أحمد السنوسي

 

سرد الناصري، صاحب كتاب “الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى”، وقائع السجل الحافل لمواجع “المغرب الأقصى”، وسجل و”زمم” في “كناشه” دقائق الأخبار، وكأنه صحافي زمانه الحريص على الالتزام بالخيط الفاصل ما بين الخبر والتعليق، تاركا لهواة الحوليات التاريخية هامش الاستنتاج واستخلاص الخلاصات والعبر.

 

 

وكان بديهيا أن يمتنع القارئ “العايق والنبيه” عن تحميل كتاب الناصري أكثر مما يحتمل، خصوصا على مستوى استشراف مستقبل “المغرب الأقصى” وحاضر “مغرب الإقصاء”، الذي لم يعد في حاجة إلى استقصاء وسبر أغورٍ دقيق لما آلت إليه أحوال البلاد والعباد في مغربنا العزيز.

وفي أيامنا الراهنة هاته، وبمرجعية الناصري أو بدونها، كانت كلمة “الإقصاء” الأكثر ترددا على الألسنة، لا لأن تنافسا كرويا إفريقيا أبدعها لأول مرة، بل لكونها كادت أن تتحول إلى جلد ثان كان يلتصق بالإنسان المغربي من المهد إلى اللحد، إلى أن جاءت نكسة جديدة للمنتخب الكروي المغربي للقدم، لتزكي واقعا قائما تعرض، طويلا، للتنويم الاصطناعي.

 

 

وكانت هبة ريح إفريقية كافية لكي تتسع عدسة المجهر المغربي، ليدرك أن الإقصاء المزمن في كرة القدم مجرد قطرة في بحر الإقصاءات المتناسلة التي لم تنفع معها حيلة “مطاردة الساحرات”، حيث “مرة مرة، تتم التضحية بشي وحدين درا للرماد في العيون”، وتتم هذه الحيلة عبر تجميع الغضب الشعبي كاملا، وصبه في قناة تنصيب ناخب أجنبي.

 

 

 

فمن نَصَّب هذا المدرب الأجنبي؟ وهل يوجد في المغرب مدربون أجانب في الكرة فقط ؟ فالمغرب يعج بالمدربين الأجانب في كل المجالات.

ثم كيف يحولون نخبة من اللاعبين إلى أكباش فداء دون غيرهم، بالرغم من كل ما يمكن أن يقال عن مستوى أدائهم على رقعة الملاعب الرياضية، أو مدى حفظهم للنشيد الوطني، في عملية استغفال جماعية تلهينا وتنسينا التساؤل حول مستوى أداء “المسؤولين” عن القطاعات الحيوية التي ترهن حياة ومعيش وحرية المواطن المقصي أصلا من أي قرار في مغرب الإقصاء الذي ما دخل منافسة إلا وخسرها بنجاح قل نظيره.

 

 

وما وضعت المنظمات الدولية ترتيبا لمستوى النمو أو مقدار الالتزام بالحريات العامة وحرية الصحافة والإعلام والتعبير إلا ووضعته في أسفل القائمة، حيث أظهر مغرب الإقصاء أنه أصبح عاجزا عن الاحتفاظ بمواقعه المتأخرة في الترتيب العالمي، حيث سيتم إقصاؤه منها.

 

 

 

بل، على العكس من ذلك، استفحلت أموره وأوضاعه، وسُحبت منه النقط تلو النقط، حتى كاد يتحول إلى شبح عصي على الترتيب والتصنيف.

وما الإقصاء في كافة أصناف الرياضات سوى الجزء الظاهر من جبل الثلج الذي اعتاد “التيتانيك” المغربي الاصطدام به كل مرة، مادام ربابنة السفينة لا يحسنون القيادة، بل لا يعرفونها أصلا، لا في الظلام الدامس ولا في وضح النهار، غير عابئين بمصير من ألزمتهم الأقدار بامتطائها، ولو أنهم واثقون من أنها تبحر نحو وجهة مجهولة وبدون بوصلة ودون قوارب نجاة.

 

 

فماذا يضير الفريق أن يرتدي قبعة المحلل الرياضي يشرح جسد الهزائم والنكسات، ويتلهى بالهزيمة النكراء، بعد أن خططوا له للتلهي بالنصر المبين، مادام مقصيا من الحق في إحراز نصره بيده، لا بيد من يعتبرون النصر والهزيمة سيان، مادامتا لن تغيرا شيئا من ملامح مغرب الإقصاء.

فلا خير في بلد لا يقاوم الذين أقصوا ثقافته وهويته وحريته. أما عن المنتخب الوطني، فقد قال لنا المسؤولون عن كرة القدم إنه سوف يذهب بعيدا. وبالفعل، فقد ذهب بعيدا، وبلا عودة.