من المنتظر أن يعرف مجلس حقوق الإنسان في دورته التاسعة عشرة جدلا بخصوص الوضع في سوريا، ونقاشا بخصوص الأوضاع في كل من ليبيا والسودان وكوت ديفوار وميانمار، وقد يشهد مواجهات ثقافية بخصوص مناقشة موضوع التوجه الجنسي وحرية الأديان وبعد الإجماع الذي تميزت به أشغال الدورة السابقة لمجلس حقوق الإنسان لدى معالجة بداية الأزمة الليبية، يبدو أنه سيعود مجددا في دورته الحالية التي تستمر من يوم الإثنين 27 فبراير حتى 23 مارس 2012، إلى مرحلة التكتلات الجغرافية السالفة وسياسة التحزب الإيديولوجي أو المصلحي، لدى تناوله للأزمة السورية.

 

وضع سوري مقلق

مجلس حقوق الإنسان سيتطرق إلى الوضع في سوريا من خلال نقاش خاص ينظم يوم الثلاثاء 28 فبراير بمشاركة رئيس الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة القطري ناصر عبد العزيز الناصر، الى جانب المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافي بيلاي، وبمشاركة العديد من الوزراء الذين سيشاركون في القسم المخصص لتدخلات الشخصيات البارزة والذين يفوق عددهم هذا العام التسعين هذا النقاش الذي دعت إليه قطر وساندته عدة دول عربية وغربية ، قد لا يعدو أن يكون منصة تعبر فيها الدول عن مواقفها من هذه الأزمة، ولو أن بعض الدول الغربية ترغب في ان تتبلور تلك المواقف في صيغة "مشروع قرار يوجه رسالة قوية للسلطات السورية".
 
كما ستُثار القضية السورية مرة أخرى أمام مجلس حقوق الإنسان عند استعراض نتائج تقرير لجنة تقصي الحقائق التي عينها المجلس في جلسته الخاصة التي انعقدت في أغسطس 2011، بخصوص الانتهاكات المرتكبة في سوريا. وهو التقرير الذي أكدت فيه لجنة تقصي الحقائق الأممية بأنها "سلمت لمكتب المفوضية ظرفا مغلقا به قائمة اسماء مسؤولين سوريين  متهمين  بارتكاب جرائم ضد الانسانية  وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان" كما اشارت هذه اللجنة في تقريرها إلى أنها "حددت بعض الوحدات العسكرية وبعض اللجان الأمنية، إضافة الى أسماء قادة ورسميين من أعلى المستويات في الحكومة السورية". ولكن اللجنة اشارت ايضا الى وجود اسماء لقادة الجيش السوري الحر ضمن هذه القائمة مضيفة بأن "حجم الانتهاكات التي ارتكبوها لا ترقى الى مستوى ما ارتكبته اجهزة الدولة" السورية.
 
المستوى الثالث الذي سيتم فيه التطرق للوضع السوري أمام مجلس حقوق الإنسان هو عند مناقشة مصير لجنة تقصي الحقائق وتعيين الشخصية التي ستتولى مهمة مقرر خاص مكلف بالملف السوري. إذ تعالت اصوات تشير الى أنه ما دامت السلطات السورية لم تسمح بزيارة أعضاء لجنة تقصي الحقائق لسوريا، فلا فائدة من استمرارها. وتتوقع رئيسة المجلس لاورا ديبوي لاسير من أورغواي أن "يتم استبدال اللجنة عند نهاية مهمتها في شهر يونيو القادم". وهناك حديث عن إمكانية  تعيين رئيس لجنة تقصي الحقائق في سوريا الأرجنتيني  باولو بينهايرو كمقرر خاص لسوريا من جهة أخرى، سيعود مجلس حقوق الإنسان إلى مناقشة نتائج تقديم سوريا لتقريرها الأول أمام آلية الإستعراض الدوري الشامل عند تطرقه إلى الدول الأربعة عشر التي قدمت تقاريرها في الدورة السابقة.

