ما الذي لا يجري في التعاضدية العامة لرجال وموظفي التعليم ؟ هذا هو السؤال البديل، أما السؤال عما يجري فقد حبلت به أعمدة الجرائد والصحف الإلكترونية، وهو يبني صورة فسيفسائية قاتمة عن ديار لقمان في بلادنا، وجيوب المقاومة، و"مسامير جحا"، والمحاولات الجديدة للنأي بأعشاش الفساد عن أنظار القضاء وأي تحريك لمساطره من أجل وضع حد لتصرفات باتت بالية، وصارت من سمات سنوات النهب والسلب واستباحة المال العام لننطلق من الأحداث ونضع قلم "صاحبة الجلالة" على مكمن الداء، ونزيف الجرح، وغابة استأسد فيها الناهب وصار يقوضها كما يقوض الراعي القطيع، وكم من غنم استوصى عليها أهلها بالذئاب، وكم هي عدد الكتابات الغزيرة التي أمطرت الملف دون كلل فلم يكن لها صدى في بئر الفساد العميق، معطيات منها:

 

- ملف قوي على صفحات أسبوعية "الحياة الجديدة" في أبريل من سنة 2010 يتحدث عن أكبر الاختلاسات التي تعرضت لها التعاضدية العامة للتربية الوطنية، حدد أسماء شخصيات وازنة حصدت الأخضر واليابس من صناديق "الإحتياط الاجتماعي لرجال التعليم"

 

- دعوة المكتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم 6 دجنبر 2011 إلى إجراء افتحاص للتعاضدية.

- وفي الخامس من يناير 2012 حذرت جريدة "التجديد" من انفجار بالتعاضدية بسبب الاختلاسات والاتهامات المتبادلة، أبطالها نقابيون، وعنونت موضوعها ب"تعاضدية رجال ونساء التعليم على صفيح ساخن"، وقبلها وفي 15 من نونبر نشرت موضوعا تطالب فيه هيآت بإجراء افتحاص للتعاضدية.

- الجامعة الوطنية لموظفي التعليم تسجل استمرار هدر المال العالم في المصالح الخارجية.على صفحات المساء... وملفات كثيرة أخرى تآكلت وهي تصرخ فلم يلقى لها بال...

 

بيد أن الحزن اليوم أحزان وأشجان، فعوض أن نسائل رجال التعليم عن فواجعهم وأمانتهم التي عرضت على الجبال فأبت حملها، فحملها النقابيون واستأثروا بها، وقسموا الكعكة بينهم، نسائل أيضا هذه "السلطة الرابعة" التي سميت كذلك زورا وبهتانا، ففي الدول التي تحترم نفسها، لن ينتظر القضاء انقضاء الحبر، وانتهاء الورق من كثرة ما كتب على إحدى أكبر ملفات الفساد كي يفتح التحقيق ويقدم المتهمين إلى العدالة لقد كتبت الجرائد والمجلات والجرائد الإلكترونية وصاحت حتى "بحَّت" حناجرها، دون أن تحرك وزارة المالية ساكنا، ودون أن يتحرك المجلس الأعلى للحسابات، ولا تم فتح تحقيق من طرف القضاء، في حق مجموعة ممن أسماهم المحيط ب"شيوخ التعاضدية"...

 

 

وبمناسبة مقولة "شيوخ التعاضدية" أليس غريبا أن تستحود نقابة الإتحاد المغربي للشغل على التعاضدية وتصبح وكأنها مقاولة خاصة، ويركب امحمد غيور صهوة رئاسة التعاضدية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويعمد إلى التدليس في عقد الجموع العامة، في الوقت الذي تحتل نقابته مراتب متأخرة بين النقابات الأكثر تمثيلية في قطاع التعليم؟ وكيف تبقى التعاضدية حبيسة تدبير تعود نعومة أظافر العقول المدبرة له إلى أربعينيات القرن الماضي، بعضهم تجاوز السبعين ولا يزال يتحكم في مجريات الأمور وفي الصفقات وتدبير الملفات؟ ( رئيس قسم الموارد البشرية عضو المجلس الاداري للتعاضدية مزداد سنة 1940، الامراني بديعة كتابة الرئيس مزدادة سنة 1940، ساجد رقية مسؤولة خزينة القطاع التكميلي و مصلحة الاجورمزدادة سنة 1948، أزرو أمينة مسؤولة خزينة المنشآت الاجتماعية ومصلحة الاجور مزدادة سنة 1943، العدام محمد مسؤول مراقبة مراكز الشؤون الاجتماعية مسؤول عن تهيئ ملفات الصفقات مسؤول مصلحة تصفية الملفات الخاصة بمراكز الشؤون الاجتماعية مزداد سنة1951، ابروشن سليمة مصلحة المراقبة الطبية للاسنان تدبير و تسيير مراكز الشؤون الاجتماعية مسؤولة على تحضير ملفات الصفقات 1946).

 

 

لقد عمد هؤلاء الشيوخ إلى تكثيف لقاءاتهم في المكتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل، من أجل إيجاد طبخات بديلة في ظل التخوفات المتنامية من فتح ملفهم أمام القضاء، بعض هذه اللقاءات حضرها مقربون من فؤاد عالي الهمة مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يحاول ضمان الغطاء السياسي، في مقابل تحريك العمل النقابي والاحتجاجي في وجه الإسلاميين، بمعنى ميلاد نظرية جديدة في التعاضد السياسي-النقابي من أجل المحافظة على أعشاش الفساد لم يبقى للتعليم ورجاله سوى أن يؤكلوا يوم أكل الثور الأبيض، ويأتيهم الغدر من حيث لا يحسبون، وتغمض السلطات القضائية والهيآت المعنية جفونها درءا لكشف المستور، وإثارة ملفات تعود رائحتها الرائجة إلى عقود من التدبير الإنفرادي لمؤسسات "الإحتياط الإجتماعي".

 

 

بموازاة الحروف التي تسترسل من تلقاء ذاتها، وهي تنعي العدالة والكرامة في ساحة رجال التعليم، والذين لم يعد مطلبهم وقوف يوفيهم التبجيل، تعد العدة ويوحد "شيوخ التعاضدية العامة لرجال التربية والتعليم" جهودهم لطبخة جديدة، تروم إخفاء تاريخ جمع عام تنادى له القوم بلا أذن صاغية، ويقوم الشيوخ بحني الرؤوس في دائرة أشبه بدوائر اليناصيب التي يعقدها المتقاعدون، وهم يضعون برمجة بقية مسلسل رهيب من مسلسلات الفساد في هذه البلاد، وعوض فتح التحقيق في التعاضدية، ننتظر فتح التحقيق مع الصحفيين...الحائط القصير.