هل تنفع الحرب على الارهاب في القضاء على التطرف الديني الذي هو واحد من أهم مصادر الارهاب عبر التاريخ؟

قد يكون العكس هو الصحيح. فالتطرف الديني وإن اتخذ طابعا مسلحا في أغلب الأحيان فإنه في الأساس مشكلة عقائدية، تستمد طاقتها من فشل المجتمعات في احتواء أفرادها وتوجيههم في المسار الذي يخدم الحياة السوية.

إن غياب مفردات الحياة السوية بما فيها المساواة والعدالة ووضوح المعادلة التي تحكم الواجبات والحقوق والحرية في عدد من مستوياتها هو سبب رئيس في لجوء بعض الافراد إلى سلوك طريق المؤامرة ذات الطابع الديني. وهي مؤامرة تقوم على اساس الرغبة في اصلاح المجتمع الذي فسدت أحواله من اجل احياء أسباب استقامته المتوهمة عن طريق اعادته إلى مبادئ الدين.

هكذا فان المشكلة في الاساس ليست ذات طابع امني، انما صارت كذلك بسبب معالجتها بالطريقة التي تمكن المجتمع من اعادة أبنائه الضالين إليه لو عن طريق القوة.

وهنا يكمن سبب فشل الحلول الامنية في مواجهة تحول المتطرفين إلى العنف والمجابهة المسلحة التي صارت قوى اقليمية ودولية كثيرة ترعاها وتمولها.

وما شهدته المنطقة العربية خلال السنوات المنصرمة وما تشهده اليوم هو أكبر دليل على اخفاق الاجهزة الامنية في مواجهة ظاهرة اجتماعية هي ليست من اختصاصها، ناهيك عن أن تلك الاجهزة كانت تخرج أجيالا من الارهابيين من حيث لا تدري.

اما اللجوء الى الحرب الشاملة على طريقة التحالف الدولي لمحاربة الارهاب فانه في أحسن أحواله سيكون بمثابة حصاد للزرع لا قلع للجذور.

بمعنى أن الامور لن تكون في أحسن أحوالها في العالم العربي إن تمكن التحالف الدولي مثلاً من القضاء ولو مؤقتاً على تنظيم داعش.

لا لشيء إلا لأن البيئة التي انتجت داعش لا يزال في إمكانها أن تنتج جماعات دينية متطرفة قد تكون أسوأ وأكثر وحشية من داعش.

غير أن التحالف الدولي لا يهمه ما يمكن أن ينتج من مغامرته من أضرار ما دامت الدول المعنية بتلك الظاهرة لا تفكر إلا بما يمكن أن ينقذها من تهديدات الجماعات المسلحة التي صارت تقف على أبواب العواصم كما هو حال بغداد ودمشق أو أنها اقتحمت تلك العواصم وصارت تحكم عليها الخناق كما هو حال صنعاء وطرابلس.

في كل الاحوال فإن التفكير في مستقبل ظاهرة التطرف الديني لا يزال محصورا في ردود الافعال في مواجهة خطر نمو وتمدد واتساع تأثير تلك الظاهرة في الحاضر، متمثلا اليوم بـ"داعش" والجماعات المسلحة التي صارت تعلن عن ولائها له.

من المؤكد أن تلك الجماعات المسلحة قد استفحل أمرها وصار من الصعب على الدول المبتلاة بها أن تتصدى وحدها لمهمة مكافحتها والقضاء عليها. غير أن الثابت أيضا أن لجوء تلك الدول إلى الاستعانة بالقوى الأجنبية (الكافرة من وجهة نظر المتطرفين) سيغذي تلك الجماعات بأسباب حياة جديدة.

فالتفكير السائد بين الكثير من المتحمسين لظاهرة العودة إلى الدين من جهة كونها محاولة لدرء مفاسد الدنيا وأصلاح المجتمعات يكاد يجمع على أن هناك حرباً صليبية على الإسلام، ولا وجود لمن يمثل الإسلام من وجهة نظر اوللئك المتحمسين الذين أعمتهم كارثة انفصالهم عن المجتمع عن رؤية الحقيقة سوى تنظيم داعش الذي صارت طائرات التحالف الدولي تستهدف مقراته وتجماعته.

لقد تم اختزال الإسلام بداعش. وهو أمر بسيط ومريح يتم من خلاله استدراج الكثير من الشباب المسلم إلى مصيدة التطرف الديني ومن ثم إلى متاهة العنف الدموي.

وما يؤكد ما ذهبنا إليه أن داعش قد انتعشت أكثر مع ضربات التحالف الجوية. وهو ما أدركته الادارة الاميركية وحاولت أن تستدركه من خلال ارسال قوات برية الى العراق لتتخذ الحرب على الارهاب طابعاً مخيفاً قد يمهد لخلط الأوراق من جديد، بحيث يكون التصدي للقوات الأجنبية جزءاً من المقاومة التي سيجيرها داعش لنفسه.

محنة الدول التي صارت مهددة بالارهاب تفتح ملف المجتمعات التي ابتليت بالتطرف الديني وعجزت عن احتوائه.

ألا يمكننا الاعتراف بأننا ندفع بأبنائنا إلى هاوية التطرف الديني؟

 

فاروق يوسف