 

في انتظار اقتراحات النظام الليبي الجديد

ليبيا التي كانت محط اهتمام الدول الأعضاء في الدورة السابقة، لما كانت في بداية ثورتها، ستعرف تقديم تقرير لجنة تقصي الحقائق التي عينها المجلس في جلسته الخاصة في فبراير 2011. وإذا كانت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان قد أعربت  آنذاك عن دعمها لحقوق الشعب، وإدانتها للتجاوزات التي ارتكبها نظام العقيد القذافي، فإنها تنتظر اليوم  معرفة ما ستكشف عنه السلطات الجديدة من خطوات تعزز الالتزام بالمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان. وقد لا تسهل التقارير المتتالية الواردة من ليبيا عن تعاظم الانتهاكات هذه المهمة لكن يبدو ان المجموعة الدولية منحت للسلطات الليبية فرصة للتعبير عن ذلك بنفسها، بحيث تنتظر رؤية مشروع القرار التي ستقدمه السلطات الليبية   بخصوص أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا وما تنتظره من  دعم من المجموعة الدولية في هذا المجال. وهناك تكهنات بأن تعرب السلطات الليبية عن بعض الانفتاح نحو آليات حقوق الإنسان وتوجيه دعوات لبعض المقررين الخاصين بل حتى في اتجاه المفوضة السامية لحقوق الإنسان لزيارة طرابلس.
 
وفي إطار المساعدة التقنية التي يقدمها المجلس لدول بحالها يمكن إدراج المساعدة المقدمة لكل من السودان وكوت ديفوار اللذان سيعرفان تجديد  الشخصيات التي ستتولى  مهام المقرر الخاص في كل بلد أما بالنسبة للوضع في الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة الذي كثيرا ما كان من المواضيع المثيرة للجدل في مجلس حقوق الإنسان ومن قبله في لجنة حقوق الإنسان، فإن هذه الدورة ستقتصر على الاستماع لتقرير المفوضة السامية وتقرير الأمين العام بخصوص الأوضاع هناك.  ولو أن بعض منظمات المجتمع المدني تريد إعادة إحياء تقرير غولدستون الذي عمل الفلسطينيون أنفسهم على إجهاضه في وقته.  

 

هوة ثقافية وأخرى بيئية

إذا كان مجلس حقوق الإنسان (ومن قبله لجنة حقوق الإنسان) قد عانى من مشكلة الإنقسامات والتكتلات الجغرافية والأيديولوجية، فمن المنتظر أن يشهد اليوم انقسامات جديدة الإنقسام الأول بسبب الجدل الدائر حول حرية التوجه الجنسي، وحقوق المثليين التي جعلت منها دول غربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة  الأمريكية أولوية، بينما تعارضها دول منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقا) ومعها بعض الأعضاء من المتمسكين بالتوجه الديني المسيحي. وكما عبرت عن ذلك رئيسة المجلس السيدة لاورا ديبوي لاسير "هناك خطر حدوث مقاطعة من قبل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي ولكن نتمنى ألا نصل الى ذلك". ومن المحتمل أن توفر الندوة الصحفية المتوقعة للأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي السيد إكمال الدين إحسان أوغلو يوم الاثنين 27 فبراير في جنيف بعض التوضيحات بهذا الخصوص.
 
نقطة الخلاف الجديدة الثانية هي مناقشة موضوع التغيرات البيئية وعلاقتها بحقوق الإنسان. في هذا الإطار يبدو أن هناك من يناصر مناقشة الموضوع من باب علاقة تأثيرات التغيرات المناخية  الميدانية المباشرة  على حقوق الإنسان، وغالبيتهم من الدول الغربية، بينما يرى البعض الآخر أن الموضوع يجب ان يناقش من باب أوسع أي التغيرات المناخية في العالم وتأثيراتها على حقوق الإنسان، وهنا تتجمع عدة دول نامية. ويبدو أن هذا الجدل لا زال في بدايته بين  بلدان متطورة ترغب في تحميل الدول النامية قسطها من أعباء التغيرات المناخية، وبين بلدان نامية ترى أن الضرر الأكبر  يجب ان تتحمل وزره الدول الصناعية التي لوثت الهواء لعقود من الزمن ويمكن إضافة عنصر ثالث لنقاط الخلاف داخل مجلس حقوق الإنسان، أي ما سيثار من جدل حول حرية الانترنت وعلاقتها بحقوق الإنسان. وهنا ينتظر أن تتشكل مجموعة رفض جديدة قد تضم جميع الدول التي ترغب في ممارسة رقابة على الإنترنت، لأسباب ومبررات متعددة.
 
أخيرا، ستتخلل أشغال المجلس طوال هذه الدورة، جلسات نقاش تفاعلي حول أكثر من 40 تقرير بالإضافة الى  جملة من النشاطات التقليدية مثل تجديد مهام أصحاب الولايات الخاصة من مقررين وخبراء مستقلين. وستكون الخاتمة  بالمصادقة على جملة من مشاريع القرارات التي تتقدم بها الدول أو المجموعات الجغرافية، وهو ما لم تتحدد معالمه لحد الآن.