تجري الاستعدادات لانتخاب عبدربه هادي، المرشح التوافقي للرئاسة، في أجواء مشحونة بالتوتّـر بين المؤيِّدين والمعارضين وقد شهدت عدّة مناطق، أعمال عنف قام بها المعارضون للإستفتاء الشعبي الخالي من أي منافسة حقيقية تبرِّر ذلك الإنقسام  وتحُـضّ الأطراف الموقّـعة على المبادرة والمؤيِّـدة لها، المواطنين اليمنيين على المشاركة في التصويت على المرشح التوافُـقي، باعتباره خطوة نحو التحوّل من عهد علي عبدالله صالح، إلى ما بعده غير أن ما بعد، يبدو على غيْـر الصورة التي توقّعها أو رسمها شباب الثورة للتغيير، ويشاطرهم في ذلك، كلّ من الحِـراك في جنوب البلاد والحوثيين في الشمال، وهي الأطراف التي أعلنت مقاطَـعتها الإستِـشارة الشعبية، لأسباب منها ما يتعلّق بالشروط التي ستُـجرى فيها الإانتخابات، ومنها ما يتعلّـق بالطريقة التي تُـدار بها اللُّـعبة السياسية، سواء خلال مرحلة العمل الثوري أو بعد الإنتقال إلى العمل السياسي .

 

تهميش الحراك الجنوبي وشباب الثورة

فالحراك الجنوبي الذي انطلق في عام 2007 وقبله التمرّد الحوثي في الشمال منذ عام 2004، وكلاهما ساهَـما في زعزعة تماسُـك نظام الرئيس صالح، إلا أنه لم يُنظر إليهما كروافِـد في حركة التغيير التي اسقطت النظام ويرى الفصيلان أنهما هُـمّـشا في التشكيلات التي ظهرت في مرحلة ما قبل التوقيع على المبادرة، كالمجلس الوطني للثورة أو في التشكيل الحكومي بعد التوقيع، ما عمّـق الهوّة بينهما وبين حكومة التوافق، خاصة أن تصوّرات هذه الأخيرة، من وجهة نظر تلك الأطراف، لم تقدّم رُؤية واضحة ومحدّدة لحلّ قضاياهم، وإنما رحَّـلت كل مطالبهم  إلى مؤتمر الحِوار الوطني المنصوص عليه في آلية المبادرة، والذي يرون أنه حوار غيْـر محدّد المعالِـم والأهداف، فضلاً عن توسّع أطرافه وتشعّب قضاياه، إلى الحدّ الذي يُـنذر بعدم استيعابه لمطالب الفدرالية أو الإنفصال، بالنسبة للجنوبيين، أو لجهة قبوله منح وضعية خاصة لأتباع الحوثيين من الشيعة الزّيدية، وِفق رُؤية سياسية يقبَـل بها مختلف اللاّعبين السياسيين، علاوة على تجاهله لشباب الثورة المستقل، الذي كان له قصب السَّـبَـق في اندِلاع الانتفاضة الشعبية في 11 فبراير من عام 2011.

 

عودة خطاب التخوين والتمجيد

الإشكالية في رهان اليمن، تتجسَّـد في أن السياسية عادةً ما تتأثّـر بالواقع الذي تشتغل فيه من جهة، وبفهم الممارسين لها من جهة أخرى. فالصورة التي تتمظهر فيها السياسية، حتى بعد متغيرات الربيع اليمني، تبدو لدى أطراف المعادلة السياسية، نفوذ ووجاهة وفرصة لتحقيق العوائد المادية والمعنوية وقد ظهرت منذ اللحظات الأولى لنقل السلطة، بوادر التسابق المبكّـر على غنيمة الحُـكم في صورة عادت لتكرّر التاريخ اليمني الحافل بمواجع السيطرة العشائرية على نتائج حركات التغيير وتطويعها لصالحها، ما زاد من مخاوف وشكوك المتطلّعين للتغيير المأمول من شباب الثورة، الذين عولوا عليها أن تُـخرِج بلدهم من دائرة النفوذ العشائري التقليدي إلى المشاركة المجتمعية، التي تمكِّـن بناء دولة تعبِّـر عن تطلعات المجتمع بكل مكوِّناته، ولا ترتهن لدوائر النفوذ القبلية التقليدية والعمل على استرضائها فالمُـدرك لدى العديد من شباب الثورة والحراك والحوثيين حتى الآن، هو التسابق المحموم للمتطلّعين والطامحين بالتقرّب من أطراف السلطة الجديدة وجنْـي ثمارها ومنذ تشكيل حكومة التوافق، طفت على السطح حدّة الخطاب بالكلام والكتابة التي أطلقها الباحثون لمكافأة اللاعبين السياسيين الجدد، الذين أفرزتهم الثورة، فغلب تلك الكتابات النّـزق الزائد في تبخيس وتقزيم أدوار المشاركين في التغيير، وعاد خطاب التخوين والتمجيد ليُطِـل بثقله من جديد في الساحة اليمنية، ليذكر بأن صناعة الزعيم وتلميع القادة التي سادت في عهد صالح، ستعود بلبوس الثورة وبالمضمون والأسلوب ذاته الذي صنع وأنتج التسلط والإستبداد.

