يواجه المغرب بخصوص ظاهرة الهجرة الإفريقية تحديات كبرى تتأرجح بين مدى قدرته على تحويل المهاجرين الوافدين إليه إلى قيمة اقتصادية وثقافية إَضافية، وبين أن تصير الظاهرة عالة اجتماعية موقوتة. ومنذ إعلانه عن تسوية وضعية المهاجرين من دون وثائق المقيمين يكون إنما شرع الباب أمام سلسلة من الواجبات، التي يقتضيها المجتمع الحداثي و الدولة المتطلعة إلى الديمقراطية، اتجاه المهاجرين ويتعين الالتزام بها، كما أنها أيضا تكون قد فتحت ممرا واعدا إلى مجال يحمل بالتأكيد الكثير من الإمكانات التنموية اقتصاديا وثقافيا وحتى دبلوماسيا .

وقد بات واضحا أن الهجرة الوافدة إلى المغرب وبشكل شامل من بلدان إفريقية أضحت واقعا يقف تحديا كبيرا على أعتاب دولة كانت تقليديا مصدرا قويا للهجرة خصوصا نحو أوروبا، و تغدو بشكل مفاجئ لكن على نحو متوقع مستقرا لها.

ويبدو الارتباك جليا على الدولة المغربية وهي تبحث لنفسها عن مسالك لتأمين هذا الانتقال من التصدير إلى الاستقبال، يتجلى في تضخيم المظلة الأمنية في التعامل مع الظاهرة، وافتقار مؤسساتها لصيغ ناضجة لإدماج الوافدين الجدد في المجتمع المغربي،  فلم يتبلور لدى الحكومة خطاب سياسي واجتماعي في هذا الاتجاه وهو ما جعلها في أحايين عديدة عرضة لانتقادات من قبل منظمات حقوقية دولية و محلية.

وتلقى المغرب انتقادات كبيرة  بسبب تعاطيه الأمني والحقوقي السلبيين مع المهاجرين، بل حتى قرار تسوية وضعية المهاجرين كانت بسبب الضغوط  والحرج الذي استشعرته الرباط  من انتقادات المنظمات الحقوقية الدولية، حسب العديد من المراقبين.

ومنذ  إعلان الرباط  في شتنبر الماضي عن مشروع لتسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين، فقد كانت في الآن نفسه تفتح الباب أمام مسار تحول سوف يعيشه المغرب على صعد عدة: اجتماعية وثقافية واقتصادية، بل وستتزداد التحديات الحقوقية أمامه التي ستفرضها اعتبارات هؤلاء الوافدين الجدد.

ومن الناحية الإجرائية فإن تسوية وضعية عشرات الآلاف من المهاجرين للإقامة بالمغرب، يعني على نحو ملزم، الإسراع في بلورة سياسة إدماجية فاعلة يقودها تصور للهجرة الوافدة إلى المغرب متحرر من النظرة التقليدية المرهونة إلى المعالجة الامنية فقط، بل المنفتحة على اعتبار الظاهرة مكنونة بقيم إضافية عديدة.   وتحدثت أرقام رسمية مغربية عن ان  حوالي 40 الف من المهاجرين  من دون وثائق يوجدون على التراب المغربي، لكن نسبة كبيرة  منهم تطمح للانتقال إلى اروبا.

ويرى مهتمون بشأن الهجرة أنه يتعين على السلطات المغربية التسريع في توفير سياسة إدماجية ناجعة، لتسهيل الانتقال نحو مجتمع متعدد و غني ثقافيا،  ومشبع بالسلم الاجتماعي، ومد أفق واعد ايضا للتنمية الاقتصادية. سيكون المغرب معنيا بإدماج أبناء المهاجرين في المدارس العمومية، وتوفير نظام يضمن وصولهم إلى المستشفيات العمومية وكذلك الخدمات العمومية الأخرى.  وفسح الفضاء  العام المغربي هؤلاء الأجانب بما يضمن لهم فرص التعبير الثقافي المتعدد لذواتهم. و سيكون، بموجب ما يقتضيه المجتمع الحداثي المنفتح، لزاما السماح لهم بخلق وسائل إعلامهم لعكس تطلعاتهم ونقل مواقفهم، وبالتاكيد إغناء مشهدنا الإعلامي المغربي بجرعة أكبرمن التنوع والتعدد.

و  لعل  بناء رأي عام محلي متقبل لهذا الوافد الجديد، متعايش معه متحرر من العنصرية الاجتماعية  التي فاحت روائحها في حوادث متكررة ستكون خطوة  جوهرية لتثبيت اندامج إيجابي. وسيكون المجتمع المغربي ملزما بتفهم ذلك على اعتبار أنه مجتمع تتوفر جل أسره على  فرد واحد منها على الأقل مهاجر بالخارج.

وكما أثب تاريخ الهجرة الحديث، فإن الظاهرة  تحمل في طياتها نفعا اقتصاديا وتنمويا لافتا وقامت النهضة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية على أكتاف المهاجرين الى حد ما، و ستكون بكل تأكيد بذات القيمة  على المغرب متى أحسنت سلطاته تدبيرها وإدماجها.

ويسهل على الحكومة المغربية متى راودتها  نية صادقة في ذلك الاستفادة من عدد كبير من أبناء الجالية المغربية الذين يتجاوز عددهم أزيد من 5  ملايين مهاجر مغربي،  بينها نخبة واسعة عملت وتعمل في قطاعات الهجرة المختلفة ببلدان أوروبية وغير أوروبية، وراكموا خبرات كبيرة في تدبيير هذا الملف، سيمكن ذلك المغرب من دون شك من إمكانات متقدمة  لبلورة تصور إدماجي فاعل إضافة إلى الآليات  الناجعة لتنفيذها.

الاهتمام  بكل هذا الجوانب المرتبطة بتصور إدماجي للمهاجرين في المغرب، سيتربت عنه انعكاسات إيجابية أخرى، على الصعيد الدبلوماسي والعلاقات مع البلدان الإفريقية. سيصبح  هؤلاء المهاجرين أول من ينقلون صورا عن المغرب إلى بلدانهم وسلطاتها بل وشعوبها، ستكون تلك الصورة رهينة بصيغ التعامل معهم. المهاجرون عادة ما يشكلون جسور تقارب بين بلدان إقامتهم وبلدانهم الأصلية. و يظهر المغرب اهتماما لافتا  بتطوير علاقته مع هذه الدول الإفريقية  و قد  يكون رابط الهجرة احد عناصره الناجعة لتطويرها.

 

محمد المودن