أصبح لدى الفلسطينيين اتفاق آخر، هو "إعلان الدوحة" حول رِحلة المصالحة الطويلة، وبإمكانهم الآن أن يدخلوا في جدلٍ جديد حوْل احتمالات النجاح والفشل لكن، ثمّة ما هو أكيد حتى اللّحظة، يُشير إلى أن عوامل جديدة تُـحرِّكها تحوّلات المِنطقة، تُـشير إلى حراك أكثر جديّة هذه المرة وبعد نحو سبعة أشهر على الاتفاق، الذي وقّعته الفصائل والحركات الفلسطينية، الوطنية والإسلامية، في القاهرة، جاء اتِّفاق الدوحة ليَسمح  بتشكيل حكومة مُـتَّفق عليها بين طرفيْ النزاع الداخلي الرئيسييْن، حركة فتح وحركة حماس.
 
وبالرغم من الأجواء السلبية التي ألقت بها خلافات قادة حماس على اتفاق الدوحة، لاسيما الإعتراض على حكومة يرأسها محمود عباس، إلا أن المؤشِّرات تسِير باتِّجاه احتمالات تطبيق الإتفاق ويبدو أن المُتغيرات التي تعصِف بالمنطقة العربية، تتربَّع على رأس هذه العوامل التي تدفع بالخصوم الفلسطينيين، إلى البحث عن عناصر مُشتركة وآليات لِتجاوز عقّـبة الانقسام الذي لا زال يضرب العُمق الفلسطيني منذ خمسة أعوام.
 
وليس حاضرُ ومستقبلُ مسار التسوية السياسية، الذي يقوده التيار الوطني بزعامة حركة فتح وقيادة الرئيس محمود عباس، سوى سببا مَـنيعا آخرا في تطوّرات العلاقة الفلسطينية الداخلية، لاسيما التقارب المفاجئ والسريع بين عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ويقول محمد المدني، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في حديث لـ
swissinfo.ch
 "إن اتفاق الدوحة، انعِكاس للموقف الوطني والمِثالي، الذي يُـفترض أن يتَّخذه الفلسطينيون في هذه المرحلة الدقيقة التي نعيشها. هَـمُّنا الوصول إلى أهدافنا في الحرية والاستقلال، ولا يكون ذلك ونحن منقسِـمون".
 
لكن الرئيس عباس، هو ذاته الذي أصرّ دوْما على عدم شرعية انقلاب حماس في غزة وعلى ضرورة تصحيح ذلك، بالعودة إلى شرعية منظمة التحرير والسلطة الوطنية في الأرض الفلسطينية. ومشعل، هو ذاته الذي ذهب إلى حدِّ وصْف قيادة عباس بأقسى الأوصاف، عندما قال خلال مهرجان في دمشق "إذا كان الغراب دليل قوْم / مرّ بِـهم على جيف الكلاب"
 بيْـد أن ما يجري في محيط عبّاس ومشعل، أكبر بكثير من الوقوف عند مثل هذه المواقِـف السَّـلبية، التي صارت جُـزءً من ماضٍ، لا يرغب كِلاهما في استرجاعه.

 

موقع حماس الجديد

وفي غـمرة ذلك الماضي القريب، كانت دمشق، المَقرّ الرئيسي والدّاعم المعنوي القوي لمشعل، الذي بزغ نجمه ونجم حركته فيها، بعد إبعادهم من الأردن، لتشكّل الحركة الإسلامية ركنا أساسيا من حلف المُـمانعة، مع كلٍّ من دمشق وطهران، إضافة إلى حزب الله أما الآن، ودمشق تغرق في ظلام ومجهول، لم يعُـد بإمكان مشعل أن يظلّ شريكا في الممانعة، التي بدأت في الغياب والتَّـلاشي.
 
ويقول محمد هواش، الكاتب والمحلِّـل السياسي في حديث لـ
swissinfo.ch
: "لم يعُـد لمشعل قاعدة قوية في دمشق بنفس المستوى الذي كانت عليه، وهو بعِـلمٍ أن هناك مرحلة انتقالية ويُـدرك أنه يجب أن يكون جزءا منها".
 
ويضيف "يُـدرك مشعل أيضا أن الوصول إلى قمة الهَـرَم السياسي الفلسطينيين، لا يتأتّـى بالإنقلاب عليه، وإنما من خلال الوُلوج إلى داخله والعمل من خلال ذلك، لاسيما مع كل التحوُّلات الديمقراطية في المنطقة"
 وتتعلّق إشارة المحلِّل السياسي هواش هذه، ببنود الإتفاق الفلسطيني حول تشكيل حكومة التوافق وإجراء الإنتخابات العامة والرئاسية، بما في ذلك انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، المعبر الضروري إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
 
ويرتبط إجراء الإنتخابات بشكل كبير بمسألة تشكيل الحكومة، التي يُـتوقَّـع أن تعمل على التحضير لها وتسهيل عمَل لجنة الإانتخابات المركزية، لاسيما في قطاع غزة، حيث كان عملها غيْـر ممكنٍ حتى وقت إعلان الإتفاق وليست ظروف الحركة الوطنية بأفضل من نظيرتها الإسلامية، إذ وصلت مفاوضات التسوِية إلى طريق مسدود، مع تعنُّـت ورفض حكومة اليمين في إسرائيل بوقف الإستيطان والموافقة على مرجعية للمفاوضات، تشمل التأكيد على إقامة دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
 
ويؤكِّـد مُـقرَّبون من عباس، أن الأخير ضاق ذرعا بالضغوط التي تُـمارسها الإدارة الأمريكية على الجانب الفلسطيني وتعطيلها استِـكمال مشروع الإعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي، وأنه بناءً على ذلك، فضَّـل عباس خيِـار الإتفاق مع حماس.

 

شتاء طويل

وبالرغم من أجواء التفاؤل التي أرسلتها رياح الدوحة الدّافئة، فإن شتاء الفلسطينيين السياسي، يمكن أن يطُـول، على غِـرار شتاء العام الحالي الطبيعي، الذي لم تشهد المنطقة له مثيلا منذ عام 1947، عشية نكبة فلسطين ومنذ اللحظة الأولى لإعلان الاتفاق، تعالَـت أصوات قياديين في حركة حماس في غزّة، لاسيما القيادي فيها محمود الزهّار، تُـعارضه وتَعتَـبره تنازُلا قدّمه خالد مشعل للرئيس عباس.
   
ولا زالت قيادة حركة حماس، الموزَّعة بين الخارج والداخل، تحاوِل التوصّل إلى تفاهُـم حول اتفاق الدوحة، وسيكون على هذه الحركة، التي تواجه جُـملة من التغيُّرات والإستحقاقات، مواجهة أزمات مشابهة في المستقبل وفي المقابل، سيكون على حركة فتح وزعيمها عباس أن تعمل جاهدةً لتحقيق إنجازات على طريق الحلّ السياسي والدبلوماسي، الأمر الذي يتطلّب منها استئناف الهجوم الدبلوماسي، الذي أطلقه في عام 2011 المنقضي، لأنه لن يكون بمقدُوره خوْض انتخابات دون إنجازات.     

 

هشام عبدالله