 

بوادر غير مشجِّـعة

وتأكّدت البوادر الغيْـر مُـشجعة على تفاعُـل بعض الأطراف مع الإنتخابات في عدّة مؤشرات. أولها،  أن التغيرات التي حصلت في بعض المواقع المدنية والعسكرية لم تعمل على إزاحة المتورِّطين في أعمال القمع والفساد، وإنما حملت بعض المتورِّطين في انتهاكات حقوقية وقضايا فساد، وبدأت بوادر تقاسم مناصب الوظيفة العمومية على أساس المحاصصة والولاء الحزبي المؤشر الثاني، يتبدى في مضمون ومحتوى انتقال السلطة. فالواضح لدى الأطراف غير المُطْـمَـئِـنّة للتغيير، أن الثورة لم تفضِ إلى تغيير جوهري في بنية وآلية النظام، وترى أن الإنتقال جرى في إطار وضِـمن الهيمنة العشائرية بانتقال السلطة من صالح إلى آل الأحمر، من أولاد الشيخ عبدالله بن حسن الأحمر وإلى علي محسن الأحمر، ويستدلّـون على ذلك بأن بصماتهم كانت واضحة في تشكيل حكومة التوافق وفي تعيين أعضاء اللجنة العسكرية العليا، وحتى في التّعيينات الأخيرة في القطاعيْـن المدني والعسكري، علاوة على أن وحدات الجيش والأمن ما زالت في أيدي أبناء الرئيس أو في يد خصومه العشائريين، فيما ظل دُعاة التغيير والمبادرين للثورة، بعيدين عن مواقع التغيير الذي حلموا به  المؤشر الثالث، في غُـمرة الطموح والتسابق، عاد خطاب الوصاية والإرشاد الوعظي والتوجيهي للمجتمع، من خلال تزايد حملات التخوين ضد مَـن لن يشارك في الإنتخابات. وذهب بعض الغُـلاة من المتشدِّدين الإسلاميين إلى اعتبار المقاطعة، مخالفة للدِّين وعِـصيانا لله، وزاد بعضهم اتِّهام مَـن سيتخلف عن يوم الإقتراع، بأنه من بقايا النظام وضدّ الثورة، ما عمل على استِـفزاز المقاطعين .
 
المؤشر الرابع، أن أحزاب اللِّـقاء المشترك، وهي الشريك الفاعل في الثورة، لم يصدُر عنها ما يطمئِـن شركاءهم  بأن التغيير قد حصل فعلاً، إذ سعت إلى اتِّـباع الأساليب التكتيكية نفسها، التي مارسها النظام. وبدلاً من أن تأخذ بقية الفاعلين في الإعتبار، سعت إلى تقديم مكوِّنات تابعة لها، على أنها تمثل شباب الثورة المستقل، وتزامن ذلك مع تصريحات لقيادات في تلك الأحزاب، وتحديداً مع  القيادي في التجمع اليمني للإصلاح محمد قحطان، الذي قال لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس): "الشباب سيُخلون ساحات الإحتجاج بعد الإنتخابات، عقِـب تسليمهم أهداف الثورة للرئيس الجديد، الذي سيلتزم لهم بتنفيذها"، فيما يؤكد الشباب أن ثورتهم مستمرّة حتى تحقيق كامل أهدافها. وتَـكرّر الأمر ذاته منتصف الأسبوع الماضي مع الحِـراك في مدينة عدن، جنوب البلاد، عندما قدّمت تلك الأحزاب مجموعة من أتباعها بمسميات مختلفة إلى سفير الاتحاد الأوروبي، الذي كان في زيارة للمدينة بهدَف الإطِّـلاع على مطالب الحِـراكيين الذين انسحبوا من اللقاء، احتجاجاً على ذلك التصرّف.

 

خلافات مُـزمنة وعميقة

إجمالاً، يبدو أن الانقسام في الساحة اليمنية بين المؤيدين والمعارضين لانتخاب عبده ربه هادي، لن يؤثر في نتيجة الإنتخابات، لأن التصويت للمرشح التوافُـقي لا يعُـدّ سوى تحصيل حاصل، بعد أن كرّسته المبادرة كمرشح وحيد بدون أي منافس، علاوة على أنه يحظى بدعم المجتمع الإقليمي والدولي، بما فيه الأمم المتحدة، التي وصل مبعوث أمينها العام إلى صنعاء جمال بن عمر، للإشراف على استكمال خطوات نقل السلطة بانتخاب هادي، بموجب المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014 في المقابل، يُمكن فهْـم الانقسام بين المؤيدين والمعارضين، كمقدِّمات لخلافات مُـزمنة وعميقة تتطلّـب مقاربات وأساليب جديدة للتعامُـل معها، تعبِّـر عن مرحلة ما بعد الربيع العربي، خاصة أن كل أعراض عدم الاستقرار التي تعاني منها بعض البلدان العربية التي شهدت الثورات الشعبية، هي بمثابة عِـلل مستوطنة في الحالة اليمنية وقابلة إلى أن تُـبقي البلاد على حاله، إن لم يكن بأسواء من حاضره المُـضطرب.

 

عبد الكريم سلام - صنعاء