك مقترحات بإضافة بعض الفصول في الكتب الدراسية حول الأسلحة النووية، إضافة إلى إقامة تعاون مع المنظمات المعنية بالقضايا الصحية والبيئية من جهتها، ترى السيدة بارعة الأحمر، المسؤولة الإعلامية عن الحملة في الشرق الأوسط أن "الشعوب العربية التي بدأت بالتغيير في ثورات الربيع العربي وأعطت رأيها في التغيير السياسي، بات لها الحق في أن تعطي رأيها في مستقبل أولادها وفي الأمور الأمنية.. وقضايا السلاح جزء من حياتنا اليومية في الشرق الأوسط". وتضيف "هناك تركيز على الإعلام وعلى فئة الشباب ومنظمات المجتمع المدني لتوضيح مخاطر الأسلحة النووية وتكلفة امتلاكها ونفقات صيانة وتحديث منشآتها كل عشر سنوات، بالنسبة لسلاح قد لا يُستعمل بالمرة وإذا ما تم استخدامه في منطقة جغرافية مثل الشرق الأوسط فقد يقضي على الجميع" وبحكم أن مصر هي الدولة التي بادرت بالدعوة إلى تنظيم مؤتمر 2012 الرامي إلى جعل الشرق الأوسط منطقة منزوعة من السلاح النووي، يرى الدكتور أحمد عبد المقصود سعدة، أنه "من أجل أن تنجح  مصر في ذلك، فيجب أن يُساندها وعي شعبي حتى تكون هناك قاعدة تتحرك عليها الحكومة ولضمان الإستمرارية" أيضا.    

 

اختيار جنيف  

في سياق متصل، اختارت "الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية" التي يوجد مقرها الرئيسي في استراليا، أن يكون فرعها المعني بأوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط في مدينة جنيف التي "تتميز بكونها مقرا لمؤتمر نزع السلاح الذي يعتبر المحفل الدولي المعني بمناقشة مسالة نزع السلاح، ومع أنه لم يحقق نتائج مرضية منذ سنوات إلا أنه يمثل المحفل الذي يجمع الدبلوماسيين المشرفين على ملفات نزع السلاح الأمر الذي يسمح لنا بالإتصال مباشرة بالدول من أجل خلق هذه الصلة بين الحكومات والشعوب بهدف التوصل إلى الهدف المنشود أي الالغاء التام للأسلحة النووية"، مثلما تقول السيدة آرييل دونيز وحسب السيدة بارعة الأحمر، سمح الإجتماع الذي عقد في جنيف لتكوين ممثلي الحملة في منطقة الشرق الأوسط بـ "الخروج  بتصور لاستراتيجية توعية ستنطلق في شهر مارس 2012 على مستوى منطقة الشرق الأوسط". ومع أنه سجل غياب لمنطقة المغرب العربي (حيث اقتصرت المشاركة العربية على مصر ولبنان والبحرين وسوريا)، فإن السيدة بارعة الأحمر تعزو ذلك إلى أن "الحملة ليست إلا في بدايتها" مضيفة "إننا نمثل - بانضمامنا إليها قبل شهرين فقط - نواة الحركة في المنطقة العربية والتي ستعرف توسعا في المستقبل إلى كافة مناطق المغرب العربي بالتأكيد".    

 

محمد شريف